آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

٧٦ - [و] (١) قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا﴾ الآية. يقال: جنّ عليه الليل وأجنَّه الليل، ويقال لكل ما ستر: قد جنّ وأجن، ويقال أيضًا: جَنت الليل (٢)، ولكن الاختيار جنّ عليه الليل، وأجنه الليل (٣)، هذا قول جميع أهل اللغة، ومعنى ﴿جَنَّ﴾: ستر، ومنه الجَنَّة (٤) والجِنُّ والجُنُون

(١) لفظ: (الواو): ساقط من (أ).
(٢) (جن يستعمل لازمًا ومتعديًا، وهو مما اتفق فيه أفعل وفعل، إلا أن الأجود جن عليه الليل وأجنه الليل، فيكون الثلاثي لازمًا وأفعل متعديًا). انظر: "الدر المصون" ٥/ ٨.
(٣) هذا قول الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٦٦.
(٤) هذه كلمات تحتاج إلى ضبط وهي على الترتيب كما يلي:
الجَنَّة: بفتح الجيم والنون المشدد. البستان كثير الشجر.
والجِنّ: بكسر الجيم وتشديد النون: خلاف الإنس والواحد، جِنّيٌّ.
والجُنُون: بضم الجيم والنون، يقال: جُنَّ الرَّجُلُ جُنُونًا، وأَجَنَّه الله، فهو مَجْنُون. ويقال: جن عليه الليل يُجنُّ جُنونًا، أي ستره، وجن النباتُ جُنُونًا أي طال والتف.
والجَنَانُ، بالفتح: القَلْبُ، والرُّوحُ، وظَلامُ الليل.
والجنين، بفتح الجيم وكسر النون: الولد في البطن، وكل مستور.
والمِجَنُّ، بكسر الميم وفتح الجيم: التُّرْس، وكل ما استتر به من السلاح.
والجَنَنُ، بالفتح: القبر، والميت، والكفن.
والجُنُنُ، بالضم: الجُنُونُ، حذفت منه الواو.
والمُجَنُّ، ضبط في النسخ بضم الميم وفتح الجيم، ولم أقف على أنه المقبور، وفي "الصحاح": (جُنَّ الرجل جنونًا وأجنَّه الله فهو مجنون ولا يقال مُجَنٌّ).
والجُنَّة، بضم الجيم وفتح النون المشددة: ما استتر به من السلاح، وكل ما وَقَى. والجِنَّة، بكسر الجيم: الجنون، وذلك أن يغطي العقل.
انظر: "العين" ٦/ ٢٠، و"الجمهرة" ١/ ٩٢، و"تهذيب اللغة" ١/ ٦٧٣، و"الصحاح" ٥/ ٢٠٩٣، و"المجمل" ١/ ١٧٥، و"مقاييس اللغة" ١/ ٤٢١، و"المفردات" ص ٣٠٣، و"اللسان" ٢/ ٧٠٢، و"القاموس" ص ١١٨٧ (جن).

صفحة رقم 239

والجَنان والجنين، المجنُ والجنن والمُجن وهو المقبور، والجُنَّة والجِنّة، كل هذا يعود أصله إلى الستر والاستتار، ويقال في مصدره: جَنّ جَنًّا وجنونًا وجنانًا (١).
ويروى بيت دُريد (٢) بالوجهين:

وَلَوْلَا جَنونُ اللَّيلِ أَدْرَكَ رَكْضُنَا بِذِي الرَّمْثِ والأَرْطَى عِياضَ بنَ ناشِبِ (٣)
ويروى (٤): (جنان الليل). قال بعض النحويين: (﴿جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ أي: أظلم عليه الليل (٥) ولهذا دخلت على، كما تقول في أظلم، فأما جنّه فستره من غير تضمين معنى أظلم) (٦).
(١) انظر: المراجع السابقة. وقال الطبري في "تفسيره" ٧/ ٢٤٧: (المصدر من جن عليه: جنًّا وجُنُونًا وجَنَانًا، ومن أجن إجنانًا...) اهـ. وقال السمين في ٥/ ٨: (مصدره جَنُّ وجَنان وجُنون) اهـ.
(٢) درَيْد بن الصِّمَّة الجُشمي من هوازن، شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته.
(٣) "ديوانه" ص ٢٩، و"مجاز القرآن" ١/ ١٩٨، و"الأصمعيات" ص ١١٢، و"إصلاح المنطق" ص ٢٩٥، و"الجمهرة" ١/ ٩٣، و"الأغاني" ١٠/ ١٦، و"المجمل" ١/ ١٧٥، و"مقاييس اللغة" ١/ ٤٢٢، و"اللسان" ٢/ ٧٠١، وهو لخفاف بن ندبة السُّلَمي في "ديوانه" ص ١٣٠، و"الصحاح" ٥/ ٢٠٩٤.
والرمث والأرطى: نبتان معروفان، وذو الرمث: وادٍ لبني أسد. يقول: لولا أن الليل سترنا لأدركنا عياض بن ناشب الفزاري بذلك المكان فقتلناه.
انظر: "تهذيب إصلاح المنطق" ٢/ ١٢٩، و"معجم البلدان" ٣/ ٦٨، و"اللسان" ٢/ ٧٠١ (جن).
(٤) ذكره أكثرهم، وهو في "الديوان" وأكثر المراجع، (ولولا جنان)، وهما بمعنى واحد، وفي "الأغاني": (ولولا سواد) بدل (جنان).
(٥) لفظ: (الليل) ساقط من (ش).
(٦) انظر: "الفريد" ٢/ ١٧٧.

صفحة رقم 240

وقوله ﴿رَأَى﴾ فيه ثلاثة أوجه (١) من القراءة، فتح الراء والهمزة. [وفتح الراء وكسر (٢) الهمزة نحو الإمالة. وكسر الراء والهمزة] (٣) للإمالة، فأما من فتحهما جميعًا فعلّته واضحة؛ وهي ترك الألف على الأصل نحو: رَعَى ورمى لمَّا لم يُمِل الألف لم يمل الفتحة الفتحة التي قبلها، كما يميلها من يرى الإمالة ليميل الألف نحو: الياء.
وأمّا من فتح الراء وكسر الهمزة فإنه أمال الهمزة نحو الكسرة لتميل الألف التي في رأى نحو الياء، كما تمال الفتحة التي على الدال في هدى والميم من رمى لتميل الألف، وترك الراء مفتوحة على الأصل.
وأمّا من كسرهما جميعًا فإنه كسر الراء من رأى؛ لأن المضارع منه على يفعل، وإذا كان المضارع على يفعل كان الماضي على فَعِل، ألا ترى أن المضارع في الأمر العام إذا كان على يفعل كان الماضي على فَعِلَ، وإنما فتحوا الماضي في حروف ذوات عدد اختص موضع العين منها واللام بأحد حروف الحلق، وهي متسفلة المخارج، فشابوا ذلك منها بشيء من التصعّد وهو الفتحة في العين، ليعتدل الكلام، وإذا كان الماضي كأنه على فِعِلَ كسر (٤) الراء التي هي فاء؛ لأن العين همزة، وحروف الحلق إذا جاءت

(١) قرأ ابن عامر وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (رأى) بكسر الراء والهمزة. وقرأ ابن كثير وعاصم: (رأى) بفتح الراء والهمزة. وقرأ أبو عمرو: بفتح الراء وكسر الهمزة. وقرأ نافع: بين الفتح والكسر. انظر: "السبعة" ص ٢٦٠، و"المبسوط" ص ١٧٠، و"التذكرة" ٢/ ٤٠٢، و"التيسير" ص ١٠٣، و"النشر" ٢/ ٢٥٩.
(٢) في (ش): (وكسرة)، وهو تحريف.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) كذا في النسخ، وفي "الحجة" لأبي علي ٣/ ٣٢٨: (كسرة الراء)، وهو الصواب، وقد ورد في بعض نسخ "الحجة" كسر الراء كما في "الحاشية".

صفحة رقم 241

في كلمة على زنة فِعِل كسرت فيها الفاء لكسرة العين في الاسم والفعل، وذلك نحو قولهم في الاسم: حمار نِعرٌ (١) ورجل محك (٢) وماضغ لهم، وفي الفعل نحو: شِهِدَ ولِعِبَ ونِعِمَ، فكسرة الراء على هذا كسرة مخلصة محضة، وليست بفتحة مُمالةٍ، وأما كسرة الهمزة فإنه يراد بها إمالة فتحتها إلى الكسرة لتميل (٣) الألف نحو الياء، فإن قلت: إن الفاء إنما تكسر لتتبع الكسرة في نحو: شهد، والهمزة في رأى مفتوحة، فكيف أجيز كسره، مع أن بعدها حرفًا مفتوحًا؟.
قيل: إنه فيما نزلناه وبينّاه بمنزلة الكسرة، فأتبع الفتحة الكسرة المقدرة، فإن لقي رأى ساكن نحو: ﴿رَأَى القَمَرَ﴾ و ﴿رَأَى الشَّمسَ﴾ ففيه أيضًا ثلاثة أوجه من القراءة (٤):
أحدهما: فتح الراء والهمزة معًا، وهو قراءة العامة، ووجه ذلك أنه الأصل على قراءة من فتحهما إذا لم يلقه ساكن، وأما من كان يكسرهما إذا لم يلقه ساكن ثم فتحهما عند الساكن مثل الكسائي، فوجه ذلك: أن إمالة الفتحة في الهمزة إنما كانت لتميل الألف نحو الياء، فلما سقطت الألف بطلت إمالتها لسقوطها، ولما بطلت إمالتها لسقوطها بطلت إمالة الفتحة نحو الكسرة لسقوط الألف التي كانت الفتحة الممالة تميلها نحو الياء، وأما

(١) النُّعَر: داء يأخذ الإبل في رؤوسها، وحمار نَعِرٌ، بفتح النون وكسر العين: أي لا يستقر في مكان.
انظر: "الكتاب" ٣/ ٥٨٥، و"اللسان" ٧/ ٤٤٧٢ (نعر).
(٢) رجل محك، بفتح الميم وكسر الحاء، أي: لجُوج عسر الخُلق. انظر: "اللسان" ٧/ ٤١٤٧ (محك).
(٣) انظر: في (ش): (ليميل).
(٤) انظر: المراجع السابقة في قراءة (رَأَى).

صفحة رقم 242

فتح الراء هاهنا وقد كسره في ﴿رَأَى كَوْكَبًا﴾ فلأنه أخذ باللغتين فكسر هناك لما ذكرناه (١) وفتح هاهنا؛ لأنه جعله بمنزلة الراء في رمى (٢) ورعى.
الوجه الثاني في القراءة: كسر الراء وفتح الهمزة، وهي قراءة حمزة وعاصم في رواية أبي بكر (٣)، أما كسر الراء فإنما هو للتنزيل والتقدير الذي ذكرنا، وهو معنى منفصل عن إمالة فتحة الهمزة، ألا ترى أنه يجوز أن يُعمل هذا المعنى من لا يرى الإمالة، كما يجوز أن يُعمله من يراها، فإذا كان كذلك كان انفصال أحدهما عن الآخر سَائغًا غير ممتنع.
وروى يحيى بن (٤) آدم عن أبي بكر (٥): ﴿رِأِى القمر﴾: بكسر الراء والهمزة معًا، أما وجه كسر الراء فقد ذكرنا، وأما إمالة فتحة الهمزة مع

(١) في (ش): (ذكرنا).
(٢) في (أ): (رما، ورعا). وكذلك جاء في بعض نسخ "الحجة" لأبي علي ٣/ ٣٣٠.
(٣) أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الحفاظ الكوفي، مشهور بكنيته، مختلف في اسمه، فقيل: كنيته هي اسمه، وقيل: اسمه شعبة، وهو إمام فاضل عابد ثقة مقرئ أتقن قراءة عاصم وعرض القرآن عليه ثلاث مرات، توفي سنة ١٩٤هـ، أو قبلها، وله نحو ١٠٠ سنة.
انظر: "الحلية" ٨/ ٣٠٣، و"سير أعلام النبلاء" ٨/ ٤٩٥، و"معرفة القراء" ١/ ١٣٤، و"ميزان الاعتدال" ٦/ ١٧٣، و"غاية النهاية" ١/ ٣٢٥، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٤٩٢.
(٤) يحيى بن آدم بن سليمان الأموي أبو زكريا الكوفي إمام فاضل حافظ ثقة مقرئ فقيه من أوعية العلم، وله كتب جيدة توفي سنة ٢٠٣ هـ، وله نحو ٧٣ سنة.
انظر: "طبقات ابن سعد" ٦/ ٤٠٢، و"الجرح والتعديل" ٩/ ١٢٨، و"سير أعلام النبلاء" ٩/ ٥٢٢، و"تذكرة الحفاظ" ١/ ٣٥٩، و"غاية النهاية" ٢/ ٢٦٣، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٣٣٧.
(٥) في "الحجة" لأبي علي ٣/ ٣٣١: (روى يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم).

صفحة رقم 243

زوال ما كان يوجب إمالتها من حذف الألف فلأن الألف محذوفة لالتقاء الساكنين، وما يحذف لالتقاء الساكنين فقد ينزّل تنزيل المثبت، ألا ترىَ أنهم قد أنشدوا:
وَلاَ ذَاكِرِ الله إلاَّ قَلِيلا (١)
فنصب الاسم بعد ذاكر، وإن كانت النون محذوفة لمّا كان الحذف لالتقاء الساكنين، والحذف لذلك في تقدير الإثبات من حيث كان التقاؤهما غير لازم، ومن ثم لم يرد الألف في نحو: رمت المرأة (٢).
فأما قصة الآية ومعناها، فقال السدي (٣)، ومحمد بن إسحاق (٤)

(١) "الشاهد" لأبي الأسود الدؤلي في "ديوانه" ص ٥٤، و"الكتاب" ١/ ١٦٩، و"معاني الفراء" ٢/ ٢٠٢، و"المقتضب" ٢/ ٣١٢، و"اللسان" ٥/ ٢٧٩٣، عتب، وبلا نسبة في "مجاز القرآن" ١/ ٣٠٧، و"معاني الأخفش" ١/ ٨٦، و"مجالس ثعلب" ص ١٢٣، و"الأصول" ٣/ ٤٥٥، و"الشعر" لأبي علي ١/ ١١٤، و"الخصائص" ١/ ٣١١، و"المنصف" ٢/ ٢٣١، و"أمالي ابن الشجري" ٢/ ١٦٤، وصدره:
فَاْلفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ
الشاهد: حذف التنوين من ذاكر لالتقاء الساكنين أو ضرورة. انظر: "شرح شواهد المغني" للسيوطي ٢/ ٩٣٤.
(٢) هذا قول أبي علي الفارسي في "الحجة" ٣/ ٣٢٦ - ٣٣٢، وانظر: "معاني القراءات" للأزهري ١/ ٣٦٤، و"إعراب القراءات" لابن خالويه ١/ ١٦١، و"الحجة" لابن خالويه ص ١٤٢، و"الحجة" لابن زنجلة ص ٢٥٦، و"الكشف" ١/ ٤٣٦.
(٣) أخرجه الطبري في "تاريخه" ١/ ٢٣٦ عن السدي وابن إسحاق، وأخرجه ابن أبي هاشم ٤/ ١٣٢٩ عن السدي، وذكره الثعلبي في "عرائس المجالس" ص ٧٤، عن السدي وابن إسحاق.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ٢٤٦ - ٣٤٧ عن السدي وابن إسحاق وقتادة، وانظر: نحوه في "تهذيب تاريخ ابن عساكر" ٢/ ١٣٧، وهذا من الإسرائيليات، والآية ظاهرة =

صفحة رقم 244

والعلماء بأخبار الماضين: (٨) (لما شب إبراهيم في السرب [الذي ولد فيه، قال لأبويه: أخرجاني فأخرجاه، من السرب] (١) وانطلقا به حين غابت الشمس، فنظر إبراهيم إلى الإبل والخيل والغنم، فقال: ما لهذه بُدّ من أن يكون لها رب وخالق، ثم نظر وتفكر في خلق السموات والأرض، وقال: إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي ما لي إله غيره، ثم نظر فإذا المشتري قد طلع، ويقال: الزهرة، وكانت تلك الليلة في آخر الشهر، فرأى الكوكب قبل القمر فقال: ﴿هَذَا رَبِّي﴾).
واختلفوا في معنى قوله: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ فقال أهل التحقيق من العلماء: (إن إبراهيم عليه السلام لم يكن قط في ضلال وحيرة، وكيف يتوهم ذلك على من عصمه الله وطهّره في مستقره ومستودعه؟ وما زال في حكم الله نبيًّا والله تعالى يقول: ﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الصافات: ٨٤] أي: لم يشرك به قط، كذلك قال المفسرون، ويقول (٢): ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ﴾ الآية. [الأنعام: ٧٥] أفترى الله أراه الملكوت ليوقن، فلما أيقن ﴿رَأَى كَوْكَبًا﴾ فقال: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ على الحقيقة والاعتقاد! هذا ما لا يكون أبدًا، وإنما معنى قوله: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ أن قومه كانوا يعبدون النجوم ويعظمونها ويحكمون بها.

= واضحة، وليس تفسيرها في حاجة إلى هذه المرويات قال ابن كثير في "تاريخه" ١/ ١٤٣: (الظاهر أن الموعظة لأهل حران، فإنهم يعبدون الكواكب، وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب، لما كان صغيرًا، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، وهو مستند إلى أخبار إسرائيلية لا يوثق بها، ولا سيما إذا خالفت الحق..) اهـ.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٢) لفظ: (الواو): ساقط من (أ).

صفحة رقم 245

﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ رأى الزهرة فقال: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ يريد: أن يستدرجهم بهذا القول، ويعرفهم خطأهم، وجهلهم في تعظيمهم شأن النجوم وقضائهم على الأمور بدلالاتها، فأراهم أنه معظَّم ما عظّموا، وملتمس الهدى من حيث التمسوا، وكل من تابعك على هواك وشايعك على أمرك كنت به أوثق وإليه أسكن وأركن، فأنِسوا واطمأنوا ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ أراهم النقص الداخل على النجم بالأفول؛ لأنه ليس [ينبغي] (١) [لإله] (٢) أن يزول ولا أن يغيب فقال: ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ أي: لا أحب من كانت حالته أن يطلع ويسير على هيئة يتبين معها أنه محدث منتقل من مكانٍ إلى مكانٍ، أي: لا أتخذ ما هذه حاله إلها، كما أنكم لا تتخذون كل ما قد يجري مجرى هذا من سائر الأشياء آلهة.
وقيل: إنه قال: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ على جهة الاحتجاج على قومه لا على معنى الشك ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ عندكم وفيما تظنون وفي زعمكم، كما قال الله عز وجل: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢)﴾ [القصص: ٦٢] فأضافهم إلى نفسه حكايته لقولهم، وكقوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩] أي: عند نفسك.
وجائز أن يكون هاهنا إضمار القول كأنه قال: [تقولون] (٣): ﴿هَذَا رَبِّي﴾ وإضمار القول كثير كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا﴾ [البقرة: ١٢٧] أي: يقولان: ربنا، وقوله تعالي: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ [الزمر: ٣] معناه: يقولون ما نعبدهم،

(١) في (أ): (يتبغى)، وهو تصحيف.
(٢) في (أ): (للاله).
(٣) في (ش): (يقولون).

صفحة رقم 246

فكأن إبراهيم قال لقومه: [تقولون] (١) ﴿هَذَا رَبِّي﴾ أي: هذا الذي يدبّرني؛ لأنهم كانوا أصحاب نجوم يرون التدبير في الخليقة لها، فاحتج عليهم بأن الذي [تزعمون] (٢) أنه مُدَبِّر فيه أثر أنه مُدبّر لا غير).
فهذه ثلاثة أوجه صحيحة في تأويل الآية، ذكرها أهل المعاني، الوجه الأول: قول الفراء (٣)، واختيار عبد الله بن مسلم (٤)، والثاني والثالث: ذكرهما الزجاج (٥) وابن الأنباري (٦) وفي قوله: ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ دلالة على أن ما غاب بعد ظهوره فليس برب، وفيه حجة على

(١) في (ش): (يقولون).
(٢) في (ش): (يزعمون).
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٤١.
(٤) "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٣٥ - ٣٣٨، وقد نقل المؤلف نص كلامه.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٦٧ وفيه قال: (والذي عندي في هذا القول أنه قال لهم: تقولون هذا ربي، أي: هذا يدبرني؛ لأنه فيما يروى أنهم أصحاب نجوم فاحتج عليهم بأن الذي تزعمون أنه مدبر إنما يرى فيه أثر مُدبر لا غير) اهـ. وانظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤٥٠.
(٦) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٦٨ - ٦٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٧٤، والصحيح في معنى الآية ما ذهب إليه الجمهور من أن هذا القول كان في مقام المناظرة لقومه؛ لإقامة الحجة عليهم في بطلان ما هم عليه من عبادة الكواكب والشمس والقمر؛ لأن الموافقة في العبارة على طريق إلزام الخصم من أبلغ الحجج وأوضح البراهين، ولأن الله تعالى قال في نفس القصة: ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ﴾ [الأنعام: ٨٠].
وهو اختيار الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في "تفسيره" ٢/ ١٦٩.
وانظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٥٦٠، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٦١، وابن عطية ٥/ ٢٦١، والفخر الرازي ١٣/ ٥٩، و"البحر المحيط" ٤/ ١٦٦.

صفحة رقم 247
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية