
عبد الله بن ابى بن سلول حين امكنه الله منهم وقال يا محمد احسن فى موالى فاعرض عنه فادخل يده فى جيب درع رسول الله - ﷺ - من خلفه فقال له رسول الله - ﷺ - ويحك أرسلني وغضب رسول الله - ﷺ - حتى رأوا بوجهه ظللا قال ويحك أرسلني قال والله لا أرسلك حتى تحسن الى فى موالى اربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد صغرنى من الأحمر والأسود وتحصدهم فى الغداة واحدة انى والله امرأ أخشى الدوائر فقال رسول الله - ﷺ - خلوهم لعنهم الله ولعن من معهم وتركهم من القتل وأمرهم ان يجلوا من المدينة فخرجوا بعد ثلث وولى إخراجهم منها عبادة بن الصامت وقال محمد بن مسلمة فجلعوا بأذرعات وأخذ رسول الله - ﷺ - من سلاحهم ثلثة فسع ودر عين وثلثة رماح وثلثة اسياف ووجد فى منازلهم سلاحا كثيرا وفمعز الدولة الصناعة فاخذ رسول الله - ﷺ - صيغة والخمس وقسم اربعة أخماسه على اصحاب فكان أول خمس بعد بدر وكان هذه الواقعة يوم السبت لنصف من شوال سنه هـ على راس عشرين شهرا من مهاجرته - ﷺ - ونزل فى عبادة بن الصامت وعبد الله بن ابى بن سلول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ آيات من سورة المائدة الى قوله هم الغالبون الاية وقد ذكرنا فى المائدة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة يعنى لا ينقص عذابهم فى الاخرة بما أصابهم وبال أمرهم فى الدنيا.
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ اى مثل المنافقين عبد الله بن ابى بن سلول وأشباهه فى اغترار اليهود على القتال كمثل الشيطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ قال البغوي روى عطاء وغيره عن ابن عباس قال كان راهب فى الفترة يقال له برصيصا يعبد فى صومعة له سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة وان إبليس اعياه فى امره الحيل فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال الا أجد أحدا يكفينى امر برصيصا فقال الأبيض وهو صاحب الأنبياء وهو الذي تصدى للنبى - ﷺ - وجاءه فى صورة جبرئيل ليوسوس على وجه الوحى فدفعه جبرئيل الى أقصى ارض الهند فقال الأبيض لابليس انا أكفيك فانطلق فتزين بزينة الرهبان وحلق وسط راسه واتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه وكان لا ينقتل من صلوته الا فى عشرة ايام ولا يفطر الا فى عشرة ايام مرة فلما راى الأبيض انه لا يجيبه اقبل على العبادة فى اصل صومعته فلما انفتل برصيصا اطلع من صومعة فراى الأبيض قايما يصلى فى هيئة حسنة من هيئة الرهبان فلما راى ذلك من حاله ندم فى نفسه حين لم يجبه فقال له انك ناديتنى وكنت مشتغلا عنك فما حاجتك قال حاجتى انى أحببت ان أكون معك فاتاوب بك واقتبس من علمك

وعملك ونجتمع على العبادة فتدعو لى وادعو لك فقال برصيصا انى لفى شغل عنك فان كنت مؤمنا فان الله سيجعل لك فيما ادعو للمؤمنين نصيبا ان استجاب لى ثم اقبل على صلوته وترك الأبيض واقبل الأبيض يصلى فلم يلتفت اليه برصيصا أربعين يوما بعدها فلما انفتل راه قايما يصلى فلما راى برصيصا شدة اجتهاده قال ما حاجتك قال حاجتى ان تأذن لى فارتفع إليك فاذن له فارتفع اليه فى صومعته فاقام معه حولا يتعبد لا يفطر الا فى كل أربعين يوما ولا ينفتل عن صلوته الا فى كل أربعين يوما مرة وربما مد الى الثمانين فلما راى برصيصا اجتهاده تقاصرت اليه نفسه وأعجبه شان الأبيض فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا انى منطلق فان لى صاحبا غيرك ظننت انك أشد اجتهادا مما ارى وكان بلغنا عنك غير الذي رايت فدخل من ذلك على برصيصا امر شديد وكره مفارقته للذى راى منه شدة اجتهاده فلما ودعه قال له الأبيض ان عندى دعوات اعلمكها تدعو بهن فهن خير مما أنت فيه يشفى الله به السقيم ويعافى به المبتلى والمجنون قال برصيصا اكره هذه المنزلة لان لى فى نفسى شغلا انى أخاف ان علم به الناس شغلونى عن العبادة فلم يزل به الأبيض حتى علمه ثم انطلق حتى اتى إبليس فقال قد والله أهلكت الرجل قال فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فخنقه ثم جاء فى صورة رجل متطيب فقال لاهله ان لصاحبكم جنونا أفا عالجه قالوا نعم فقال لهم انى لا أقوى على جنبته ولكن أرشدكم الى من يدعو الله فيعا فيه انطلقوا الى برصيصا قال عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعا به أجاب فانطلقوا اليه فسائوه ذلك فدعا بتلك الكلمات فذهب عنه الشيطان فكان الأبيض يفعل مثل ذلك بالناس ويرشدهم الى برصيصا فيعافون وانطلق الأبيض الى جارية من بنات ملوك بنى إسرائيل بين ثلثة اخوة وكان أبوهم ملكهم فمات واستخلف أخاه فكان عمها ملك بنى إسرائيل فجاء الأبيض الى تلك الجارية فعذبها وخنقها ثم جاء إليهم فى صورة متطيب فقال لهم أتريدون ان أعالجها قالوا نعم قال ان الذي عرض لها مارد ولا يطلق ولكن سارشدكم الى رجل تثقون به تدعونها عنده إذا جاء شيطانها دعالها حتى تعلموا انها قد عوفيت وتردونها صحيحة قالوا ومن هو قال برصيصا الزاهد قالوا وكيف لنا ان يجيبنا الى هذا وهو أعظم شانا من هذا قال ابنوا صومعة الى جنب صومعة حتى تشرفوا عليه فان قبلها والا فضعوها فى صومعة ثم قولوا هى امانة عندك فاحتسب فيها قال انطلقوا اليه فسالوه فابى عليهم فبنوا صومعة على ما أمرهم به الأبيض فوضعوا الجارية فى صومعة فقالوا هذه أختنا هذه امانة فاحتسب فيها ثم انصرفوا فلما انفتل برصيصا من صلوته عاهن الجارية وما بها من جمال فوقعت فى قلبه ودخل عليه امر عظيم فجاءها شيطان فخنقها
صفحة رقم 253
فدعا برصيصا بتلك الدعوات فذهب الشيطان ثم اقبل على صلوته ثم جاءها فخنقها وكانت تكشف عن نفسها فجاءه الشيطان وقال واقعها فستتوب بعد ذلك والله تعالى غفار الذنوب والخطايا فتدرك ما تريد من الأمر فلم يزل
به حتى واقعها فلم يزل على ذلك يأتيها حتى حملت فظهر حملها فقال له الشيطان ويحك قد افتضحت يا برصيصا فهل لك ان تقتلها وتتوب فان سالوك فقل ذهب بها شيطانها فلم اقدر عليه فقتلها ثم انطلق بها فدفنها الى جانب الجبل فجاء الشيطان وهو يدفنها ليلا فاخذ بطرف إزارها فبقى طرفة خارجها من التراب ثم رجع برصيصا الى صومعة فاقبل على صلوته إذ جاءه إخوتها يتعاهدون أختهم وكانوا يجيئون فى فرط الأيام يسألون عنها ويصونه بها فقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال قد جاء شيطانها فذهب بها ولم أطقه فصدقوه فانصرفوا فلما أمسوا وهم مكروبون جاء الشيطان الى أكبرهم فى منامه فقال ويحك ان برصيصا قد فعل بأختك كذا وكذا وانه دفنها فى موضع كذا فقال الأخ فى نفسه هذا حلم وهو من عمل الشيطان فان برصيصا خير من ذلك قال فتتابغ عليه ثلث ليال مرات ليلا فلم يكترث فانطلق الى الأوسط بمثل ذلك فقال الأوسط مثل ما قال الأكبر فلم يخبربه أحدا فانطلق الى أصغرهم بمثل ذلك فقال أصغرهم لاخويه والله لقد رايت كذا وكذا وقال الأوسط وانا والله قد رايت مثله...
فانطلقوا الى برصيصا وقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال أليس قد أعلمتكم بحالها فكانكم اتهمتموني فقالوا والله ما نتهمك واستحيوا منه فانصرفوا فجائهم الشيطان وقال ويحكم انها لمدفونة فى موضع كذا وان طرف إزارها خارج من التراب فانطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوا فى النوم فمشوا فى مواليهم وغلمانهم معهم الفئوس والمساجى فهدموا صومعة فانزلوه ثم كتفوه فانطلقوا به الى الملك فاقر على نفسه وذلك ان الشيطان أتاه فقال تقتلها ثم تكابر يجتمع عليك أمران قتل ومكابرة اعترف فلما اعترف امر الملك بقتله وصلبه على خشية فلما صلب أتاه الأبيض قال يا برصيصا أتعرفني قال لا قال انا صاحبك الذي علمتك الدعوات فاستجيب لك ويحك ما اتقيت الله فى أمانتك خنت أهلها فانك زعمت انك اعبد بنى إسرائيل اما استحييت فلم يزل يعيره ثم قال فى اخر ذلك الم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك وفضحت نفسك وفضحت اشياهك من الناس فان مت على هذه الحالة فلم يفلح أحد من نظرايك قال فكيف اصنع قال تطيعنى فى خصلة واحدة حتى انجيك مما أنت فيه فاخذ باعينيهم واخرجك من مكانك قال وما هى قال تسجد لى قال افعل فسجد له فقال يا برصيصا هذا الذي أردت منك صار عاقبة أمرك الى ان كفرت