آيات من القرآن الكريم

لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ

قالوا لا إلّا أن نقطع لإخواننا المهاجرين مثلها». وروى البخاري عن أبي هريرة قال: «قالت الأنصار أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: لا. فقالوا أتكفونا المئونة ونشرككم في الثمرة قالوا سمعنا وأطعنا». وأورد ابن كثير حديثا جاء فيه:
«قال رسول الله ﷺ إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم فقالوا أموالنا قطائع بيننا وبينهم. فقال رسول الله ﷺ أو غير ذلك قالوا وما ذاك يا رسول الله قال هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسموهم الثمر فقالوا نعم يا رسول الله». ولقد آخى رسول الله ﷺ بين رجال المهاجرين وبين رجال من الأنصار فكان مما فعله الأنصار تجاه من آخاهم معهم النبي من المهاجرين أن قاسموهم بيوتهم وأشركوهم في أعمالهم وأموالهم حتى لقد طلّق بعضهم بعض زوجاته لييسر لأخيه المهاجر التزوّج بها على ما جاء في كتب السيرة والتفسير. وكل هذا بوادر مؤيدة لما وصف الله به الأنصار في قوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ.
وفي صدد الجملة وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ أورد ابن كثير حديثا عن أبي هريرة قال: «سمعت رسول الله ﷺ يقول لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم في جوف عبد أبدا. ولا يجتمع الشحّ والإيمان في قلب أبدا». وحديثا عن جابر بن عبد الله رواه مسلم أيضا قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظلم فإنّ الظلم ظلمات يوم القيامة واتّقوا الشحّ فإنّه أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلّوا محارمهم». وهكذا يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر كما هو في كل أمر.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١١ الى ١٧]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥)
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)

صفحة رقم 320

(١) جدر: جمع جدار والراجح أن الكلمة هنا بمعنى السور أو الحواجز الحجرية التي تكون حول الدور.
(٢) بأسهم بينهم شديد: عداوتهم فيما بينهم شديدة.
(٣) تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى: تظنهم في ظاهرهم متّحدين مع أن قلوبهم متخالفة متفرّقة.
تعليق على الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ... إلخ وما بعدها لغاية الآية [١٧]
في الآيات وصف لمشهد من مشاهد وقعة بني النضير وإجلائهم وموقف المنافقين حلفائهم في ذلك وحالة اليهود النفسية والاجتماعية:
١- فقد حاول المنافقون تشديد عزيمتهم ووعدوهم بعدم إطاعة أحد فيهم وبالقتال إذا قوتلوا وبالخروج معهم إذا أخرجوا. فاحتوت الآيات تكذيبا لهم فيما قالوه ووعدوا به، وقررت أنهم حتى لو قاتلوا معهم لولّوا الأدبار ولما انتصروا، وبأن مثلهم كمثل الشيطان الذي يزيّن للإنسان الكفر ثمّ يتخلّى عنه قائلا له إني بريء منك إني أخاف الله. وبأن عاقبة الفريقين النار خالدين فيها وهو جزاء الظالمين.
الجزء السابع من التفسير الحديث ٢١

صفحة رقم 321

٢- ولقد استولى الرعب على اليهود حينما حاصرهم النبي حتى صاروا يخافون المسلمين أكثر مما يخافون الله ولا يجرؤون على مواجهتهم في الحرب، وقصارى أمرهم أن يقاتلوا وهم متحصنون في قرارهم المحصنة أو من وراء جدرها وأسوارها. وإن عداوتهم لبعضهم شديدة وقلوبهم متفرقة وإن بدا في الظاهر أنهم مجتمعون متفقون. وأنهم في حالتهم هذه كحالة جماعة من قبلهم لم يلبثوا حين حوصروا أن خارت عزائمهم وذاقوا شرّ ما صنعوا.
والآيات تعقيب على ما كان في ظروف حادث بني النضير وموقف اليهود والمنافقين. بل المتبادر أن آيات السورة من مطلعها إلى آخر هذه الآيات قد نزلت بعد انتهاء الحادث تعقيبا عليه من جهة وتوضيحا لحالة اليهود والمنافقين من جهة، وتشريعا لما اقتضت حكمة التنزيل تشريعه من جهة، وتبريرا وتعليلا لكل ذلك من جهة في آن واحد. ويتبادر لنا أن بعض الأفعال التي جاءت في صيغة المضارع أو الاستقبال هي أسلوبية ولا تعني أن تكون الآيات قد نزلت قبل انتهاء الحادث.
ولقد قلنا قبل إن حلفاء بني النضير هم الخزرج أو قوم عبد الله بن أبي كبير المنافقين منهم. ولقد كان الجمهور الأكبر من الخزرج مخلصين مؤيدين للنبي ﷺ في موقفه من اليهود فكان في ذلك خذل وخزي لعبد الله بن أبي ومن تابعه من عشيرته في نفاقه وموقفه وصاروا كما حكت الآيات أعجز وأجبن من أن يفوا بوعودهم لليهود. وعاد تحريضهم وتثبيطهم على هؤلاء بخسارة أشدّ مما كان ينالهم لو لم يفعلوا.
أما ما أشير إليه تلميحا في الآية [١٥] من المثال القريب الذي حلّ في غيرهم فهو حادث إجلاء بني قينقاع على ما ذكره بعض المفسرين عزوا إلى ابن عباس وقد قال بعض آخر إنه مثل ما حلّ بالمشركين في بدر «١». والقول الأول هو الأرجح بقرينة ضمير قَبْلِهِمْ العائد لبني النضير والذي يعني حادثا لليهود ولأن المشركين عادوا فكرّوا على المسلمين وأخذوا ثأرهم في وقعة أحد. ولقد شرحنا

(١) انظر الطبري.

صفحة رقم 322

حادث إجلاء بني قينقاع في سياق تفسير سورة الأنفال فنكتفي بهذه الإشارة هنا إلى ذلك الحادث.
وقد قال بعض المفسرين إن جملة لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى إنها في صدد اليهود والمنافقين معا «١». وقال بعضهم هي في صدد اليهود فقط «٢». وهذا هو الأوجه فيما نرى ولذلك صرفناها إلى اليهود فقط، فاليهود فقط هم الذين كانوا يقيمون في قرى محصنة في ضاحية منعزلة عن مساكن العرب.
وفي الجملة تأييد لما شرحناه في سياق تفسير الآيات [٨٤- ٨٥] من سورة البقرة وهو أن اليهود في المدينة لم يكونوا كتلة متضامنة وأن بعضهم كانوا أعداء لبعض. ولقد نكّل النبي ببني قينقاع حينما أسفروا عن عدائهم وعدوانهم فلم يتحرك بنو النضير وبنو قريظة لنصرتهم. ثم نكّل ببني النضير فلم يتحرك بنو قريظة مما فيه تأييد آخر من الوقائع.
والآيات وإن تكن في معرض مشهد من مشاهد السيرة فإن فيها تلقينات جليلة تظل مستمد إلهام وقوة للمخلصين من المسلمين تجاه أعدائهم وتجاه المخامرين منهم مع الأعداء إذا هم كانوا أشداء أقوياء القلوب والعزائم والإيمان لأن الأعداء والمخامرين في هذه الحالة لن يلبثوا أن يخزوا ويخذلوا إزاء مثل هذا الموقف. وتظل كذلك مستمد إلهام في تقبيح مواقف المخامرين والمنافقين والمتضامنين بأي أسلوب مع الأعداء وفي عدم قبول أي عذر لهم قد يعتذرون به باسم الصداقة والواقع أو المصلحة أو المحالفة. لأن المصلحة العامة العليا هي التي يجب أن يكون لها الاعتبار الأول.
ولقد ساق المفسرون «٣» قصصا مختلفة الصيغ والأسماء متفقة المغزى مسبهة

(١) انظر الطبرسي.
(٢) انظر الطبري والبغوي وابن كثير.
(٣) انظر ابن كثير والبغوي والخازن.

صفحة رقم 323
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية