
شرح الكلمات:
شرح صدره: شرح الصدر توسعته لقبول الحق وتحمل الوارد عليه من أنوار الإيمان وعلامة ذلك: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله.
حرجاً: ضيقاً لا يتسع لقبول الحق، ولا لنور الإيمان.
كأنما يصعد: يصعب عليه قبول الإيمان حتى كأنه يتكلف الصعود إلى السماء.
الرجس: النجس وما لا خير فيه كالشيطان.
فصلنا الآيات: بيناها وأوضحناها غاية البيان والتوضيح.
يذكرون: يذكرون فيتعظون.
دار السلام: الجنة، والسلام اسم من أسماء الله تعالى فهي مضافة إلى الله تعالى.
استكثرتم: أي من إضلال الإنس وإغوائهم.
استمتع بعضنا ببعض: انتفع كل منَّا بصاحبه أي تبادلنا المنافع بيننا حتى الموت.
أجلنا الذي أجلت لنا: أي الوقت الذي وقت لنا وهو أجل موتنا فمتنا.
مثواكم: مأواكم ومقر بقائكم وإقامتكم.
حكيم عليم: حكيم في وضع كل شيء في موضعه فلا يخلد أهل الإيمان في النار، ولا يخرج أهل الكفر منها، عليم بأهل الإيمان وأهل الكفران.
معنى الآيات:
بعد ذلك البيان والتفصيل لطريق الهداية في الآيات من أول السورة إلى قوله تعالى حكاية عن المدعوين إلى الحق العادلين به الأصنام إذ قالوا: ﴿لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله﴾.
أعلم تعالى عباده أن الهداية بيده وأن الإضلال كذلك يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بعدله، وأن لكل من الهداية والإضلال سنناً تتبع في ذلك فمن طلب الهداية ورغب صفحة رقم 116

فيها صادقاً علم تعالى ذلك منه وسهل له طرقها وهيأ له أسبابها، ومن ذلك أنه يشرح١ صدره لقبول الإيمان وأنواره فيؤمن ويسلم ويحسن فيكمل ويسعد، ومن طلب الغواية ورغب فيها صادقاً علم الله تعالى ذلك منه فهيأ له أسبابها وفتح له بابها فجعل صدره ضيقاً٢ حرجاً لا يتسع لقبول الإيمان وحلول أنواره فيه حتى لكأنه يتكلف الصعود إلى السماء وما هو بقادر هذه سنته في الهداية والإضلال، وقوله تعالى ﴿كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون﴾ أي كذلك الفعل في الهداية والإضلال يجعل الله الرجس٣ أي يلقي بكل ما لا خير فيه على قلوبهم من الكبر والحسد والشرك والكفر والشيطان لقبول المحل لكل ذلك نتيجة خلوه من الإيمان بالله ولقائه.
وقوله تعالى ﴿وهذا صراط ربك مستقيماً﴾ يقول تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشيراً إلى ما بينه من الهدى وهذا طريق ربك مستقيماً فاسلكه والزمه فإنه يفضي بك إلى كرامة ربك وجواره في جنات النعيم. وقوله: ﴿قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون﴾ يمتن تعالى وله الحمد والمنة بما أنعم به على هذه الأمة من تفصيل الآيات حججاً وبراهين وشرائع ليهتدي طالبوا الهدى المشار إليهم بقوله ﴿لقوم يذكرون﴾ فيذكرون فيؤمنون ويعملون فيكملون ويسعدون في دار السلام إذ قال تعالى ﴿لهم٤ دار السلام عند ربهم وهو وليهم﴾ أي متوليهم بالنصر والتأييد في الدنيا والإنعام والتكريم في الآخرة ﴿بما كانوا يعملون﴾ من الصالحات.
هذا ما دلت عليه الآيات الأولى والثانية والثالثة أما الآية الرابعة (١٢٨) فقد تضمنت عرضاً سريعاً ليوم القيامة الذي هو ظرف للجزاء على العمل في دار الدنيا فقال تعالى: ﴿ويوم يحشرهم جميعاً﴾ ٥ إنسهم وجنهم ويقول سبحانه وتعالى ﴿يا معشر الجن قد استكثرتم٦ من الإنس﴾ أي في إغوائهم وإضلالهم، ﴿وقال أولياؤهم من الإنس﴾ أي الذين كانوا
٢ الحرج والحرج بالفتح والكسر قراءتان وهو الضيق وكل ضيق حرج والحرجة الغيضة والجمع حروج وحرجات وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الحرج موضع الشجر الملتف فقلب الكافر لضيقه لا تصل إليه المعرفة كما لا تصل الشاة إلى الشجر الملتف أو تدخل رأسها بين الشجر فيصعب عليها إخراجه فتقع في حرج، والحرج الإثم.
٣ أصل الرجس في اللغة النتن وقال مجاهد: الرجس ما لا خير فيه فكما يجعل صدر الكافر ضيقاً لا يقبل الهدى يجعل عليه الرجس فيقبل كل خبيث نتن من الأقوال والاعتقادات.
٤ دار السلام الجنة والسلام هو الله فدار السلام كبيت الله وهناك معنى آخر وهو أنها دار السلامة من كل أذى ومكروه وآفة.
٥ نُصب الظرف بفعل محذوف تقديره يقول يوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن الخ.
٦ حذف لفظ الاستمتاع إيجازاً لدلالة السياق وحرف الجر عليه أي قد استكثرتم من الاستمتاع من الإنس.

يوالونهم على الفساد والشر والشرك والكفر ﴿ربنا﴾ أي يا ربنا ﴿استمتع بعضنا ببعض﴾ أي كل منا تمتع بخدمة الآخر له وانتفع بها، يريدون أن الشياطين زينت لهم الشهوات وحسنت لهم القبائح وأغرتهم بالمفاسد فهذا انتفاعهم منهم وأما الجن فقد انتفعوا من الإنس بطاعتهم والاستجابة لهم حيث خبثوا خبثهم وضلوا ضلالهم. وقولهم ﴿وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا﴾ أي واستمر ذلك منا إلى أن انتهينا إلى أجلنا الذي أجلته لنا وهو نهاية الحياة الدنيا وها نحن بين يديك، كأنهم يعتذرون بقولهم هذا فرد الله تبارك وتعالى عليهم بإصدار حكمه فيهم قائلاً: ﴿النار مثواكم١ خالدين فيها إلا ما شاء الله﴾ ومعنى مثواكم: مقامكم الذي تقيمون فيه أبداً.
ومعنى قوله ﴿إلا ما شاء الله﴾ هو استثناء٢ لبيان إرادة الله المطلقة التي لا يقيدها شيء، إذ لو شاء أن يخرجهم من النار لأخرجهم أي ليس هو بعاجز عن ذلك، ومن الجائز أن يكون هذا الاستثناء المراد به من كان منهم من أهل التوحيد ودخل النار بالفسق والفجور وكبير الذنوب بإغواء الشياطين له فإنه يخرج من النار بإيمانه، ويكون معنى (ما) (من) أي إلا من شاء الله. والله أعلم بمراده، وقوله في ختام الآية، ﴿إن ربك حكيم عليم﴾، ومن مظاهر حكمنه وعلمه إدخال أهل الكفر والمعاصي النار أجمعين الإنس والجن سواء.
هداية الآيات
من هداية الآيات:.
١- بيان سنة الله تعالى في الهداية والإضلال.
٢- بيان صعوبة وشدة ما يعاني الكافر إذا عرض عليه الإيمان.
٣- القلوب الكافرة يلقى فيها كل ما لا خير فيه من الشهوات والشبهات وتكون مقراً للشيطان.
٤- فضيلة الذكر المنتج للتذكر الذي هو الاتعاظ فالعمل.
٥- ثبوت التعاون بين أخباث الإنس والجن على الشر والفساد.
٦- إرادة الله مطلقة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلا يؤثر فيها شيء.
٢ ذكر المفسرون أقوالاً كثيرة في هذا الاستثناء وما ذكرته في التفسير أحسن ما يؤول به هذا الاستثناء الإلهي في هذه الآية وفي آية هود.