آيات من القرآن الكريم

وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

٨٢ - قال اللَّه تعالى: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
١ - أخرج مسلم والنَّسَائِي وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة نفر فقال المشركون للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال: وكنتُ أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شاء الله أن يقع. فحدث نفسه. فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).

صفحة رقم 526

وأخرج أحمد نحوه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وزاد ونزل فيهم القرآن (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ) إلى قوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ).
٢ - وأخرج ابن ماجه عن خباب في قوله: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) إلى قوله: (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حقروهم فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العربُ فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأَعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال: (نعم) قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، قال: فدعا بصحيفة، ودعا علياً ليكتب، ونحن قعود في ناحية فنزل جبرائيل - عليه السلام - فقال: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ). ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ). ثم قال: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
قال: فدنونا منه حتى وضعنا رُكَبنا على ركبته. وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا. فأنزل الله: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ

صفحة رقم 527

يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) (ولا تجالس الأشراف) (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) (يعني عيينة والأقرع) (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (قال هلاكاً) قال: أمر عيينة والأقرع. ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا.
قال خباب: فكنا نقعد مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمات وقد أورد القرطبي وابن عاشور هذين الحديثين، وسائر المفسرين أوردوا حديث خباب وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قال الطبري: (ذكر أن هذه الآية نزلت على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سبب جماعة من ضعفاء المسلمين قال المشركون له: لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك) اهـ.
قال ابن عطية: (وسبب الآية أن الكفار قال بعضهم للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحن لشرفنا وأقدارنا لا يمكننا أن نختلط بهؤلاء فلو طردتهم لاتبعناك وجالسناك) اهـ.

صفحة رقم 528

وقال القرطبي: (قال المشركون: ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان وصهيباً وبلالاً وخبّابًا - فاطردهم عنك، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك فهمَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، ودعا علياً ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية فأنزل اللَّه الآية. ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح: فوقع في نفس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شاء اللَّه أن يقع) اهـ.
وقال السعدي: (وكان سبب نزول هذه الآيات أن أُناسًا من قريش أو من أجلاف العرب، قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن أردت أن نؤمن لك ونتبعك فاطرد فلاناً وفلانًا أناساً من فقراء الصحابة فإنا نستحي أن ترانا العرب جالسين مع هؤلاء الفقراء فحمله حبه لإسلامهم، واتباعهم له فحدثته نفسه بذلك فعاتبه اللَّه بهذه الآية ونحوها) اهـ.
وقال ابن عاشور: (والمعنى أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحرصه على إيمان عظماء قريش ليكونوا قدوة لقومهم ولعلمه بأن أصحابه يحرصون حرصه ولا يوحشهم أن يقاموا من المجلس إذا حضره عظماء قريش لأنهم آمنوا يريدون وجه اللَّه لا للرياء والسمعة ولكن اللَّه نهاه عن ذلك وسماه طرداً تأكيداً لمعنى النهي، وذلك لحكمة وهي كانت أرجح من الطمع في إيمان أولئك لأن اللَّه اطلع على سرائرهم فعلم أنهم لا يؤمنون، وأراد اللَّه أن يظهر استغناء دينه ورسوله عن الاعتزاز بأولئك الطغاة القساة، وليظهر لهم أن أولئك الضعفاء خير منهم وأن الحرص على قربهم من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى من الحرص على قرب المشركين) اهـ.
وبعد نقل أقوال العلماء في سبب نزول الآيات الكريمة أقول:
إن حديث خباب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآيات لاعتلال إسناده المفصل في موضعه وغرابة متنه أيضاً فقد قال ابن عطية لما ذكر حديث خباب: (وهذا تأويل بعيد في نزول الآية؛ لأن الآية مكية وهؤلاء الأشراف لم يفدوا إلا في المدينة، وقد يمكن أن يقع هذا القول منهم، ولكنه إن كان وقع

صفحة رقم 529

فبعد نزول الآية بمدة اللهم إلا أن تكون الآية مدنية) اهـ.
وقال ابن كثير عن حديث خباب: (وهذا حديث غريب، فإن هذه الآية مكية والأقرع ابن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر) اهـ.
وقال ابن عاشور معلقاً على قول ابن عطية: (ولعل ذلك وقع منهما فأجابهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذه الآية التي نزلت في نظير اقتراحهما) اهـ.
وبهذا يتبين أن حديث خباب ليس سبب نزولها وإن انفككنا عن علة السند فغرابة المتن لا جواب عنها.
وإذا كان الأمر كذلك لم يبق إلا حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السالم من المعارضات في إسناده ومتنه، فالإسناد صحيح، والمتن صريح يتفق مع ظاهر السياق القرآني.
* النتيجة:
أن سبب نزول هذه الآيات حديث سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لصحة إسناده، وموافقته للفظ الآية، وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به مع عدم المعارض الراجح واللَّه أعلم.
* * * * *

صفحة رقم 530
المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة
عرض الكتاب
المؤلف
خالد بن سليمان المزيني
عدد الأجزاء
1