آيات من القرآن الكريم

قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ

إنسان ثوابَ ما اكتسبَ، وجزاء ما عمل.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله:"سكن"، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٣١٠٩ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وله ما سكن في الليل والنهار"، يقول: ما استقرَّ في الليل والنهار.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قل"، يا محمد، لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثانَ والأصنامَ، والمنكرين عليك إخلاص التوحيد لربك، الداعين إلى عبادة الآلهة والأوثان: أشيئًا غيرَ الله تعالى ذكره:"أتخذ وليًّا"، أستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث، (١) كما:-
١٣١١٠ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"قل أغير الله اتخذ وليًّا"، قال: أما"الولي"، فالذي يتولَّونه ويقرّون له بالربوبية.
* * *
="فاطر السماوات والأرض"، يقول: أشيئًا غير الله فاطر السماوات والأرض أتخذ وليًّا؟ ف"فاطر السماوات"، من نعت"الله" وصفته، ولذلك خُفِض. (٢)

(١) انظر تفسير"الولي" فيما سلف ١٠: ٤٢٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٢٨، ٣٢٩.

صفحة رقم 282

ويعني بقوله:"فاطر السماوات والأرض"، مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما، كالذي:-
١٣١١١ - حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما"فاطر السماوات والأرض"، حتى أتاني أعرابيّان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه:"أنا فَطَرتها"، يقول: أنا ابتدأتها.
١٣١١٢ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فاطر السماوات والأرض"، قال: خالق السماوات والأرض.
١٣١١٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"فاطر السماوات والأرض"، قال: خالق السماوات والأرض.
* * *
يقال من ذلك:"فطرها الله يَفطُرُها وَيفطِرها فَطرًا وفطورًا" (١) = ومنه قوله: هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [سورة الملك: ٣]، يعني: شقوقًا وصدوعًا. يقال:"سيف فُطارٌ"، إذا كثر فيه التشقق، وهو عيب فيه، ومنه قول عنترة:

وَسَيْفِي كَالْعَقِيقَةِ فَهْوَ كِمْعِي، سِلاحِي، لا أَفَلَّ وَلا فُطَارَا (٢)
(١) هذه العبارة عن معنى"فطر"، فاسدة جدًا، ولا شك عندي في أن الكلام قد سقط منه شيء، فتركته على حاله، مخافة أن يكون في نص أبي جعفر شيء لم تقيده كتب اللغة. ومن شاء أن يستوفي ذلك، فليراجع كتب اللغة.
(٢) ديوانه، في أشعار الستة الجاهلين: ٣٨٤، وأمالي ابن الشجري ١: ١٩، واللسان (فطر) (عقق) (كمع) (فلل)، من أبياته التي قالها وتهدد بها عمارة بن زياد العبسي، وكان يحسد عنترة على شجاعته، ويظهر تحقيره، ويقول لقومه بني عبس: "إنكم قد أكثرتم من ذكره، ولوددت أني لقيته خاليا حتى أريحكم منه، وحتى أعلمكم أنه عبد"! فقال عنترة:
أحَوْلِي تَنْفُضُ اسْتُكَ مِذْرَوَيهَا لِتَقْتُلَنِي؟ فَهَا أنَا ذَا، عُمَارَا!
مَتَى ما تَلْقَنِى خِلْوَينَ، تَرْجُفْ رَوَانِفُ ألْيَتَيْكَ وتُسْتَطَارَا
وَسَيْفِي صَارِمٌ قَبَضَتْ عَلَيْهِ أشَاجِعُ لا تَرَى فِيهَا انْتِشَارَا
وسَيْفِي كالعَقِيقِة..... ...................
و"العقيقة": شقة البرق، وهو ما انعق منه، أي: تشقق. و"الكمع" و"الكميع" الضجيع. و"الأفل": الذي قد أصابه الفل، وهو الثلم في حده.

صفحة رقم 283

ومنه يقال:"فَطَر ناب الجمل"، إذا تشقق اللحم فخرج، ومنه قوله: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ [سورة الشورى: ٥]، أي: يتشققن، ويتصدعن.
* * *
وأما قوله:"وهو يطعم ولا يطعم"، فإنه يعني: وهو يرزق خلقه ولا يرزق، كما:-
١٣١١٤ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" وهو يطعم ولا يطعم"، قال: يَرْزق، ولا يُرزق.
* * *
وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: (١) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يَطْعَمُ)، أي: أنه يُطعم خلقه، ولا يأكل هو = ولا معنى لذلك، لقلة القراءة به.
* * *

(١) في المطبوعة والمخطوطة: "أنه كان يقول ذلك"، وهو خلط شديد، صواب قراءته ما أثبت. وهذه القراء التالية، ذكرها ابن خالويه في شواذ القراءات: ٣٦، ونسبها إلى الأعمش، وذكرها أبو حيان في تفسيره ٤: ٨٥، ٨٦، ونسبها أيضًا إلى مجاهد وابن جبير، وأبي حيوة، وعمرو بن عبيد، وأبي عمرو، في رواية عنه.

صفحة رقم 284

القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قل"، يا محمد، للذين يدعونك إلى اتخاذ الآلهة أولياء من دون الله، ويحثّونك على عبادتها: أغير الله فاطر السماوات والأرض، وهو يرزقني وغيري ولا يرزقه أحد، أتخذ وليًّا هو له عبد مملوك وخلق مخلوق؟ وقل لهم أيضًا: إني أمرني ربي:"أن أكون أول من أسلم" يقول: أوّل من خضع له بالعبودية، وتذلّل لأمره ونهيه، وانقاد له من أهل دهرِي وزماني ="ولا تكوننَّ من المشركين"، يقول: وقل: وقيل لي: لا تكونن من المشركين بالله، الذين يجعلون الآلهة والأنداد شركاء.
= وجعل قوله:"أمرت" بدلا من:"قيل لي"، لأن قوله"أمرت" معناه:"قيل لي". فكأنه قيل: قل إني قيل لي: كن أول من أسلم، ولا تكونن من المشركين= فاجتزئ بذكر"الأمر" من ذكر"القول"، إذ كان"الأمر"، معلومًا أنه"قول".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين العادلين بالله، الذين يدعونك إلى عبادة أوثانهم: إنّ ربي نهاني عن عبادة شيء سواه ="وإني أخاف إن عصيت ربي"، فعبدتها ="عذاب يوم عظيم"، يعني: عذاب يوم القيامة. ووصفه تعالى ب"العظم" لعظم هَوْله، وفظاعة شأنه.
* * *

صفحة رقم 285
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية