آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ

المفعول للدلالة عليه) (١).
٣٤ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ الآية. قال الزجاج: (عزى الله نبيه - ﷺ - وصبره (٢) بأن أخبره أن الرسل قبله قد كذبتهم أمم من قبله) (٣)، قال ابن عباس: (من لدن نوح إليك ﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا﴾ رجاء ثوابي، ﴿وَأُوذُوا﴾ حتى نشروا بالمناشير وحرقوا بالنار) (٤).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ معنى النصر: المعونة على العدو (٥)، قال المفسرون: (معنى النصر هاهنا: تعذيب الأمم المكذبة وإهلاكهم) (٦).

(١) "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٣٩، وقال السمين في "الدر" ٤/ ٦٠٤ - ٦٠٥: (يجوز في هذا الجار وجهان: أحدهما: أنه متعلق بيجحدون، وهو الظاهر الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وجوز أبو البقاء أن يتعلق بالظالمين قال: كقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾، وهذا الذي قاله ليس بجيد؛ لأن الباء هناك سببية أي: ظلموا بسببها، والباء هنا معناها التعدية، وهنا شيء يتعلق به تعلقًا واضحًا فلا ضرورة تدعو إلى الخروج عنه) ا. هـ. وانظر: "التبيان" ١/ ٣٢٠، و"الفريد" ٢/ ١٤٢.
(٢) في (ش): (فصبر).
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٣، وانظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ٣/ ٢٢٣.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٠، وابن الجوزي ٣/ ٣٠، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١١٢.
(٥) انظر: "العين" ٧/ ١٠٨، و"الجمهرة" ٢/ ٧٤٤، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٨٤ و"الصحاح" ٢/ ٨٢٩، و"المجمل" ٣/ ٨٧٠، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٤٣٥، و"المفردات" ص ٨٠٨، و"اللسان" ٧/ ٤٤٤٠ (نصر).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ١/ ٤٨٢، والبغوي ٣/ ١٤٠، وابن الجوزي ٣/ ٣٠، وكلهم اقتصر على هذا المعنى.

صفحة رقم 104

وقوله تعالى: ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ قال الكلبي (١) وعكرمة: (يعني الآيات التي وعد فيها نصر الأنبياء على أعدائهم، كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: ١٧١] الآيات، وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١] (٢)، قال ابن عباس: (يريد لا ناقض لحكمي) (٣)، يعني: أنه قد حكم في كتابه بنصر أنبيائه، فليس ينقضه أحد، ولهذا قال الزجاج في قوله تعالى: ﴿[و] (٤) لا مبدل لكلمات الله﴾: (أي: لا يخلف وعده، ولا يغلب أحد أولياءه) (٥). وتفسير ابن عباس يدل على أن قوله: ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ معناه: لا ناقض لحكمه في كل مما حكم به من وعد ووعيد وثواب وعقاب، فليس يخص هذا الحكم الواحد، وهو نصر المرسلين، وإذا كان كذلك فالتقدير عند النحويين في الكلمات: ذوي الكلمات أي: يخبر بها عنه. يقول: لا مبدل لما أخبرت عنه بكلماتي ليس يريد أنه لا مبدل للكلمات التي هي عبارات؛ هذا معنى قول أبي علي (٦).

(١) ذكره الثعلبي ١٧٧ أ، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١٥ نحوه.
(٢) لم أقف عليه. وانظر: "الماوردي" ١/ ١٠٨، وابن الجوزي ٣/ ٣١، وقال ابن القيم في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٧: (أي: لا مبدل لعذاب الله أو لا مبدل لمقتضى عذاب الله) ا. هـ. والظاهر العموم، وحمل الكلمات على الحقيقة أي لا مبدل لكلام الله تعالى الذي به يأمر وينهى ويشرع، وهو صفة من صفاته العلية التي لا تتناهى كسائر صفاته سبحانه وتعالى.
(٣) ذكر ابن الجوزي ٣/ ٣١، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١١٢، عنه في الآية قال: (لا خلف لمواعيده)، وانظر: ابن عطية ٥/ ١٨٥، والقرطبي ٦/ ٤١٧.
(٤) لفظ: (الواو) ساقط من (ش).
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٣، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٤٤.
(٦) "الحجة" ٢/ ٣٤، وفيه قال: (والكلمات تقديرها: ذوي الكلمات، أي: ما عبر =

صفحة رقم 105

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: خبرهم في القرآن كيف نجيناهم ودمرنا قومهم (١).
قال الأخفش: (﴿مِن﴾ هاهنا صلة كما تقول: أصابنا من مطر) (٢).
وقال غيره (٣): (لا يجوز ذلك؛ لأنها لا تزاد في الواجب (٤)، وإنما تزاد مع النفي، كقولك: ما أتاني من أحدٍ (٥). و ﴿مِّن﴾ هاهنا للتبعيض وفاعل جاء مضمر، أضمر لدلالة المذكور عليه، تقديره: ولقد جاءك من نبأ المرسلين نبأ (٦).

= عنه بها من وعد ووعيد وثواب وعقاب) ا. هـ. وانظر: تفسير ابن عطية ٥/ ١٨٥.
(١) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ١/ ٤٨٢.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٢٧٤، وفيه: (كما تقول: قد أصابنا من مطر، وقد كان من حديث) ا. هـ. وانظر: المصدر نفسه ١/ ٩٨ - ٩٩، ٢٢٣، واقتصر على هذا القول البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٤٠.
(٣) انظر: "الكتاب" ٢/ ٣١٥ - ٣١٦، ٤/ ٢٢٥، و"المقتضب" ٤/ ١٣٦ - ١٣٨، و"الأصول" ١/ ٤٠٩ - ٤١١، و"حروف المعاني" للزجاجي ص ٥٠.
(٤) الواجب ما تقع له حالة الوجوب، والموجب الكلام المثبت غير المنفي، وهو المراد هنا. انظر: "معجم المصطلحات النحوية والصرفية" للدكتور محمد اللبدي ص ٢٣٨، ٢٣٩.
(٥) انظر: "معاني الحروف" للرماني ص ٩٧، و"الصاحبي" ص ٢٧١، و"المغني" ١/ ٣٢٢ - ٣٢٥، وقال المالقي في "رصف المباني" ص ٣٩١: (وقد تكون من زائدة عند الكوفيين في الواجب، وحكوا: قد كان من مطر وهو عند البصريين غير الأخفش مؤول، أي: حادث من مطر أو كائن من مطر، وبعد فهو قليل لا يقاس) ا. هـ. وحكى ابن فارس في "الصاحبي" زيادتها في الواجب عن أبي عبيدة أيضًا.
(٦) انظر: "غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٧، و"البيان" ١/ ٣٢٠، و"التبيان" ص ٣٣٠، و"الفريد" ٢/ ١٤٣، و"البحر" ٤/ ١١٣، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٦، وعندهم التقدير: (ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين).

صفحة رقم 106
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية