
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (١٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)
شرح الكلمات:
كمثل الذين من قبلهم قريباً: أي مثل يهود بني النضير في ترك الإيمان ومحاربة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كمثل إخوانهم بني قينقاع والمشركين في بدر.
ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب: أي ذاقوا عاقبة كفرهم وحربهم لرسول الله ولهم عذاب أليم في الآخرة.
أليم
كمثل الشيطان إذ قال للإنسان: أي ومثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وخذلانهم لهم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان.
اكفر فلما كفر قال إني بريء منك: أي قال له الشيطان بعد أن كفره أنا بريء
وذلك جزاء الظالمين: أي خلودهما في النار أي الغاوي والمغوى ذلك جزاءهما وجزاء الظالمين.
ولتنظر نفس ما قدمت لغد: أي لينظر كل أحد ما قدم ليوم القيامة من خير وشر.
ولا تكونوا كالذين نسوا الله: أي ولا تكونوا أيها المؤمنون كالذين نسوا الله فتركوا طاعته.
فأنساهم أنفسهم: أي فعاقبهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا خيراً قط.
لا يستوي أصحاب النار: أي لأن أصحاب الجنة فائزون بالسلامة من المرهوب والظفر بالمرغوب
وأصحاب الجنة المحبوب. وأصحاب النار خاسرون في جهنم خالدون، فكيف يستويان؟.
أصحاب الجنة هم الفائزون

معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ ١ هذه الآية (١٥) واللتان بعدها (١٦) و (١٧) في بقية الحديث عن بني النضير إذ قال تعالى مثل بنو النضير في هزيمتهم بعد نقضهم العهد كمثل الذين من قبلهم في الزمان والمكان وهم بنو قينقاع إذ نقضوا عهدهم فأخرجهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذاقوا وبال أمرهم أي عاقبة نقضهم وكفرهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم أي موجع شديد وقوله تعالى ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ٢﴾ بوسائله الخاصة فلما كفر الإنسان تبرأ منه الشيطان وقال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين كذلك حال بني النضير مع المنافقين حيث حرضوهم على الحرب والقتال وواعدوهم أن يكونوا معهم ثم خذلوهم وتركوهم حدهم.
وقوله تعالى: ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا﴾ أي عاقبة أمرهما أنهما أي الإنسان والشيطان أنهما في النار خالدين فيها، وذلك أي خلودهما في النار جزاء الظالمين أي المشركين والفاسقين عن طاعة الله عز وجل.
وبعد نهاية قصة بني النضير نادى تعالى المؤمنين ليوجههم وينصح لهم فقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي صدقوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً ورسولا اتقوا الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، ولتنظر نفس ما قدمت٣ لغد أي ولينظر أحدكم في خاصة نفسه ماذا قدم لغدٍ أي يوم القيامة. واتقوا الله، أعاد الأمر بالتقوى لأن التقوى هي ملاك الأمر ومفتاح دار السلام والسعادة، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ يشجعهم على مراقبة الله تعالى والصبر عليها. وقوله تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي لا تكونوا كأناسٍ تركوا العمل بطاعة الله وطاعة رسوله فعاقبهم ربهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا لها خيراً وأصبحوا بذلك فاسقين عن أمر الله تعالى خارجين عن طاعته. وقوله تعالى {لا ٤يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ
لن حذف حرف العطف شائع تقول: أنت عاقل أنت كريم أنت كذا بلا حرف عطف.
٢ هنا روى غير واحد من السلف حديثاً يتضمن قصة تشرح هذه الآية الكريمة كمثل الشيطان إذ قال للإنسان.. الخ وهي أن راهباً تركت عنده امرأة أصابها لمم ليدعوا لها فزين له الشيطان فوطئها فحملت ثم قتلها خوفاً أن يفتضح فدل الشيطان قومها على موضعها فجاءوا فاستنزلوا الراهب ليقتلوه فجاءه الشيطان فوعده أنه إن سجد له أنجاه منهم فسجد له فتبرأ منه فأسلمه لقاتله وتركه، واسم هذا الراهب، برصيصا.
٣ أطلق لفظ الغد وأريد به يوم القيامة جرياً على عادة العرب فإنهم يطلقون لفظ الغد كناية عن المستقبل، وقيل إطلاق لفظ الغد هنا إشارة إلى قرب الساعة كما قال الشاعر:
فإن يك صدر هذا اليوم ولى
فإن غداً لناظره قريب
٤ هذه الجملة: (لا يستوي... ) الخ تذييل لما سبقها وهي كالفذلكة لما تقدم من الأمر بتقوى الله عز وجل وبيان حال المتقين الذاكرين والناسين الفاسقين.

وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}، أصحاب النار في الدركات السفلى، وأصحاب الجنة في الفراديس العلا فكيف يستويان، إذ أصحاب الجنة فائزون، وأصحاب النار خاسرون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- ضرب مثل لحال الكافرين في عدم الاتعاظ بحال غيرهم.
٢- التحذير من سبل الشيطان وهي الإغراء بالمعاصي وتزيينها فإذا وقع العبد في الهلكة تبرأ الشيطان منه وتركه في محنته وعذابه.
٣- وجوب التقوى بفعل الأوامر وترك النواهي.
٤- وجوب مراقبة الله تعالى والنظر يومياً فيما قدم الإنسان للآخرة وما أخر.
٥- التحذير من نسيان الله تعالى المقتضى لعصيانه فإن عقوبته خطيرة وهي أن ينسي الله العبد نفسه فلا يقدم لها خيراً قط فيهلك ويخسر خسراناً مبيناً.
٦- عدم التساوي بين أهل النار وأهل الجنة، إذ أصحاب النار لم ينجوا من المرهوب وهو النار، ولم يظفروا بمرغوب وهو الجنة، وأصحاب الجنة على العكس سلموا من المرهوب، وظفروا بالمرغوب نجوا من النار ودخلوا الجنان.
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤)