آيات من القرآن الكريم

قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلْ لِلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

والمضمر في ﴿مِنْهُمْ﴾ يعود على الرسل، وتقديره: فحاق بالذين سخروا من الرسل عقاب ما كانوا يستهزئون.
قوله: ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا﴾ الآية.
المعنى: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بالله غيره، المكذبين بك: سيروا في الأرض، أي: جولوا فيها، تروا ما (صار) إليه عاقبة أشكالهم من الناس - الذين كذبوا الرسل - من العذاب والهلاك فتحذروا (أن يصيبكم) مثل ما أصابهم.
قوله: ﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض (قُل للَّهِ)﴾ الآية.
قوله ﴿الذين خسروا﴾ في موضع رفع بالابتداء. ويجوز أن يكون في موضع نصب على البدل من المضمر في ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾، وهو قول الأخفش. وقيل: إن

صفحة رقم 1966

﴿لَيَجْمَعَنَّكُم﴾ بدل من ﴿الرحمة﴾ على معنى التفسير لها.
ورد المبرد قول الأخفش، وقال: لا يجوز أن يبدل من المخاطب إلا المخاطب، لو قلت: " مَرَرْت بك زيدٍ "، و " مررت بي زيد " لم يجز، لأن هذا لا يُشكِل فيُبيَّن، ولكنه مرفوع بالابتداء، و ﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ الخبر.
وقال ابن قتيبة: ﴿الذين﴾ في موضع خفض على البدل أو النعت " للمكذبين " الذين تقدم ذكرهم.
ومعنى الآية: قل يا محمد لهؤلاء العادلين المكذبين ﴿لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض﴾ أي: لمن ملك ذلك؟، وليس لهم جواب عن ذلك، فكأنهم طلبوا الجواب من السائل، فقالوا لمن ذلك؟، فقيل لهم: ﴿للَّهِ﴾، فصار السؤال والجواب من جهة واحدة في الظاهر والجواب إنما هو (جواب) لسؤال مضمر، لأنهم عجزوا عن الجواب فقالوا: لمن ذلك؟، فأجيبوا: ﴿للَّهِ﴾، أي: هو للهِ، فأخبرهم أن ذلك للهِ، وأعلمهم أن الله كتب على نفسه الرحمة لعباده، فلا يعجل عليهم بالعقوبة، فتوبوا إليه.
روى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال: " كَتَب اللهُ كِتاباً قبلَ الخَلْقِ: إن رَحْمَتي

صفحة رقم 1967

تَسْبِقُ غَضَبِي ".
وعن سلمان أن الله لما خلَق السماء و (الأرض)، خلقَ مائةَ رحمة، كلُّ رحمةٍ تملأُ ما بين السّماء والأرضِ، فَعِندهَ تِسعٌ وتسعونَ رحمةً، وقَسَّمَ رحمةً بينَ الخلائقَ، (فبها يتعاطفون)، فإذا كان ذلك - يعني يوم القيامة - قَصَرها الله على المتقين، وزادهم تسعاً وتسعين. وعن سلمان قال: نجد ذلك في التوراة.
وروى الحكم بن أبان عن عكرمة قال: إذا فَرَغ الله تعالى من القضاء بين خَلْقه، أخرج كتاباً من تحتِ العرش فيه: (أن رَحْمَتِي سَبَقَت غضبي وأنا أرحمُ الراحمين). قال: فيَخْرُجُ من النار مثل أهل الجنة، أو مِثْليْ أهل الجنة، مكتوباً ها هنا - وأشار الحكم إلى نحرِهِ - " عُتَقاء اللهِ ". فقال رجل لعكرمة: فإن الله يقول: ﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٧]. قال عكرمة: أولئك أهلها

صفحة رقم 1968

" الذين هم أهلها ".
وعن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: إن لله مائة رحمةٍ، أهبط منها رحمةً إلى أهل الدنيا، يتراحم بها الجِنُّ والإِنسُ وطائرُ السماءِ، وحيتان الماء، ودوابُّ الأرض وهوامُّها، وما بين الهواء، واختزن عنده تسعاً وتسعين رحمة، حتى إذا كان يوم القيامة، اختلج الرحمة التي كان أهبطها إلى أهل الدنيا، فحَولها إلى ما عنده، فجعلها في قلوب أهل الجنة، (و) على أهل الجنة.
فمعنى ﴿كَتَبَ على نَفْسِهِ الرحمة﴾: أمهلكم إلى يوم القيامة، لأن معنى ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ أي: يُمهلكم حتى يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه.
ومعنى ﴿كَتَبَ﴾ هنا: قضى.

صفحة رقم 1969

وقيل: ﴿إلى﴾ بمعنى " في "، أي: ليجمعنكم في يوم القيامة. وقيل: المعنى ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة، ف (إلى) لغير معنى " في ".
واللام في ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ لام قسم، جواب لِ ﴿كَتَبَ﴾، لأن ﴿كَتَبَ﴾ بمعنى " أوجب " والقسم إيجاب، (فاحتاج الايجاب إلى جواب، إذ هو بمعنى القسم في الإيجاب)، وله نظائر كثيرة في القرآن تقاس على هذا.
والوقف على ﴿الرحمة﴾ حسن عند أبي (حاتم والفراء)، ويكون ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ مبتدأ على القسم على قولهما.
وقيل: إن ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ بدل من (الرحمة)، فلا يوقف على (الرحمة)، ومعنى

صفحة رقم 1970
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية