آيات من القرآن الكريم

سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

توبيخ المشركين من كفار قريش وبيان جزاء المجرمين والمتقين
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٣ الى ٥٥]
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)
الإعراب:
أَمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ نَحْنُ: مبتدأ، جَمِيعٌ: خبره، ومُنْتَصِرٌ: خبر لمحذوف تقديره: أمرنا أو جمعنا.
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ كُلَّ: بالنصب بتقدير (خلقنا) وذلك يدل على العموم واشتمال الخلق على جميع الأشياء، ولا يجوز أن يكون (خلقنا) صفة شَيْءٍ لأن الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف. وتقرأ كُلَّ بالرفع على الابتداء، وخَلَقْناهُ: خبره، لكن لا يكون كُلَّ حينئذ متمحضا للعموم، لأن المعنى: إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر، فيحتمل أن يكون هاهنا ما ليس بمخلوق من الأشياء، بخلاف حالة النصب، فإنه لا يحتمل إلا العموم. وبِقَدَرٍ: حال من كُلَّ، أي مقدرا.
البلاغة:
أَكُفَّارُكُمْ أَمْ يَقُولُونَ الاستفهام إنكاري يقصد به النفي.
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ إطناب بتكرار لفظ الساعة لزيادة التخويف.

صفحة رقم 178

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ وإِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ بينهما ما يسمى بالمقابلة.
ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ المس مجاز مرسل عن الألم، وعلاقته السببية، فإن مسها سبب للألم، ويراد بالذوق الإحساس.
صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ بينهما طباق.
في أواخر الآيات كلها سجع غير متكلف له وقع وجرس وجمال في اللفظ.
المفردات اللغوية:
أَكُفَّارُكُمْ يا قريش. مِنْ أُولئِكُمْ المذكورين في القصص السابقة من قوم نوح إلى آل فرعون. بَراءَةٌ وثيقة مكتوبة بالنجاة من العذاب. الزُّبُرِ الكتب السماوية، جمع زبور، المعنى: أم أنزل لكم في الكتب السماوية أن من كفر منكم، فهو في أمان من العذاب. والاستفهام في الموضعين بمعنى النفي، أي ليس الأمر كما تزعمون أو تتصورون.
أَمْ يَقُولُونَ كفار قريش. نَحْنُ جَمِيعٌ جمع. مُنْتَصِرٌ على محمد، قال أبو جهل يوم بدر: إنا جمع منتصر، فنزلت الآية: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ يرجعون إلى الأدبار هاربين، فقد هزموا ببدر، ونصر رسول الله ﷺ عليهم، وهو من دلائل النبوة. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ بالعذاب الأصلي. وَالسَّاعَةُ أي وعذاب الساعة. أَدْهى أعظم وأشد بلية وداهية، والداهية: أمر فظيع لا يهتدى لعلاجه. وَأَمَرُّ أشد مرارة ومذاقا من عذاب الدنيا، والمراد: أصعب على النفس وأكثر شدة وهولا.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ الكفار والمشركين. فِي ضَلالٍ خطأ وبعد عن الحق. وَسُعُرٍ نيران مستعرة في الآخرة. يُسْحَبُونَ يجرّون على وجوههم. ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ أي يقال لهم: ذوقوا حر النار وألمها، فإن مسّها أي إصابتها سبب للتألم بها، وسَقَرَ اسم جهنم، ولذلك كان ممنوعا من الصرف. بِقَدَرٍ أي مقدّرا بمقدار معلوم مكتوب في اللوح قبل وقوعه.
أَمْرُنا شأننا، أو أمرنا بإيجاد الشيء الذي نريده. إِلَّا واحِدَةٌ أي كلمة واحدة، وهي قول (كن) فيوجد، أو فعلة واحدة، وهو الإيجاد بلا معاناة. كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أي في اليسر والسرعة. أَشْياعَكُمْ أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ متعظ، والاستفهام بمعنى الأمر، أي اذكروا واتعظوا. فِي الزُّبُرِ مكتوب في سجل أو كتب الحفظة.
مُسْتَطَرٌ مسطور أو مكتوب في اللوح المحفوظ.
فِي جَنَّاتٍ بساتين. وَنَهَرٍ أنهار، المراد به الجنس. وقرئ بضم النون وسكون الهاء كأسد وأسد. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ في مكان مرضي، أو في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم، والمراد

صفحة رقم 179

به أيضا الجنس، وقرئ: مقاعد أي في مجالس من الجنات سالمة من اللغو والتأثيم، بخلاف مجالس الدنيا، قل أن تسلم من ذلك. عِنْدَ مَلِيكٍ أي مقربين عند الله تعالى، ومَلِيكٍ صيغة مبالغة، أي عزيز الملك وواسع السلطان. مُقْتَدِرٍ قادر لا يعجزه شيء، وهو الله تعالى.
والعندية ليست عندية مكان، وإنما إشارة إلى الرتبة والقربة من فضل الله تعالى.
سبب النزول:
نزول الآية (٤٥) :
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ..: أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قالوا يوم بدر: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ، فنزلت: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ، وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ.
نزول الآية (٤٧) :
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ..: أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله ﷺ في القدر، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ إلى قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.
وروى ابن حبان عن أبي أمامة الباهلي قال: أشهد بالله لسمعت رسول الله ﷺ يقول: إن هذه الآية نزلت في القدرية «١» : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ، ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.
وذكر أبو بكر بن الحارث عن أبي زرارة الأنصاري: أن رسول الله ﷺ قرأ هذه الآية: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ.. ثم قال: أنزلت هذه الآية في أناس من آخر هذه الأمة يكذبون بقدر الله تعالى.

(١) القدرية: هم الذين يقولون: إن الإنسان يخلق أفعال نفسه.

صفحة رقم 180

المناسبة:
بعد بيان إهلاك بعض الأمم السابقة وهم قوم نوح وهود وصالح ولوط بسبب تكذيبهم الرسل، خاطب الله أهل مكة موبخا لهم بطريق الاستفهام الإنكاري، ليبين لهم أن ما أصاب غيرهم من العذاب والهوان سيصيبهم، لأن ما جرى على المثيل يجري على مثيله، إن استمروا على كفرهم، وأصروا على ضلالهم، وأنهم أيضا سيهزمون في الدنيا، وسيلقون في الآخرة عذابا أشد وأدهى.
ثم أبان الله تعالى نوع عذاب المجرمين أي المشركين في الآخرة، وأن كل شيء مخلوق لله سبحانه، وأن أمره تعالى سريع النفاذ بكلمة (كن) التكوينية، وختم السورة بذكر ثواب المتقين الأبرار.
التفسير والبيان:
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ أي أكفاركم يا مشركي قريش خير من الذين تقدم ذكرهم ممن أهلكوا بسبب تكذيبهم الرسل، وكفرهم بالكتب السماوية، أم معكم من الله براءة فيما أنزل من الكتب ألا ينالكم عذاب ولا نكال؟! والمعنى: ليس كفاركم يا أهل مكة، أو يا معشر العرب، خيرا من كفار من تقدمكم من الأمم الذين أهلكوا بسبب كفرهم، فلستم بأفضل منهم، حتى تكونوا بمأمن مما أصابهم من العذاب عند تكذيبهم لرسلهم، وليست لكم براءة من عذاب الله في شيء من كتب الأنبياء.
وهذا تهديد وتوبيخ لمن أصرّ على الكفر من مشركي العرب، فالمراد بعض العرب لا كلهم، فليس كفارهم خيرا ممن سبقهم، وهم قوم نوح وهود وصالح ولوط، بل هم مثلهم أو شر منهم.

صفحة رقم 181

أَمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ أي بل هم يقولون: نحن جماعة أو جمع كثير والعدد، شديد والقوة، ولنا النصر على الفئة القليلة المستضعفة من أعدائنا، فهم يعتقدون ويثقون أنهم يتناصرون مع بعضهم بعضا، وأن جمعهم يغني عنهم من أرادهم بسوء. والاستفهام: إنكاري، وإفراد المنتصر مع أن نَحْنُ ضمير الجمع، لأن المراد بالجميع كالجنس، لفظه لفظ واحد، ومعناه جمع فيه الكثرة.
فرد الله تعالى عليهم بقوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ أي سيتفرق جمع أو شمل كفار مكة أو كفار العرب على العموم ويغلبون، ويولون الأدبار هاربين منهزمين. وكان هذا دليلا من دلائل النبوة، فقد هزمهم الله يوم بدر، وولوا الأدبار، وقتل رؤساء الكفر وأساطين الشرك.
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ أي سيتفرق جمع أو شمل كفار مكة أو كفار العرب على العموم ويغلبون، ويولون الأدبار هاربين منهزمين. وكان هذا دليلا من دلائل النبوة، فقد هزمهم الله يوم بدر، وولوا الأدبار، وقتل رؤساء الكفر وأساطين الشرك.
عن أبي جهل: أنه ضرب فرسه يوم بدر، فتقدم في الصف، فقال: نحن ننصر اليوم من محمد وأصحابه، فنزلت: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ أي الأدبار.
وأخرج البخاري والنسائي عن ابن عباس: أن النبي ﷺ قال: وهو في قبّة له يوم بدر: «أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبدا» فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده، وقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربّك، فخرج وهو يثب في الدرع، وهو يقول: «سيهزم الجمع، ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم، والساعة أدهى وأمرّ».

صفحة رقم 182

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما نزلت: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قال عمر: أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ﷺ يثب في الدرع، وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ، وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فعرفت تأويلها يومئذ.
ثم بيّن الله تعالى أن الأمر غير مقتصر على انهزامهم وإدبارهم، بل الأمر أعظم منه، فإن الساعة موعدهم، وسيلقون في الآخرة عذابا أشد إن بقوا مصرين على الكفر، فقال:
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ أي بل إن القيامة موعد عذابهم الأخروي، وليس هذا العذاب الكائن في الدنيا بالقتل والأسر والقهر هو تمام ما وعدوا به من العذاب، وإنما هو مقدمة من مقدماته، وعذاب القيامة أعظم وأنكى، وأشد مرارة من عذاب الدنيا، كما أنه عذاب دائم خالد.
قال الرازي: هذا قول أكثر المفسرين، والظاهر أن الإنذار بالساعة لكل من تقدم، كأنه قال: أهلكنا الذين كفروا من قبلك، وأصرّوا، وقوم محمد ﷺ ليسوا بخير منهم، فيصيبهم ما أصابهم إن أصروا، ثم إن عذاب الدنيا ليس لإتمام المجازاة، فإتمام المجازاة بالأليم الدائم».
ثم أخبر الله تعالى عن نوع العذاب الأخروي، فقال:
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أي إن المشركين بالله الذين كذبوا رسله وكل كافر ومبتدع كافر ببدعته من سائر الفرق في حيرة وتخبط في الدنيا وبعد عن الحق والصراط المستقيم، وفي نيران مستعرة في جهنم يوم القيامة.

(١) تفسير الرازي: ٢٩/ ٦٨

صفحة رقم 183

وجاء إطلاق المجرمين على (المشركين) في قوله تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ [الرحمن ٥٥/ ٤١].
وأكثر المفسرين اتفقوا على أن هذه الآية نازلة في القدرية، روى الواحدي في تفسيره بإسناده عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله ﷺ في القدر، فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله: خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ «١».
وعن عائشة أن النبي ﷺ قال: «مجوس هذه الأمة: القدرية» «٢»
وهم المجرمون الذين سماهم الله في قوله: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ عن الحق في الدنيا وَسُعُرٍ وهو نيران في الآخرة.
وبيّن الإمام الرازي رحمه الله معنى القدرية الذين قال النبي ﷺ نزلت الآية فيهم، فذكر أن كل فريق في خلق الأعمال يذهب إلى أن القدري خصمه، فالجبري يقول: القدري من يقول: الطاعة والمعصية ليستا بخلق الله وقضائه وقدره، فهم قدرية، لأنهم ينكرون القدر. والمعتزلي يقول: القدري: هو الجبري الذي يقول حين يزني ويسرق: الله قدرني، فهو قدري لإثباته القدر، وهما جميعا يقولان لأهل السنة الذين يعترفون بخلق الله، وليس من العبد: إنه قدري.
والحق أن القدري الذي نزلت فيه الآية: هو الذي ينكر القدر، وينكر قدرة الله تعالى، ويقول بأن الحوادث كلها حادثة بالكواكب واتصالاتها، ويدل عليه قوله: جاء مشركو قريش يحاجون رسول الله ﷺ في القدر، فإن مذهبهم ذلك. وأما المراد من
قوله صلى الله عليه وسلم: «مجوس هذه الأمة هم القدرية»
فهم القدرية

(١) رواه مسلم والترمذي وابن ماجه.
(٢)
رواه ابن ماجه عن جابر بلفظ «إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله تعالى..»
وهو ضعيف.

صفحة رقم 184

في زمانه، وهم المشركون الذين أنكروا قدرة الله على الحوادث، فلا يدخل فيهم المعتزلة، ونسبتهم إلى هذه الأمة كنسبة المجوس إلى الأمة المتقدمة «١».
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ، ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ أي إن المجرمين الكفار يعذبون في النار، ويجرّون فيها على وجوههم للإهانة والإذلال، ويقال لهم تقريعا وتوبيخا: ذوقوا وقاسوا حرّ النار وآلامها وشدة عذابها.
ثم أبان الله تعالى أن كل ما يحدث في الكون، ومنه أفعال العباد كلهم، هو مخلوق لله، فقال:
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ أي إن كل شيء من الأشياء، وكل فعل من الأفعال في هذا الكون أو هذه الحياة خيرا كان أو شرا، مخلوق لله تعالى، مقدر محكم مرتّب على حسب ما اقتضته الحكمة، وعلى وفق ما هو مقدر مكتوب في اللوح، معلوم لله ثابت في سابق علم الله الأزلي، قبل وجوده أو كونه، يعلم حاله وزمانه. والقدر: التقدير.
ونظير الآية قوله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [الفرقان ٢٥/ ٢] وقوله سبحانه: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى [الأعلى ٨٧/ ١- ٣] أي قدر قدرا، وهدى الخلائق إليه.
وقد استدل أهل السنة بهذه الآية الكريمة على إثبات قدر الله السابق لخلقه:
وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته (أي تسجيله) لها قبل حدوثها.
أخرج الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل شيء بقدر، حتى العجز والكسل».
وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد ومسلم أيضا عن أبي هريرة: «استعن بالله، ولا تعجز، فإن أصابك أمر فقل:

(١) تفسير الرازي: ٢٩/ ٦٩- ٧٠

صفحة رقم 185

قدّر الله، وما شاء فعل، ولا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن: لو تفتح عمل الشيطان».
وأخرج أحمد والترمذي والحاكم عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال له: «يا غلام، إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفّت الصحف».
ومن المعلوم أن الكتابة لا تغني الجبر والفرض على العباد، والعلم السابق بالأشياء لا يدل على الإلزام، وإنما يدل على أن جميع ما في الكون معلوم سابقا لله تعالى.
ثم أوضح الله تعالى نفاذ مشيئته في خلقه، ونفاذ قدره فيهم، فقال:
وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أي إن أمرنا بإيجاد الأشياء إنما يكون مرة واحدة، لا حاجة فيه إلى تأكيد ثان، فيكون الذي نأمر به بكلمة واحدة حاصلا موجودا كلمح البصر في سرعته، لا يتأخر طرفة عين. ولمح البصر: إغماض البصر، ثم فتحه. وهذا تمثيل وتقريب لسرعة نفاذ المشيئة في إيجاد الأشياء، فهو كلمح البصر أو أقرب، كما قال تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ [يس ٣٦/ ٨٢].
ثم أعاد تعالى التنبيه للحق والاتعاظ بهلاك السابقين، فقال:
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟ أي وتالله لقد أهلكنا أمثالكم وأشباهكم في الكفر يا معشر قريش، من الأمم السابقة المكذبين بالرسل، فهل

صفحة رقم 186

من متعظ بما أخزى الله أولئك، وقدر لهم من العذاب، وهل من يتذكر ويتعظ بالمواعظ، ويعلم أن ذلك حق، فيخاف العقوبة التي حلت بالأمم السابقة؟
وهذا كما قال تعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ [سبأ ٣٤/ ٥٤].
وأتبع ذلك الإخبار عن إحصاء جميع أعمالهم ورقابة الله عليهم، فقال:
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ أي إن جميع ما فعلته وتفعله الأمم والشعوب والأفراد من خير أو شر مكتوب في اللوح المحفوظ، وفي كتب (أو سجلات) الملائكة الحفظة، وما من شيء من أعمال الخلق وأقوالهم وأفعالهم إلا وهو مسطور في اللوح المحفوظ، وفي دواوين الملائكة وصحائفهم، صغيرة وكبيرة، وجليلة وحقيرة، كما قال تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق ٥٠/ ١٨].
أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن عائشة أن رسول الله ﷺ كان يقول: «يا عائشة، إياك ومحقّرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا».
ثم ذكر الله تعالى نوع جزاء المؤمنين المتقين لمقارنته بجزاء الكافرين، ومقابلة الثواب بالعقاب وبالعكس، فقال:
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ أي إن المتقين، بعكس ما يكون الأشقياء فيه من النار والسحب على الوجوه فيها، مع التوبيخ والتقريع والتهديد، هم في بساتين غنّاء مختلفة، وجنان متنوعة، وأنهار متدفقة بمختلف أنواع الأشربة من ماء وعسل ولبن وخمر غير مسكرة، وفي الجنة دار كرامة الله ورضوانه وفضله وامتنانه، وفي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم، وفي منزلة وكرامة عند ربهم القادر على ما يشاء، والذي لا يعجزه شيء، فهو

صفحة رقم 187

الملك العظيم، الخالق للأشياء كلها ومقدّرها، والمقتدر على ما يشاء، مما يطلبون ويريدون.
أخرج أحمد ومسلم والنسائي عن عبد الله بن عمرو، يبلغ به النبي ﷺ قال: «المقسطون عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا».
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- كل من ارتكب جرما وعوقب بعقاب معين، فإن ذلك العقاب مستحق لأمثال أولئك المجرمين، فليس كفار العرب أو قريش خيرا من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم، وليس لهم صك براءة أو وثيقة بالسلامة من العقوبة في الكتب المنزلة على الأنبياء.
٢- زعم كفار قريش أنهم منتصرون على المؤمنين بسبب كثرة عددهم وقوتهم، وضعف المسلمين وقلتهم، غير أن موازين القوى البشرية تختل في ميزان القدرة والحكمة والتوفيق الإلهي: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة ٢/ ٢٤٩].
لذا قال تعالى هنا: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ أي سيهزم جمع كفار مكة، وقد كان ذلك يوم بدر وغيره. وهذا من دلائل صدق النبوة، قال ابن عباس: كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين. فالآية على هذا مكية، بل والسورة كلها مكية كما تقدم. أخرج البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: لقد أنزل على محمد ﷺ بمكة، وإني لجارية ألعب: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ. وقد تقدم حديث ابن عباس وقصة أبي بكر يوم بدر.

صفحة رقم 188

٣- إن تعذيب الكفار لا يقتصر على الدنيا بالقتل والأسر والهزيمة والذل والهوان، وإنما لهم عذاب آخر في الآخرة أشد وأعظم، وأدهى وأمرّ، وأدوم وأخلد..
٤- إن الكفار والمشركين في حيدة عن الحق واحتراق في نار جهنم، ويجرّون على وجوههم في النار بقصد الإذلال والإهانة.
٥- الله تعالى خالق كل شيء وخالق أفعال العباد كلها دون جبر ولا إكراه عليها: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [الصافات ٣٧/ ٩٦] وقوله تعالى هنا: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فالله قادر، غير أنه لم يجبر أحدا على ما يفعله بل تركه لاختياره وحريته.
ويعد المشركون قدرية لإثباتهم القدرة على الحوادث لغير الله من الكواكب، وطائفة القدرية من المسلمين يوصفون بهذا الوصف لقولهم: لا قدرة لله على تحريك العبد بحركة، كالصلاة والزنا، وإنما العبد يخلق أفعال نفسه.
قال القرطبي: والذي عليه أهل السنة: أن الله سبحانه قدّر الأشياء، أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه، فلا يحدث حدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى بقدرته وتوفيقه وإلهامه، سبحانه لا إله إلا هو، ولا خالق غيره، كما نص عليه القرآن والسنة، لا كما قالت القدرية وغيرهم من أن الأعمال إلينا، والآجال بيد غيرنا.
قال أبو ذرّ رضي الله عنه: قدم وفد نجران على رسول الله ﷺ فقالوا: الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا، فنزلت هذه الآيات إلى قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فقالوا: يا محمد يكتب علينا الذنب

صفحة رقم 189

ويعذبنا؟ فقال: «أنتم خصماء الله يوم القيامة» «١».
٦- إن نفاذ أمر الله في خلقه سريع أسرع من لمح البصر، وما هي إلا كلمة واحدة، وهو قوله للأمر: «كن».
٧- كرر الله تعالى تحذيره وتوبيخه للمشركين، ونبّههم إلى أنه أهلك أشباههم في الكفر من الأمم الخالية، فهل من يتذكر؟! ٨- جميع ما فعلته الأمم قبل المشركين وجميع ما تفعله بعدهم من خير أو شر كان مكتوبا عليهم في اللوح المحفوظ أو في كتب الحفظة، وكل ذنب صغير أو كبير مكتوب على عامله قبل أن يفعله ليجازى به، ومكتوب إذا فعله، ومكتوب على الكفار إهلاكهم العاجل في الدنيا، وعذابهم الآجل المعد لهم في الآخرة على ما فعلوه، ومكتوب ما يفعله غيرهم.
٩- وصف الله المؤمنين بعد وصف الكفار للمقارنة والموازنة والترغيب والترهيب، فالمؤمنون الأتقياء في جنان الخلد التي تجري أنهار الماء والخمر والعسل واللبن من تحت قصورهم، وهم في كرامة ومنزلة عند ربهم المالك القادر على ما يشاء، في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم، وهو الجنة.
والعندية هنا كما تقدم: عندية القربة والزلفى والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة.

(١) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٤٨

صفحة رقم 190

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الرّحمن جلّ ذكره
مكيّة أو: مدنيّة، وهي ثمان وسبعون آية.
مكيتها:
سورة الرحمن: في رأي ابن مسعود ومقاتل: مدنية كلها، وقد كتب في بعض المصاحف أنها مدنية، والأصح كما ذكر القرطبي وابن كثير والجمهور أنها مكية كلها، وهو قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس: إلا آية منها هي قوله تعالى: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآية. وهي ثمان وسبعون (٧٨) آية. وعدها بعضهم (٧٦) آية.
ودليل الجمهور والرأي الأصح: ما روى عروة بن الزبير قال: أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي ﷺ ابن مسعود، وذلك أن الصحابة قالوا: ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قطّ، فمن رجل يسمعوه؟ فقال ابن مسعود: أنا، فقالوا: إنا نخشى عليك، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه، فأبى، ثم قام عند المقام، فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ ثم تمادى رافعا بها صوته، وقريش في أنديتها، فتأملوا وقالوا: ما يقول ابن أمّ عبد؟ قالوا:
هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه، ثم ضربوه، حتى أثّروا في وجهه. وصح أن النبي ﷺ قام يصلّي الصبح بنخلة، فقرأ سورة (الرحمن) ومرّ النفر من الجن، فآمنوا به.

صفحة رقم 191

وفي الترمذي عن جابر قال: خرج رسول الله ﷺ على أصحابه، فقرأ عليهم سورة (الرحمن) من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: «لقد قرأتها على الجنّ ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله:
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: لا بشيء من نعمك ربّنا نكذب، فلك الحمد»
«١».
وفي هذا دليل على أنها مكية.
تسميتها:
سميت سورة الرحمن، لافتتاحها باسم من أسماء الله الحسنى وهو (الرحمن) وهو اسم مبالغة من الرحمة، وهو أشد مبالغة من (الرحيم) وهو المنعم بجلائل النّعم ولجميع الخلق، أما الرحيم: فهو المنعم بدقائق النعم، والخاص بالمؤمنين.
قال الإمام الطبري: الرحمن: لجميع الخلق، والرحيم: بالمؤمنين.
وتسمى أيضا في حديث أخرجه البيهقي عن علي كرم الله وجهه مرفوعا (عروس القرآن).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء عروس، وعروس القرآن: سورة الرحمن».
مناسبتها لما قبلها:
تظهر صلة هذه السورة بما قبلها من وجوه:
١- هذه السورة بأسرها شرح وتفصيل لآخر السورة التي قبلها، ففي سورة القمر بيان إجمالي لأوصاف مرارة الساعة وأهوال النار وعذاب المجرمين، وثواب المتقين ووصف الجنة وأهلها، وفي هذه السورة تفصيل على الترتيب الوارد في الإجمال وعلى النحو المذكور من وصف القيامة والنار والجنة.
٢- ذكر الله تعالى في السورة السابقة أنواع النقم التي حلت بالأمم السابقة

(١) قال الترمذي: هذا حديث غريب.

صفحة رقم 192

قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون، وهنا ذكر أنواع الآلاء والنعم الدينية والدنيوية في الأنفس والآفاق على الناس جميعا. وافتتح السورة السابقة بما يدل على العزة والجبروت والهيبة وهو انشقاق القمر، وافتتح هذه السورة بما يدل على الرحمة والرحموت وهو إنزال القرآن.
٣- ختمت السورة السابقة ببيان صفتين لله عز وجل يدلان على الهيبة والرهبة والعظمة وهما (المليك المقتدر) أي ملك عظيم الملك، قادر عظيم القدرة، وابتدئت هذه السورة بصفة أخرى بجوار ذلك وهي صفة (الرحمن) وبيان مظاهر رحمته وفضله ونعمه على الإنسان وفي الكون كله سمائه وأرضه، فهو سبحانه عزيز شديد مقتدر بالنسبة إلى الكفار والفجار، رحمن منعم غافر للأبرار.
ما اشتملت عليه السورة:
سورة الرحمن كسائر السور المكية المتميزة بقصر آياتها، وشدة تأثيرها ووقعها، ومزيد رهبتها، والمتعلقة بأصول الاعتقاد وهي التوحيد وأدلة القدرة الإلهية، والنبوة والوحي، والقيامة وما فيها من جنة ونار، وآلاء ونعم، وشدائد وأهوال.
عدّد الله تعالى في مطلع السورة آلاءه ونعمه العظمى، وأولها نعمة الدين والوحي، وإنزال القرآن وتعليمه عباده به، فهو النعمة الكبرى، وسنام الكتب السماوية ومصداقها. ثم أتبعه ببيان خلق الإنسان ليعلم أنه إنما خلقه للدين، والإفادة من الوحي وكتاب الله، ثم ذكر ما تميز به عن سائر الحيوان من البيان:
وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير.
ثم أحصى الله تعالى أصول النعم الظاهرة الكبرى في الكون من الشمس والقمر، والنجم (النبات) والشجر، والسماء القائمة على التوازن الدقيق،

صفحة رقم 193
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية