
قُلُوبُهُمْ} فأقاموا على كفرهم، ومعنى ﴿تَضَرَّعُوا﴾ تخشعوا وتذللوا وخضعوا) (١).
وقوله تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ معنى تزيين الشيطان: إغراؤه بالمعصية بما فيها من المتعة واللذة (٢). قال ابن عباس: (يريد زين لهم الشيطان الضلالة التي هم عليها فأصروا على معاصي الله) (٣).
٤٤ - قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ قال ابن عباس: (تركوا ما وعظوا به) (٤)، وتأويله: تركوا العمل به. وقال مقاتل: (تركوا ما دعاهم إليه الرسل) (٥).
وقال أصحاب اللغة: (وإنما كان النسيان بمعنى الترك؛ لأن التارك للشيء إعراضًا قد صيره بمنزلة ما قد نُسي) (٦).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٩٣، وابن عطية ٥/ ١٩٩.
(٣) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٣٧.
(٤) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٣٧، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٣٩، وأخرج الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٩٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٩٠ بسند جيد عن ابن عباس في الآية قال: (يعني: تركوا ما ذكروا به).
وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ٢٢.
(٥) "تفسيرمقاتل" ١/ ٥٦١.
(٦) انظر: "العين" ٧/ ٣٠٤، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٦٥، و"الصحاح" ٦/ ٢٥٠٨، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٤٢١، و"المفردات" ص ٨٠٣، و"اللسان" ٧/ ٤٤١٦ (نسى).

وقوله تعالى: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قال ابن عباس: (بركات من السماء والأرض، يريد النعمة والسرور) (١).
وقال مقاتل: (﴿أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الخير بعد التفسير الذي كانوا فيه) (٢).
(٣) وقال الزجاج: (﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ كان مغلقًا عنهم من الخير، ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾ أي: حتى إذا ظنوا أنه ما كان نزل بهم لم يكن انتقامًا من الله، وأنهم لما فتح عليهم ظنوا أن ذلك باستحقاقهم ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ أي: فاجأهم عذابنا من حيث لا يشعرون) (٤). قال الحسن: في هذه الآية (مكر بالقوم، ورب الكعبة) (٥).
(٢) "تفسيرمقاتل" ١/ ٥٦١.
(٣) هنا حصل اضطراب في ترتيب نسخة (ش) حيث وقع ص ١٠٠ ب في ص ١١٩ ب.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٨، وقال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٢٤: (التقدير عند أهل اللغة: فتحنا عليهم أبواب كل شيء مغلقًا عنهم. ا. هـ. وانظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٣٥.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٩١ بسند ضعيف، وذكره أكثرهم.
انظر: "الوسيط" ١/ ٣٨، وابن الجوزي ٣/ ٣٩، والرازي ١٢/ ٢٢٦، وابن كثير ٢/ ١٤٩، والبيضاوي ١/ ٣٠١، و"الفتح السماوي" للمناوي ٢/ ٦٠٥، وفيه (أن البيضاوي جعله من قول النبي - ﷺ - وقال السيوطي: لم أقف عليه مرفوعًا، وإنما هو من قول الحسن). ا. هـ.

وقال - ﷺ -: "إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فإن ذلك استدراج من الله" ثم تلا هذه الآية (١).
قال أهل المعاني: (إنما أخذوا في حال الرخاء ليكون أشد لتحسرهم علي ما فاتهم من حال السلامة والعافية والتصرف في ضروب اللذة إلى حال البلية والنقمة) (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ قال ابن عباس: (آيسون من كل خير) (٣)، وهو قول مقاتل (٤).
وقال الفراء: (المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه، ولذلك قيل للذي يسكت عند إنقطاع حجته أو لا يكون عنده جواب: [قد] (٥) أبلس (٦).
(٢) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢٢٦.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٩، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٩، وابن الجوزي ٣/ ٣٩، وابن كثير ٢/ ١٤٩، وروى أبو عبيد ص ٩٥، وابن حسنون ص ٣٦، والوزان ص ٦ أ، كلهم في اللغات في القرآن، بسند جيد عنه قال: (آيسون بلغة كنانة)، وفي "البحر" ٤/ ١٣١، عنه قال: (متحيرون).
(٤) "تفسيرمقاتل" ١/ ٥٦١.
(٥) لفظ: (قد) ساقط من (ش).
(٦) في (ش): (أبليس)، وهو تحريف.

قال العجاج:
يا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا | قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُه وأَبْلَسَا (١) |
وقال الزجاج: (المبلس: الشديد الحسرة اليائس الحزين) (٣). فالإبلاس في اللغة (٤) يكون بمعنى: اليأس من النجاة عند ورود الهلكة، ويكون بمعنى: انقطاع الحجة، ويكون بمعنى: الحيرة بما يرد على النفس من البلية، وهذه المعاني متقاربة (٥).
وقال ابن الأنباري: (في قوله ﴿أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ عم وجمع تأكيدًا وتشديدًا. كما يقول القائل: أكلنا عند فلان كل شيء وكنا عنده في كل سرور. يريد بهذا العموم تكثير ما يصفه والإطناب فيه ومثله قوله تعالى:
(٢) "معاني الفراء" ١/ ٣٣٠، والرجز فيه غير منسوب.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٩.
(٤) انظر: "العين" ٧/ ٢٦٢، و"الجمهرة" ١/ ٣٤٠، و"تهذيب اللغة" ١/ ٣٨٥، و"الصحاح" ٣/ ٩٠٩، و"مقاييس اللغة" ١/ ٣٠٠، و"مجمل اللغة" ١/ ١٣٥، و"المفردات" ص ١٤٣، و"اللسان" ١/ ٣٤٣ (بلس).
(٥) هذا معنى كلام الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٩٥، والسجستاني في "نزهة القلوب" ص ٤٢٢، وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٩٢، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٣٦، و"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ١٦٤، وذكر مثل كلام الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢٢٦.