[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ٥ الى ٧]
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٥) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧)قوله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قد ذكرنا معنى المحادَّة في التوبة «١»، ومعنى «كُبتوا» في آل عمران عند قوله عزّ وجلّ: أَوْ يَكْبِتَهُمْ «٢»، وقال ابن عباس: أُخزوا يوم الخندق بالهزيمة كما أخزي الذين من قبلهم ممن قاتل الرّسل. قوله عزّ وجلّ: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً أي: من قبورهم فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من معاصيه، وتضييع فرائضه أَحْصاهُ اللَّهُ أي: حفظه الله عليهم وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالهم في السِّر والعلانية شَهِيدٌ. أَلَمْ تَرَ أي: ألم تعلم. قوله عزّ وجلّ: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ وقرأ أبو جعفر «ما تكون» بالتاء. قال ابن قتيبة: النجوى: السرار. وقال الزجاج: ما يكون من خلوة ثلاثة يسرِّون شيئاً، ويتناجَوْن به إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ أي: عالم به. و «نجوى» الزجاج: ما يكون من خلوة ثلاثة يسرِّون شيئاً، ويتناجَوْن به إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ أي: عالم به. و «نجوى» مشتق من النجوة، وهو ما ارتفع. وقرأ يعقوب «ولا أكثرُ» بالرفع. وقال الضحاك: «إلا هو معهم» أي:
علمه معهم.
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ٨ الى ١٠]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)
قوله عزّ وجلّ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى في سبب نزولها قولان:
(١٣٩٩) أحدهما: نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتناجَوْن فيما بينهم دون المؤمنين، وينظرون إلى المؤمنين، ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلا قد بلغهم عن أقربائنا وإِخواننا الذين خرجوا في السرايا، قتل أو موت، أو مصيبة، فيقع ذلك في قلوبهم، ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى تقدَّم أصحابهم. فلما طال ذلك وكثر، شكا المؤمنون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأمرهم أن لا يتناجَوْا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
__________
(١) التوبة: ٦٣.
(٢) آل عمران: ١٢٧.
والثاني: أنها نزلت في اليهود، قاله مجاهد «١».
(١٤٠٠) قال مقاتل: وكان بين اليهود وبين رسول الله موادعة، فإذا رأوا رجلاً من المسلمين وحده تناجَوْا بينهم فيظن المسلم أنهم يتناجَوْن بقتله أو بما يكره فيترك الطريق من المخافة، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا إليها، فنزلت هذه الآية. وقال ابن السائب: نزلت في المنافقين «٢». والنجوى: بمعنى المناجاة ثُمَّ يَعُودُونَ إلى المناجاة التي نهوا عنها وَيَتَناجَوْنَ قرأ حمزة، ويعقوب إلا زيداً، ورَوحاً «ويتنجَّون» وقرأ الباقون «ويتناجون» بألف. وفي معنى تناجيهم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وجهان: أحدهما: يتناجون بما يسوء المسلمين، فذلك الإثم والعدوان، ويوصي بعضهم بعضاً بمعصية الرّسول. والثاني: يتناجون بعد نهي الرسول لهم، ذلك هو الإثم والعدوان ومعصية الرسول.
قوله عزّ وجلّ: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ اختلفوا فيمن نزلت على قولين:
(١٤٠١) أحدهما: أنها نزلت في اليهود. قالت عائشة رضي الله عنها: جاء ناس من اليهود إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: مه يا عائشة، فإن الله لا يحب الفحش، ولا التفحش، فقلت: يا رسول الله، ترى ما يقولون؟
فقال: ألست ترين أردُّ عليهم ما يقولون، وأقول: وعليكم، قالت: فنزلت هذه الآية في ذلك. قال الزجاج: والسام: الموت.
والثاني: أنها نزلت في المنافقين، رواه عطية عن ابن عباس.
قال المفسرون: ومعنى «حيَّوك» سَلَّموا عليك بغير سلام الله عليك، وكانوا يقولون: السّام عليك. فإذا خرجوا يقولون في أنفسهم، أو يقول بعضهم لبعض: لو كان نبياً عذّبنا بقولنا له ما نقول.
قوله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فيها قولان: أحدهما: نزلت في المنافقين، فالمعنى: يا أيها الذين آمنوا بزعمهم، وهذا قول عطاء ومقاتل. والثاني: أنها في المؤمنين، والمعنى:
أنه نهاهم عن فعل المنافقين واليهود، وهذا مذهب جماعة، منهم الزّجّاج.
قوله عزّ وجلّ: فَلا تَتَناجَوْا هكذا قرأ الجماعة بألف. وقرأ يعقوب وحده «فلا تتنجَّوا». فأما «البِرُّ» فقال مقاتل: هو الطاعة، و «التقوى» ترك المعصية. وقال أبو سليمان الدّمشقي: «البرّ» الصدق،
صحيح. أخرجه البخاري ٦٤٠١ والبغوي في «شرح السنة» ٣٢٠٦ عن قتيبة بن سعيد به. وأخرجه البخاري ٢٩٣٥ و ٦٠٣٠ وفي «الأدب المفرد» ٣١١ من طريق أيوب عن ابن مليكة به. وأخرجه مسلم ٢١٦٥ ح ١١ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٢٦٢ من طريق مسروق عن عائشة به. وأخرجه البخاري ٦٠٢٤ و ٦٢٥٦ و ٦٣٩٥ ومسلم ٢١٦٥ والترمذي ٢٧٠١ وأحمد ٦/ ٣٧ و ١٩٩ وعبد الرزاق ١٩٤٦ وابن حبان ٦٤٤١ والبيهقي في «السنن» ٩/ ٢٠٣ وفي «الآداب» ٢٨٦ من طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة به.
__________
(١) انظر الأثر المتقدم.
(٢) عزاه المصنف لابن السائب الكلبي، وهو متروك متهم.
- وورد مختصرا في ذكر المنافقين فحسب، من مرسل قتادة، أخرجه الطبري ٣٧٧٠. [.....]