آيات من القرآن الكريم

قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ

عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)
شرح الكلمات:
خزائن: جمع خزانة أو خزينة ما يخزن فيه الشيء ويحفظ.
الغيب: ما غاب عن العيون وكان محصلاً في الصدور وهو نوعان غيب حقيقي وغيب إضافي والحقيقي مالا يعلمه إلا الله تعالى، والإضافي ما يعلمه أحد ويجهله آخر.
أنذر به: خوّف به أي بالقرآن.
الغداة: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والعشي من صلاة العصر إلى غروب الشمس.
فتطردهم: أي تبعدهم من مجلسك.
فتنا: ابتلينا بعضهم ببعض الغني بالفقير، والشريف بالوضيع.
من الله علينا: أي أعطاهم الفضل فهداهم إلى الإسلام في دوننا.
بالشاكرين: المستوجبين لفضل الله ومنته بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم.
معنى الآيات:
مازال السياق مع العادلين بربهم الأصنام المنكرين للنبوة المحمدية فأمر الله تعالي رسوله أن يقول لهم: ﴿لا أقول لكم عندي خزائن الله١﴾ أي خزائن الأرزاق ﴿ولا أعلم الغيب﴾ أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب، ﴿ولا أقول لكم إني ملك﴾ من الملائكة ما أنا إلا عبد رسول أتبع ما يوحي٢ إليّ ربي فأقول وأعمل بموجب وحيه إليّ. ثم قال له اسألهم قائلاً {هل

١ هذا ردّ على المشركين في اقتراحاتهم المتعددة المتنوعة فأمر تعالى رسوله أن يرد عليهم بأنه لا يملك خزائن الله التي فيها الأرزاق حتى يعطيهم ما يطلبون ويقترحون، ولا هو يعلم الغيب حتى يخبرهم بموعد العذاب الذي ينتظرهم، ولا هو ملك يقدر على مالا يقدر عليه البشر، وإنما هو بشر يوحى إليه الخبر من ربّه فيخبر به ويعمل به ليس غير.
٢ هذا غير ناف لاجتهاد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكثيرا ما يجتهد وقد يقيس على المنصوص عنه، ولكنه لا يقرّ على غير الحق وما يرضي الرب عز وجل.

صفحة رقم 63

يستوي الأعمى١ والبصير؟} والجواب لا، فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر، والمهدي والضال ﴿أفلا تتفكرون﴾ أي مالكم لا تتفكرون فتهتدوا للحق وتعرفوا سبيل النجاة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٠) أما الآية الثانية (٥١) فإن الله تعالى يأمر رسوله أن ينذر بالقرآن المؤمنين العاصين فقال ﴿وأنذر٢ به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم﴾ يوم القيامة وهم مذنبون، وليس لهم من دون الله ولي ولا شفيع٣ فهؤلاء ينفعهم إنذارك بالقرآن أما الكفرة المكذبون فهم كالأموات لا يستجيبون وهذا كقوله تعالى من سورة ق ﴿فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ فهؤلاء إن أنذرتهم يرجى لهم أن يتقوا معاصي الله ومعاصيك أيها الرسول وهو معنى قوله تعالى: ﴿لعلهم يتقون﴾. هذا ما تضمنته الآية الثانية (٥١) أما الآية الثالثة (٥٢) وهي قوله تعالى ﴿ولا تطرد٤ للذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، يريدون وجهه﴾ فإن بعض المشركين في مكة اقترحوا على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبعد من مجلسه فقراء المؤمنين كبلال وعمار وصهيب حتى يجلسوا إليه ويسمعوا عنه فهمَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفعل رجاء هداية أولئك المشركين فنهاه الله تعالى عن ذلك بقوله ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي﴾ في صلاة الصبح، وصلاة العصر، يريدون وجه الله ليرضى عنهم ويقربهم ويجعلهم من أهل ولايته وكرامته، ومبالغة في الزجر عن هذا الهم قال تعالى: ﴿ما عليك من حسابهم من شيء﴾ أي ما أنت بمسؤول عن خطاياهم إن كانت لهم خطايا، ولا هم بمسئولين عنك فلم تطردهم إذاً؟ ﴿فتطردهم٥ فتكون من الظالمين﴾ أي فلا تفعل، ولم يفعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصبر عليهم وحبس نفسه معهم وفي الآية الأخيرة (٥٣) يقول تعالى: ﴿وكذلك فتنا بعضهم ببعض﴾ ٦

١ في هذا الخطاب الاستفهامي إيماء إلى المفارقة التامة الحاصلة من المؤمنين والكافرين، وأن الكافرين عمي والمؤمنين بصراء، والمؤمنون مهتدون، والكافرون ضالّون، فما لهم لا يتفكرون لعلهم يخرجون من ظلمة كفرهم.
٢ وأنذر به أي: بالقرآن وقيل بيوم القيامة، وكونه القرآن أولى وأصح لقوله تعالى: ﴿فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد﴾.
٣ في الآية دليل على إبطال شفاعة الأصنام لعابديها، والأولياء للمشركين ممن يذبحون لهم وينذرون كما فيها إبطال لزعم أهل الكتاب القائلين نحن أبناء الله وأحباؤه فسوف يشفع لنا الأب، إذ شرط صحة الشفاعة يوم القيامة أن يأذن الله لمن يشفع وأن يرضى بنجاة المشفوع له.
٤ روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة نفر فقال المشركون للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شاء الله أن يقع فحدّث نفسه فأنزل الله عز وجل: ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم... ﴾ الآية.
٥ في الآية دليل على عدم جواز تعظيم الرجل لجاهه وثوبه وعدم احتقار الرجل لخموله ورثاثة ثوبه.
٦ الفتنة: الاختبار أي: عاملناهم معاملة المختبر لهم فأغنينا بعضا وأفقرنا بعضا واللاّم في قوله تعالى: ﴿ليقولوا﴾ هي لام العاقبة أي: ليقول أغنياء وأشراف المشركين مشيرين إلى فقراء المؤمنين: أهؤلاء من الله عليهم بأن وفقهم لإصابة الحق دوننا، ونحن الرؤساء وهم العبيد.

صفحة رقم 64

أي هكذا ابتلينا بعضهم ببعض هذا غني وذاك فقير، وهذا وضيع وذاك شريف، وهذا قوي وذاك ضعيف ليؤول الأمر ويقول الأغنياء الشرفاء للفقراء الضعفاء من المؤمنين استخفافاً بهم واحتقاراً لهم: أهؤلاء الذين من الله عليهم بيننا بالهداية والرشد قال تعالى: ﴿أليس الله بأعلم بالشاكرين﴾. بلى فالشاكرون هم المستحقون لإنعام الله بكل خير وأما الكافرون فلا يعطون ولا يزادون لكفرهم النعم، وعدم شكرهم لها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير بشرية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- تقرير مبدأ أن الرسول لا يعلم الغيب، وأنه لا يتصرف في شيء من الكون.
٣- نفي مساواة المؤمن والكافر إذ المؤمن مبصر والكافر أعمى.
٤- استحباب مجالسة أهل الفاقة وأهل التقوى والإيمان.
٥- بيان الحكمة في وجود أغنياء وفقراء وأشراف ووضعاء، وأقوياء وضعفاء وهي الاختبار.
٦- الشاكرون مستوجبون لزيادة النعم، والكافرون مستوجبون لنقصانها وذهابها.
وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ١ رَّحِيمٌ (٥٤) وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ

١ قرئ ﴿فأنه غفور﴾ بالفتح أنّه وقرئ بكسرها على الاستئناف، أمّا على الفتح ففي توجيهه رأيان، الأوّل أن يكون في موضع رفع على الابتداء كأنّه قال: فله أنه غفور رحيم أي: فله غفران الله، والثاني: أن يضم مبتدأ تكون أنّ وما وعملت فيه خبره، فأمره غفران الله له، وهذا الأخير أولى من الأول.

صفحة رقم 65
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية