آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ

أمر أن يثبت على حاله: على مكانتك يا فلان، أى اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه إِنِّي عامِلٌ أى عامل على مكانتى التي أنا عليها. والمعنى اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي، فإنى ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أينا تكون له العاقبة المحمودة. وطريقة هذا الأمر طريقة قوله اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ وهي التخلية، والتسجيل على المأمور «١» بأنه لا يأتى منه إلا الشر، فكأنه مأمور به وهو واجب عليه حتم ليس له أن يتفصى عنه ويعمل بخلافه. فإن قلت: ما موضع مَنْ؟ قلت الرفع إذا كان بمعنى «أى» وعلق عنه فعل العلم. أو النصب إذا كان بمعنى «الذي» وعاقِبَةُ الدَّارِ العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها. وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك، فيه إنصاف في المقال وأدب حسن، مع تضمن شدّة الوعيد، والوثوق بأنّ المنذر محق والمنذر مبطل.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٦]
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦)
كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله، وأشياء منها لآلهتهم، فإذا رأوا ما جعلوه لله زاكياً نامياً يزيد في نفسه خيراً رجعوا فجعلوه للآلهة، وإذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها واعتلوا بأنّ الله غنىّ، وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها: وقوله مِمَّا ذَرَأَ فيه أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي، لأنه هو الذي ذرأه وزكاه، ولا يرد إلى ما لا يقدر على ذرء ولا تزكية بِزَعْمِهِمْ وقرى بالضم، أى قد زعموا أنه لله والله لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة التي هي من الشرك، لأنهم أشركوا بين الله وبين أصنامهم في القربة فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ أى لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ من إنفاق عليها بذبح النسائك عندها والإجراء على سدنتها ونحو ذلك ساءَ ما يَحْكُمُونَ في إيثار آلهتهم على الله تعالى وعملهم ما لم يشرع لهم.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٧]
وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧)

(١). قوله «والتسجيل على المأمور» في الصحاح «السجل» الصك. وقد سجل الحاكم تسجيلا. وفيه أيضا: هي مسجلة البر والفاجر. قال الأصمعي: أى مرسلة، يقال أسجلت الكلام أى أرسلته. (ع)

صفحة رقم 68

وَكَذلِكَ ومثل ذلك التزيين وهو تزيين الشرك في قسمة القربان بين الله تعالى والآلهة، أو ومثل ذلك التزيين البليغ «١» الذي هو علم من الشياطين. والمعنى: أن شركاءهم من الشياطين، أو من سدنة الأصنام زينوا لهم قتل أولادهم «٢» بالوأد، أو بنحرهم للآلهة وكان الرجل في الجاهلية

(١). قوله «ومثل ذلك التزيين البليغ الذي» لعله التزيين الذي. (ع) [.....]
(٢). قال محمود: «المعنى أن شركاءهم من الشياطين أو من سدنة الأصنام زينوا لهم قتل أولادهم... الخ» قال أحمد رحمه الله: لقد ركب المصنف في هذا الفصل متن عمياء، وتاه في تيهاء. وأنا أبرأ إلى الله وأبرئ حملة كتابه وحفظة كلامه مما رماهم به «فانه تخيل أن القراء أئمة الوجوه السبعة اختار كل منهم حرفا قرأ به اجتهاداً، لا نقلا وسماعا فلذلك غلط ابن عامر في قراءته هذه، وأخذ يبين أن وجه غلطه رؤيته الياء ثابتة في شركائهم، فاستدل بذلك على أنه مجرور، وتعين عنده نصب أولادهم بالقياس، إذ لا يضاف المصدر إلى أمرين معاً فقرأه منصوبا، قال المصنف: وكانت له مندوحة عن نصبه إلى جره بالاضافة وإبدال الشركاء منه، وكان ذلك أولى مما ارتكبه يعنى ابن عامر من الفصل بين المضاف والمضاف إليه الذي يسمج في الشعر فضلا عن النثر فضلا عن المعجز. فهذا كله كما ترى ظن من الزمخشري أن ابن عامر قرأ قراءته هذه رأيا منه، وكان الصواب خلافه والفصيح سواه، ولم يعلم الزمخشري أن هذه القراءة بنصب الأولاد والفعل بين المضاف والمضاف إليه، بها يعلم ضرورة أن النبي ﷺ قرأها على جبريل كما أنزلها عليه كذلك، ثم تلاها النبي ﷺ على عدد التواتر من الأئمة، ولم يزل عدد التواتر يتناقلونها ويقرؤن بها خلفاً عن سلف، إلى أن انتهت إلى ابن عامر فقرأها أيضاً كما سمعها. فهذا معتقد أهل الحق في جميع الوجوه السبعة أنها متواترة جملة وتفصيلا عن أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم.
فإذا علمت العقيدة الصحيحة فلا مبالاة بعدها بقول الزمخشري، ولا بقول أمثاله ممن لحن ابن عامر، فان المنكر عليه إنما أنكر ما ثبت أنه براء منه قطعا وضرورة. ولولا عذر أن المنكر ليس من أهل الشأنين، أعنى علم القراءة وعلم الأصول، ولا يعد من ذوى الفنين المذكورين، لخيف عليه الخروج من ربقة الدين. وأنه على هذا العذر لفي عهدة خطرة وزلة منكرة تزيد على زلة من ظن أن تفاصيل الوجوه السبعة فيها ما ليس متواتراً، فان هذا القائل لم يثبتها بغير النقل.
وغايته أنه ادعى أن نقلها لا يشترط فيه التواتر. وأما الزمخشري فظن أنها تثبت بالرأى غير موقوفة على النقل.
وهذا لم يقل به أحد من المسلمين. وما حمله على هذا الخيال إلا التغالى في اعتقاد اطراد الأقيسة النحوية، فظنها قطعية حتى يرد ما خالفها، ثم إذا تنزل معه على اطراد القياس الذي ادعاه مطرداً، فقراءة ابن عامر هذه لا تخالفه. وذلك أن الفصل بين المضاف والمضاف إليه وإن كان عسراً، إلا أن المصدر إذا أضيف إلى معموله فهو مقدر بالفعل، وبهذا التقدير عمل، وهو أن لم تكن إضافته غير محضة، إلا أنه شبه بما إضافته غير محضة حتى قال بعض النحاة:
إن إضافته ليست محضة لذلك. فالحاصل أن اتصاله بالمضاف إليه ليس كاتصال غيره. وقد جاء الفصل بين المضاف غير المصدر وبين المضاف إليه بالظرف، فلا أقل من أن يتميز المصدر على غيره لما بيناه من انفكاكه في التقدير وعدم توغله في الاتصال بأن يفصل بينه وبين المضاف إليه بما ليس أجنبياً عنه، وكأنه بالتقدير فكة بالفعل، ثم قدم المفعول على الفاعل وأضافه إلى الفاعل وبقي المفعول مكانه حين الفك، ويسهل ذلك أيضا تغاير حال المصدر، إذ تارة يضاف إلى الفاعل وتارة يضاف إلى المفعول. وقد التزم بعضهم اختصاص الجواز بالفصل بالمفعول بينه وبين الفاعل لوقوعه في غير مرتبته، إذ ينوى به التأخير، فكأنه لم يفصل، كما جاز تقدم المضمر على الظاهر إذا حل في غير رتبته، لأن النية به التأخير. وأنشد أبو عبيدة
فداسهم دوس الحصاد الدائس
وأنشد أيضاً:
يفرك حب السنبل الكنافج بالقاع فرك القطن المحالج
ففصل كما ترى بين المصدر وبين الفاعل بالمفعول. ومما يقوى عدم توغله في الاضافة جواز العطف على موضع مخفوضه رفعاً ونصباً، فهذه كلها نكت مؤيدة بقواعد منظرة. بشواهد من أقيسة العربية. تجمع شمل القوانين النحوية لهذه القراءة، وليس غرضنا تصحيح القراءة بقواعد العربة، بل تصحيح قواعد العربية بالقراءة. وهذا القدر كاف إن شاء الله في الجمع بينهما والله الموفق. وما أجريناه في أدراج الكلام من تقريب إضافة المصدر من غير المحضة، إنما أردنا انضمامه إلى غيره من الوجوه التي يدل باجتماعها على أن الفصل غير منكر في إضافته، ولا مستبعد من القياس، ولم يفرده في الدلالة المذكورة إذ المتفق على عدم تمحضها لا يسوغ فيها الفصل، فلا يمكن استقلال الوجه المذكور بالدلالة، والله الموفق.

صفحة رقم 69
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية