آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ

فَارِس «١»، وذلك أنهم كانوا يوالُونَ قُرَيْشاً على عداوة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ من قريش لِيُجادِلُوكُمْ بقولهم: تأكلون ما قَتَلْتُمْ ولا تأكلون ما قَتَلَ اللَّه فذلك من مخاطبتهمْ هو الوحْيُ، والأولياء هم قريشٌ، وقال ابن زَيْد وعبد اللَّه بن كثير: بل الشياطينِ الجِنُّ، واللفظة على وجْهها، وأولياؤهم: كَفَرة قريش، ووحْيُهم بالوسوسة، وعلى ألسنة الكُهَّان.
ثم نهى سبحانه عن طاعتهم بلفظ يتضمَّن الوعيدَ وعرض أصعب مثالٍ في أن يشبه المؤمن بالمُشْرك، قال ابن العربيِّ «٢» : قوله تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ، سمَّى اللَّه تعالى ما يقع في القلوبِ من الإلهام وحياً/، وهذا مما يطلقه شيوخُ المتصوِّفة، وينكره جُهَّال المتوسِّمين بالعلْمِ، ولم يعلموا أن الوحْيَ على ثمانيةِ أقسامٍ، وأن إطلاقه في جميعها جائزٌ في دِينِ اللَّه. انتهى من «أحكام القرآن».
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٤]
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤)
وقوله سبحانه: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، لما تقدَّم ذكْر المؤمنين، وذكْر الكافرين، مثَّل سبحانه في الطائفتين بأنْ شَبَّه الذين آمنوا بَعْد كفرهم بأمواتٍ أُحْيُوا، هذا معنى قول ابن عباس «٣» ومجاهد وغيرهما، وشَبَّه الكافرين وحَيْرَةَ جهلهم بقَوْمٍ في ظلمات يتردَّدون فيها، ولا يمكنهم الخروجُ منها ليبيِّن عزَّ وجلَّ الفرق بيْنَ الطائفتَيْن، والبَوْن «٤» بين المنزلتين، ونُوراً أمكن ما يعني به الإيمان، قيل: ويحتمل أن يراد به النُّور الذي يُؤْتَاهُ المؤمن يوم القيامة، وجَعَلْنا في هذه الآية: بمعنى صيّرنا، فهي تتعدّى إلى

(١) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٤٠).
(٢) ينظر: «أحكام القرآن» (٢/ ٧٤٧).
(٣) أخرجه الطبري (٥/ ٣٣٢) برقم (١٣٨٤٣، ١٣٨٤٤، ١٣٨٤٥) عن مجاهد وبرقم (١٣٨٤٦، ١٣٨٤٧) عن ابن عباس، وبرقم (١٣٨٤٩) عن السدي، وبرقم (١٣٨٥٠) عن ابن زيد، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٤١)، والسيوطي (٣/ ٨١) وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن ابن عباس، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٤) البون والبون: مسافة ما بين الشيئين. ينظر: «لسان العرب» (٣٩١).

صفحة رقم 512

مفعولَيْن، الأول: مُجْرِمِيها، والثاني: أَكابِرَ، وفي الكلام على هذا: تقديمٌ وتأخير، وتقديره: وكذلك جعلنا في كلِّ قريةٍ مجرميها أَكَابِرَ، وقدَّم الأهمَّ إذ لعلَّة كِبْرهم أجرموا، ويصح أن يكون المفعولُ الأول: «أكابر»، و «مجرميها» «١» مضافٌ، والمفعولُ الثاني: في قوله: فِي كُلِّ قَرْيَةٍ، ولِيَمْكُرُوا: نصب بلامِ الصيرورةِ والأكابر: جمع أكْبَر كما الأفاضلُ جمع أفْضَل، قال الفَخْر «٢» : وإنما جعل المجرمين أكابر لأنهم لأجل

(١) اختلف في تقديرهما، والصحيح: أن يكون «في كلّ قرية» مفعولا ثانيا قدم على الأول، والأول «أكابر» مضافا ل «مجرميها».
والثاني: أن يكون «في كلّ قرية» مفعولا ثانيا أيضا مقدما، و «أكابر» هو الأول، و «مجرميها» بدل من «أكابر» ذكر ذلك أبو البقاء.
الثالث: أن يكون «أكابر» مفعولا ثانيا قدم، و «مجرميها» مفعول أول آخر، والتقدير: جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر- فيتعلق الجار بنفس الفعل قبله، ذكر ذلك ابن عطية.
قال الشيخ: «وما أجازاه- يعني أبا البقاء وابن عطية- خطأ وذهول عن قاعدة نحوية، وهو أن «أفعل» التفضيل إذا كان ب «من» ملفوظا بها أو مقدرة، أو مضافة إلى نكرة كانت مفردة مذكرة على كل حال، سواء كانت لمذكر أم مؤنث مفرد أو مثنى أم مجموع. وإذا ثنيت أو جمعت أو أنثت، طابقت ما هي له، ولزمها أحد أمرين: إمّا الألف واللام، وإمّا الإضافة لمعرفة. وإذا تقرر ذلك، فالقول بكون «مجرميها» بدلا، وبكونه مفعولا أول، و «أكابر» مفعول ثان خطأ، لاستلزام أن يبقى «أكابر» مجموعا، وليست فيه ألف ولام، ولا هي مضافة لمعرفة. قال: وقد تنبه الكرماني إلى هذه القاعدة فقال: «أضاف «أكابر» إلى «مجرميها» لأن «أفعل» لا يجمع إلّا مع الألف واللام، أو مع الإضافة». قال الشيخ: وكان ينبغي أن يقيد بالإضافة إلى معرفة. قلت: أما هذه القاعدة فمسلمة ولكن قد ذكر مكي ما ذكر ابن عطية سواء، وما أظنه أخذ إلّا منه، وكذلك الواحدي أيضا، ومنع أن يجوز إضافة «أكابر» إلى «مجرميها». قال الواحدي- رحمه الله-: «والآية على التقديم والتأخير، تقديره: جعلنا مجرميها أكابر، ولا يجوز أن يكون «الأكابر» مضافة، لأنه لا يتم المعنى، ويحتاج إلى إضمار المفعول الثاني للجعل، لأنك إذا قلت:
جعلت زيدا، وسكت، لم يفد الكلام حتّى تقول: رئيسا أو ذليلا أو ما أشبه ذلك، ولأنك إذا أضفت «الأكابر» فقد أضفت النعت إلى المنعوت، وذلك لا يجوز عند البصريين». قلت: هذان الوجهان اللذان ردّ بهما الواحدي ليسا بشيء. أما الأول فلا نسلم أنا نضمر المفعول الثاني، وأنه يصير الكلام غير مفيد، وما أورده من الأمثلة فليس مطابقا، لأنا نقول: إنّ المفعول الثاني هنا مذكور مصرح، وهو الجار والمجرور السابق. وأما الثاني فلا نسلم أنه من باب إضافة الصفة لموصوفها، لأن المجرمين: أكابر، وأصاغر، فأضاف للبيان، لا لقصد الوصف.
الرابع: أن المفعول الثاني محذوف. قالوا: وتقديره: جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها فسّاقا ليمكروا.
وهذا ليس بشيء لأنه لا يحذف شيء، إلا الدليل، والدليل على ما ذكروه غير واضح. وقال ابن عطية:
ويقال: أكابرة، كما يقال: أحمر وأحامرة.
ينظر: «الدر المصون» (٣/ ١٧١- ١٧٢).
(٢) ينظر: «تفسير الرازي» (١٣/ ١٤٣).

صفحة رقم 513
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية