آيات من القرآن الكريم

لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﰿ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵ

لكل منكم، ثم إليه مرجعكم بالموت الأكبر لا إلى غيره، ثم ينبئكم، والمراد: يجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرّا فشر.
وهو القاهر فوق عباده المتسلط عليهم، المتصرف فيهم، يفعل بهم ما يشاء إيجادا وإعداما، وإحياء وإماتة.
وهو يرسل عليكم حفظة من الملائكة يحفظون أعمالكم ويحصونها عليكم وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ [سورة الانفطار الآيتان ١٠ و ١٢].
سبحان الله!! ما أعجب شأننا، علينا رقيب وعتيد يحصون علينا أعمالنا، ويكتبون وهم لا يغفلون، ومع هذا نعصى الله جهرا وسرّا؟!!! سبحانك أنت أرحم الراحمين!!.
ولعل سائلا يقول: ما الحكمة في الحفظة الكتبة والله أعلم بكل شيء؟ والجواب أن المكلف إذا عرف هذا كان أهدى له وأبعد عن الفحشاء والمنكر، وأقرب إلى عقل بعض الناس وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [سورة الكهف آية ٤٩].
يرسل الحفظة الكرام البررة يحصون الأعمال مدة الحياة حتى إذا انتهى الأجل وحم القضاء، وجاءت أسباب الموت ومقدماته، توفته رسلنا- وهم ملك الموت وأعوانه- والحال أنهم لا يفرطون ولا يقصرون بزيادة أو نقصان، ثم ردوا بعد هذا جميعا إلى الله وإلى حكمه، وما الحكم الحق الذي يعطى بالعدل إلا له، له الحكم وإليه الأمر، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وهو أسرع الحاسبين: يحاسب الكل في أقل وقت وأسرعه لا يشغله شأن عن شأن. وفي
الحديث: «إن الله يحاسب الكل في مقدار حلب شاة».
من مظاهر القدرة والرحمة [سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٣ الى ٦٧]
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)

صفحة رقم 622

المفردات:
ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: ظلمات الليل والسحب والمطر، وقيل: المراد ظلمات معنوية. تَضَرُّعاً التضرع: المبالغة في الضراعة والتذلل والخضوع. وَخُفْيَةً بالضم والكسر: الخفاء والاستتار. كَرْبٍ الكرب: الغم الشديد.
يَلْبِسَكُمْ: من اللبس، والمراد: يخلط أمركم عليكم خلط اضطراب واختلاف، وأصل التركيب: يلبس عليكم أمركم. شِيَعاً: جمع شيعة، وهم كل قوم اجتمعوا على أمر واتفقوا فيه. نُصَرِّفُ: نحوّلها من نوع إلى آخر من فنون الكلام.
يَفْقَهُونَ: يفهمون.
المعنى:
يسلك القرآن المسالك المتعددة لغرس شجرة التوحيد في قلوب العرب ببيان مظاهر القدرة والعلم والرحمة، فقال ما معناه: من ينجيكم من ظلمات البر والبحر؟ ومن ينقذكم من شدائد الأيام وهولها؟ ومن ينير لكم السبيل إذا غم الطريق وأظلم، ومن يسكن البحر الهائج والبركان الثائر؟ هو الله الرحمن الرحيم القاهر فوق عباده، القادر على كل شيء، تدعونه متضرعين متذللين، مع رفع الصوت والبكاء، وقد يكون الصوت في السر والخفاء. لئن أنجيتنا من هذه الظلمات لنكونن ممن يوحدك ويشكرك هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ

صفحة رقم 623

وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
«١» قل لهم: الله ينجيكم من هذه الأهوال، ومن كل كرب وغم ثم أنتم بعد هذا تشركون بالله غيره، ومن هنا نفهم أن الإنسان بطبيعته يلجأ إلى الله في الشدة والمكروه، وفي النجاة ينسى نفسه ويعود إلى جهله.
قل لهؤلاء المشركين: الله هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا لا يعرف كنهه ولا يقف على حقيقته إلا الله- سبحانه وتعالى- ينزل عليكم من فوقكم كالرجم بالحجارة والآفات أو يصعد إليكم من تحتكم كالزلازل والبراكين والخسف المعهود في الأمم السابقة، أو يخلط أمركم عليكم خلط اضطراب واختلاف، حتى تكونوا فرقا وشيعا، وأحزابا وجماعات، كل فرقة لها اتجاه خاص، تتقاتلون وتتحاربون، ويذيق بعضكم بأس بعض، حتى يقتل بعضكم بعضا.
وعن ابن عباس: المراد بمن فوقكم في الآية: أمراؤكم، ومن تحت أرجلكم، أى:
عبيدكم وسفلتكم.
انظر يا من يتأتى منه النظر كيف نصرف الآيات ونقلبها على وجوهها المختلفة، لعلهم بهذا يفقهون الحق ويدركون السر، ولا شك أن التنويع في الآراء وطرق الأبواب في الحجج، سبيل إلى الفهم وإدراك الحقائق، ولكن عند من ينظر النظر البريء الخالي من الحجب الكثيفة الموروثة كالتقليد الأعمى.
وقد كذب بالقرآن قومك، وهو الذي لا شك فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
قل لهم: لست عليكم بوكيل. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ «٢» لكل نبأ مستقر، تظهر فيه حقيقته، ولكل أمة أجل، ولكل أجل كتاب تعلمون به صدق الوعد والوعيد سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «٣».

(١) سورة يونس آية ٢٢.
(٢) سورة ق آية ٤٥. [.....]
(٣) سورة فصلت آية ٥٣.

صفحة رقم 624
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية