آيات من القرآن الكريم

لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

من إمساكها، وأطهر لقلوبهم من المعاصي والذنوب، فإن لم يجد الواحد ما يتصدق به، فإن الله غفور له، رحيم به.
٢- علم الله تعالى ضيق صدر كثير منهم عن إعطاء الصدقة في المستقبل، مع كثرة المسائل، لو دام الوجوب، فخفف الله عنهم، وأمر بمتابعة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله تعالى في فرائضه، ورسوله ﷺ في سننه، والله محيط بأعمال عباده ونياتهم.
حال المنافقين الذين يوالون غير المؤمنين
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ١٤ الى ١٩]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩)
الإعراب:
ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ جملة حالية من فاعل تَوَلَّوْا أو استئنافية، والمعنى واحد، ويصح جعلها صفة لقوم.
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً جَمِيعاً منصوب على الحال من الهاء والميم في يَبْعَثُهُمُ وهو عامل الحال.

صفحة رقم 49

البلاغة:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ استفهام يراد منه التعجيب. يَعْلَمُونَ ويَعْمَلُونَ جناس ناقص لتغير الرسم.
أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ وأُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ بينهما ما يسمى بالمقابلة.
أَلا الشَّيْطانُ عَلَيْهِمُ في الجملتين السابقتين، تأكيدات متنوعة تفيد التقبيح في الأولى، والتحلية في الثانية.
يَعْمَلُونَ، خالِدُونَ، الْكاذِبُونَ، الْخاسِرُونَ، توافق الفواصل في الحرف الأخير.
المفردات اللغوية:
أَلَمْ تَرَ تنظر أو أخبرني، وهو أسلوب يراد به التعجيب للمخاطب من حال هؤلاء المنافقين. الَّذِينَ تَوَلَّوْا والوا وودّوا وأحبوا، وهم المنافقون. قَوْماً هم اليهود. غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سخط. ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك. وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وهو ادعاء الإسلام وأنهم من المؤمنين. وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم كاذبون فيه أي في المحلوف عليه.
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً نوعا من العذاب متفاقما. إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من المعاصي التي تمرنوا عليها وأصروا على فعلها. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ أي التي حلفوا بها. جُنَّةً وقاية وسترا على أنفسهم من المؤاخذة. فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ صدوا بأيمانهم الناس عن دين الله بالتحريش والتثبيط. فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وعيد ثان بوصف أخر لعذابهم، وهو أنه ذو إهانة.
مِنَ اللَّهِ من عذابه. شَيْئاً من الإغناء. يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ أي اذكر لهم ذلك اليوم. فَيَحْلِفُونَ لَهُ أنهم مؤمنون. وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ من نفع حلفهم في الآخرة كالدنيا. اسْتَحْوَذَ استولى عليهم وأحاط بهم وغلب على عقولهم. حِزْبُ الشَّيْطانِ أعوانه وأتباعه وأنصاره.

صفحة رقم 50

سبب النزول:
نزول الآية (١٤) :
أَلَمْ تَرَ..:
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي ومقاتل في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً الآية، قال: بلغنا أنها نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق، كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله ﷺ في حجرة من حجره، إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبّار، وينظر بعيني شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فعلت، فانطلق، فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبّوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
نزول الآية (١٨) :
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ..:
أخرج أحمد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كان رسول الله ﷺ في ظل حجرة، وقد كاد الظل يتقلص، فقال: إنه سيأتيكم إنسان، فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاءكم، لا تكلموه، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له حين رآه: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فقال: ذرني آتك بهم، فانطلق، فدعاهم، فحلفوا له ما قالوا وما فعلوا، فأنزل الله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً، فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ الآية.
المناسبة:
بعد أمر المؤمنين بالصدقة قبل مناجاة النبي ﷺ تخفيفا عنه في طول مجالسته وكثرة التردد عليه، ذكر الله تعالى حال جماعة من المنافقين كانوا يتولون اليهود

صفحة رقم 51

ويودونهم، ويطلعونهم على أسرار المؤمنين، وهم في الواقع لا مع الكفار ولا مع المؤمنين، كما قال تعالى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ، لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء ٤/ ١٤٣].
وقد أنذرهم الله بالعذاب، وأبان بواعث أفعالهم واستيلاء الشيطان على عقولهم، فهم أتباع الشيطان وأنصاره.
التفسير والبيان:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ أي أخبرني عن حال هؤلاء المنافقين الذين تولوا اليهود ومالئوهم في الباطن، ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين، فموقفهم يستدعي التعجب، لذا سخط الله عليهم، وهم في الواقع، لا مع المؤمنين ولا مع اليهود، أي ليسوا في الحقيقة منكم أيها المؤمنون، ولا من الذين يوالونهم، وهم اليهود.
وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي واتخذوا الأيمان الكاذبة ستارا لهم، فهم يحلفون أنهم مسلمون، أو ما نقلوا الأخبار إلى اليهود، وهم يعلمون بطلان ما حلفوا عليه، وأنه كذب لا حقيقة له.
ثم أنذرهم تعالى بالعذاب الشديد، فقال:
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً، إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي هيأ الله لهم، وأرصد لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة، وهي موالاة الكافرين ونصحهم، ومعاداة المؤمنين وغشّهم، وساء ما فعلوا من الأعمال القبيحة في الزمان الماضي، مصرّين على سوء العمل.
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً، فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أي أظهروا الإيمان، وأبطنوا الكفر، واتقوا بالأيمان الكاذبة، واتخذوها وقاية وسترا

صفحة رقم 52

لدمائهم، فخدع بهم بعض الناس الذين لا يعرفون حقيقة أمرهم، وظنوا صدقهم، فحصل بهذا صدّ عن سبيل الله، بأن منعوا الناس عن الإسلام بسبب ما يصدر عنهم من التثبيط، وتهوين أمر المسلمين، وتضعيف شوكتهم، فلهم عذاب يلازمه الذل والهوان في نار جهنم بسبب أيمانهم الكاذبة بالله تعالى، وفي مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الحانثة.
ثم ذكر الله تعالى مدى إفلاسهم يوم القيامة، فقال:
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أي لن تفيدهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله، شيئا من الإفادة، وأولئك الموصوفون بهذه الصفات هم أهل النار، لا يفارقونها، وماكثون فيها، لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً، فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ أي اذكر لهم أيها النبي حين يبعثهم الله جميعا من قبورهم أحياء، ويحشرهم يوم القيامة عن آخرهم، فلا يغادر منهم أحدا، فيحلفون بالله عز وجل أنهم كانوا على الهدى والاستقامة، كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا، لأن من عاش على شيء مات عليه، وبعث عليه، ويظنون أن ذلك ينفعهم عند الله، كما كان ينفعهم عند الناس.
وهذا من شدة شقاوتهم، فإن الحقائق يوم القيامة قد انكشفت.
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ أي ويظنون في الآخرة أنهم بتلك الأيمان الكاذبة على شيء مما يجلب نفعا أو يدفع ضررا، كما كانوا يظنون ذلك في الدنيا، ألا إنهم بهذا التصور هم الكاذبون أشد الكذب فيما يحلفون عليه.
وحال هؤلاء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ

صفحة رقم 53

فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ، انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ
[الأنعام ٦/ ٢٣- ٢٤].
ثم ذكر الله تعالى سبب ضلالهم، فقال:
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ، فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ، أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ أي استولى عليهم وأحاط بهم وغلب على عقولهم، فتركوا أوامره والعمل بطاعاته، أولئك جنود الشيطان وأتباعه ورهطه، إلا إن أعوان الشيطان هم الخاسرون الهالكون، لأنهم باعوا الجنة بالنار، والهدى بالضلالة، وكذبوا على الله وعلى نبيه، وحلفوا الأيمان الفاجرة، فسوف يخسرون في الدنيا والآخرة، وليس العاقل من يقبل هذا ويرتضيه لنفسه.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- تحرم موادّة الكافرين أعداء المؤمنين، واطلاعهم على أسرار المسلمين، ومؤازرتهم ونصحهم.
٢- ليس المنافقون من اليهود ولا من المسلمين، بل هم مذبذبون بين ذلك، وكانوا يحملون أخبار المسلمين إليهم.
٣- لهؤلاء المنافقون عذاب شديد في جهنم، وهو الدّرك الأسفل من النار، وبئست الأعمال أعمالهم.
٤- اتخذ هؤلاء المنافقون أيمانهم جنّة أو ساترا ووقاية لهم من القتل، فلهم عذاب ذو إهانة في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار.

صفحة رقم 54
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية