آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ

قُلُوبُهُمْ} فأقاموا على كفرهم، ومعنى ﴿تَضَرَّعُوا﴾ تخشعوا وتذللوا وخضعوا) (١).
وقوله تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ معنى تزيين الشيطان: إغراؤه بالمعصية بما فيها من المتعة واللذة (٢). قال ابن عباس: (يريد زين لهم الشيطان الضلالة التي هم عليها فأصروا على معاصي الله) (٣).
٤٤ - قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ قال ابن عباس: (تركوا ما وعظوا به) (٤)، وتأويله: تركوا العمل به. وقال مقاتل: (تركوا ما دعاهم إليه الرسل) (٥).
وقال أصحاب اللغة: (وإنما كان النسيان بمعنى الترك؛ لأن التارك للشيء إعراضًا قد صيره بمنزلة ما قد نُسي) (٦).

(١) لم أقف عليه، وكتاب "نظم القرآن" للجرجاني مفقود، وعلى هذا تكون لكن استدراكًا على المعنى، ويكون التخصيص في معنى النفي، وهو ظاهر كلام الزمخشري في "الكشاف" ٢/ ١٩، والعكبري في "التبيان" ١/ ٣٣٣، والهمداني في "الفريد" ٢/ ١٤٩، وانظر: "الدر المصون" ٤/ ٦٣٣.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٩٣، وابن عطية ٥/ ١٩٩.
(٣) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٣٧.
(٤) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٣٧، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٣٩، وأخرج الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٩٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٩٠ بسند جيد عن ابن عباس في الآية قال: (يعني: تركوا ما ذكروا به).
وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ٢٢.
(٥) "تفسيرمقاتل" ١/ ٥٦١.
(٦) انظر: "العين" ٧/ ٣٠٤، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٦٥، و"الصحاح" ٦/ ٢٥٠٨، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٤٢١، و"المفردات" ص ٨٠٣، و"اللسان" ٧/ ٤٤١٦ (نسى).

صفحة رقم 139

وقوله تعالى: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قال ابن عباس: (بركات من السماء والأرض، يريد النعمة والسرور) (١).
وقال مقاتل: (﴿أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الخير بعد التفسير الذي كانوا فيه) (٢).
(٣) وقال الزجاج: (﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ كان مغلقًا عنهم من الخير، ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾ أي: حتى إذا ظنوا أنه ما كان نزل بهم لم يكن انتقامًا من الله، وأنهم لما فتح عليهم ظنوا أن ذلك باستحقاقهم ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ أي: فاجأهم عذابنا من حيث لا يشعرون) (٤). قال الحسن: في هذه الآية (مكر بالقوم، ورب الكعبة) (٥).

(١) قال الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٧: (قال ابن عباس ومقاتل والسدي: رخاء الدنيا وبسرها وسرورها) ا. هـ. وجاء في "تنوير المقباس" ٢/ ١٩ ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الزهرة والخصب والنعيم) ا. هـ وأخرج الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٩٣ بأسانيد جيدة عن مجاهد قال: (رخاء الدنيا ويسرها على القرون الأولى)، وعن قتادة قال: (يعني الرخاء وسعة الرزق)، وعن السدي قال: (يقول من الرزق)، واللفظ عام يشمل الجميع.
(٢) "تفسيرمقاتل" ١/ ٥٦١.
(٣) هنا حصل اضطراب في ترتيب نسخة (ش) حيث وقع ص ١٠٠ ب في ص ١١٩ ب.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٨، وقال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٢٤: (التقدير عند أهل اللغة: فتحنا عليهم أبواب كل شيء مغلقًا عنهم. ا. هـ. وانظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٣٥.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٩١ بسند ضعيف، وذكره أكثرهم.
انظر: "الوسيط" ١/ ٣٨، وابن الجوزي ٣/ ٣٩، والرازي ١٢/ ٢٢٦، وابن كثير ٢/ ١٤٩، والبيضاوي ١/ ٣٠١، و"الفتح السماوي" للمناوي ٢/ ٦٠٥، وفيه (أن البيضاوي جعله من قول النبي - ﷺ - وقال السيوطي: لم أقف عليه مرفوعًا، وإنما هو من قول الحسن). ا. هـ.

صفحة رقم 140

وقال - ﷺ -: "إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فإن ذلك استدراج من الله" ثم تلا هذه الآية (١).
قال أهل المعاني: (إنما أخذوا في حال الرخاء ليكون أشد لتحسرهم علي ما فاتهم من حال السلامة والعافية والتصرف في ضروب اللذة إلى حال البلية والنقمة) (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ قال ابن عباس: (آيسون من كل خير) (٣)، وهو قول مقاتل (٤).
وقال الفراء: (المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه، ولذلك قيل للذي يسكت عند إنقطاع حجته أو لا يكون عنده جواب: [قد] (٥) أبلس (٦).

(١) أخرجه أحمد في "المسند" ٤/ ١٤٥، و"الزهد" ص ١٨، وابن أبي الدنيا في "كتاب الشكر" ص ٨٠، رقم (٣٢)، والطبري ٧/ ١٩٥، والدولابي في "الكنى" ١/ ٢١٧، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٩١، والطبراني في "الكبير" ١٧/ ٣٣١، رقم (٩١٣)، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٨، من طرق جيدة يقوي بعضها بعضا، وصححه أبو حيان في "البحر" ٤/ ١٣٠، وحسنه محقق مرويات أحمد في "التفسير" ٢/ ١٠٣، وقال الألباني في "الصحيحة" ١/ ٥/ ١٣، رقم (٤١٤): (هو عندي صحيح بالمتابعة) ا. هـ. وانظر: "تفسير ابن كثير" ٢/ ١٤٩، و"مجمع الزوائد" ٧/ ٢٠، ١٠/ ٢٤٥، و"الدر المنثور" ٣/ ٢٢.
(٢) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢٢٦.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٩، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٩، وابن الجوزي ٣/ ٣٩، وابن كثير ٢/ ١٤٩، وروى أبو عبيد ص ٩٥، وابن حسنون ص ٣٦، والوزان ص ٦ أ، كلهم في اللغات في القرآن، بسند جيد عنه قال: (آيسون بلغة كنانة)، وفي "البحر" ٤/ ١٣١، عنه قال: (متحيرون).
(٤) "تفسيرمقاتل" ١/ ٥٦١.
(٥) لفظ: (قد) ساقط من (ش).
(٦) في (ش): (أبليس)، وهو تحريف.

صفحة رقم 141

قال العجاج:

يا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُه وأَبْلَسَا (١)
أي لم يُحر إليَّ جوابًا) (٢).
وقال الزجاج: (المبلس: الشديد الحسرة اليائس الحزين) (٣). فالإبلاس في اللغة (٤) يكون بمعنى: اليأس من النجاة عند ورود الهلكة، ويكون بمعنى: انقطاع الحجة، ويكون بمعنى: الحيرة بما يرد على النفس من البلية، وهذه المعاني متقاربة (٥).
وقال ابن الأنباري: (في قوله ﴿أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ عم وجمع تأكيدًا وتشديدًا. كما يقول القائل: أكلنا عند فلان كل شيء وكنا عنده في كل سرور. يريد بهذا العموم تكثير ما يصفه والإطناب فيه ومثله قوله تعالى:
(١) "ديوانه" ١/ ١٨٥، و"مجاز القرآن" ١/ ١٩٢، و"الكامل" للمبرد ٢/ ١٩١، والطبري ٧/ ١٩٥، ١١/ ٣٦٣، و"تهذيب اللغة" ١/ ٣٨٥، و"الصحاح" ٣/ ٩٠٩، والماوردي ٢/ ١١٤، وابن الجوزي ٣/ ٤٠، والقرطبي ٦/ ٤٢٧، و"اللسان" ١/ ٣٤٣ (بلس) وص ٧/ ٣٨٥٤ (كرس)، والمكرس، بكسر فسكون: المتلبد من آثار الأبوال والأبعار حتى صار طرائق بعضه على بعض. وأبلس: سكت.
(٢) "معاني الفراء" ١/ ٣٣٠، والرجز فيه غير منسوب.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٩.
(٤) انظر: "العين" ٧/ ٢٦٢، و"الجمهرة" ١/ ٣٤٠، و"تهذيب اللغة" ١/ ٣٨٥، و"الصحاح" ٣/ ٩٠٩، و"مقاييس اللغة" ١/ ٣٠٠، و"مجمل اللغة" ١/ ١٣٥، و"المفردات" ص ١٤٣، و"اللسان" ١/ ٣٤٣ (بلس).
(٥) هذا معنى كلام الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٩٥، والسجستاني في "نزهة القلوب" ص ٤٢٢، وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٩٢، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٣٦، و"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ١٦٤، وذكر مثل كلام الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢٢٦.

صفحة رقم 142
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية