آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ

قوله تعالى: ﴿بِضُرٍّ﴾ : الباء هنا للتعدية وكذا في «بخير» والمعنى: وإن يمسسك الله الضرَّ أي: يجعلك ماسَّاً له، وإذا مسست الضر

صفحة رقم 563

فقد مَسَّك، إلا أنَّ التعدية بالباء في الفعل المتعدي قليلة جداً، ومنه قولهم: صَكَكْتُ أحد الحجرين بالآخر. وقال الشيخ: «ومنها قوله:» ومنها قوله: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: ٢٥١]. وقال الواحدي: «إن قيل: إنَّ المسَّ من صفة الأجسام فكيف قال: وإن يمسَسْك الله؟ فالجواب أن الباء للتعدية والباء والألف يتعاقبان في التعدية، والمعنى: إن أَمَسَّك الله ضراً أي: جعله ماسَّك فالفعل للضرّ وإن كان في الظاهر قد أسند إلى اسم الله تعالى كقولك:» ذهب زيد بعمرو «وكان الذهاب فعلاً لعمرو، غير أنَّ زيداً هو المسبب له والحامل عليه، كذلك ههنا المسُّ للضرِّ والله تعالى جعله ماسَّاً.
قوله: ﴿فَلاَ كَاشِفَ لَهُ﴾ »
له «: خبر لا، وثَمَّ محذوف تقديره: فلا كاشفَ له عنك، وهذا المحذوفُ ليس متعلقاً ب» كاشف «إذ كان يلزم تنوينه وإعرابه بل يتعلق بمحذوف أي: أعني عنه.
و»
إلا هو «فيه وجهان: أحدهما: أنه بدل من محل» لاكاشف «فإن محله الرفع على الابتداء، والثاني: أنه بدل من الضمير المستكنِّ في الخبر، ولا يجوز أن/ يرتفع باسم الفاعل وهو» كاشف «لأنه يصير مطولاً ومتى كان مطوَّلاً أُعْرب نصباً، وكذلك لا يجوزُ أن يكونَ بدلاً من الضمير المستكنِّ في» كاشف «للعلة المتقدمة، إذ البدل يحلُّ محل المبدل منه.
فإن قيل: المقابل للخير هو الشر فكيف عَدَلَ عن لفظ الشر؟ والجواب أنه أراد تغليب الرحمة على ضدها فأتى في جانب الشر بأخص منه وهو الضرُّ، وفي جانب بالعام الذي هو الخير تغليباً لهذا الجانب. قال

صفحة رقم 564

ابن عطية:» ناب الضرُّ هنا مناب الشرُّ وإن كان الشر أعمَّ منه فقابل الخير، وهذا من الفصاحة عدول عن [قانون التكليف والصيغة، فإن باب التكليف وصيغ الكلام] أن يكون الشيء مقترناً بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقةً أو مضاهاة، فمن ذلك: ﴿إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى﴾ [طه: ١١٨١١٩] فجاء بالجوع مع العري وبابه أن يكون مع الظمأ ومنه قول امرئ القيس:

١٨٧ - ٥- كأنّيَ لم أركبْ جواداً لِلَّذةٍ ولم أَتَبَطَّنْ كاعِباً ذاتَ خَلْخال
ولم أَسْبَأ الزِّقَّ الرَّويَّ ولم أقْلْ لخيلي كُرِّي كَرَّةً بعد إجْفالِ
ولم يوضح ابن عطية ذلك. وإيضاحه في آية طه اشتراك الجوع والعري في شيء خاص وهو الخلوُّ، فالجوع خلوٌّ وفراغ في الباطن، والعريُّ خلوٌّ وفراغ في الظاهر، واشتراك الظمأ والضحى في الاحتراق، فالظمأ احتراق في الباطن ولذلك تقول: «بَرَّد الماء حرارة كبدي وأوام عطشي»، والضحى: احتراق الظاهر.
وأمَّا البيتان فالجماع بين الركوب للَّذة وهو الصيد وتبطُّن الكاعب اشتراكهما في لذة الاستعلاء والقهر والاقتناص والظفر بمثل هذا المركوب، ألا ترى تسميتهم هَنَ المرأة «رَكَباً» بفتح الراء والكاف وهو فَعَل بمعنى مَفْعول كقوله:

صفحة رقم 565

وأما البيت الثاني فالجامعُ بين سبأ الخمر والرجوع بعد الهزيمة اشتراكهما في البذل، فشراء الخمر بَذْل المال، والرجوع بعد الانهزام بذل الروح. وقدَّم تبارك وتعالى مَسَّ الضرِّ على مسِّ الخير لمناسبة اتصال مسِّ الضر بما قبله من الترهيب المدلول عليه بقوله: إن أخاف. وجاء جواب الشرط الأول بالحصر إشارةً إلى استقلاله بكشف الضر دون غيره، وجاء الثاني بقوله ﴿فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ﴾ إشارةً إلى قدرته الباهرة فيندرجُ فيها المَسُّ بخير وغيره، على أنه لو قيل: إن جواب الثاني محذوف لكان وجهاً أي: وإنْ يَمْسَسْك فلا رادَّ لفضله للتصريح بمثله في موضع آخرَ.

صفحة رقم 566
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
١٨٧ - ٦- إنَّ لها لَرَكَباً إرْزَبَّا كأنه جبهةُ ذَرَّى حَبَّا