
تفسير سورة «القمر»
وهي مكّيّة بإجماع إلّا آية واحدة، قوله:
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ | الآية. ففيها خلاف، والجمهور أنّها أيضا مكية. |
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤)حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)
قوله سبحانه: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ معناه: قربت الساعة، وهي القيامة، وأمرها مجهول التحديد، وكل ما يُرْوَى في عمر الدنيا من التحديد فضعيف.
وقوله: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ إخبار عمَّا وقع وذلك أَنَّ قريشاً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم/ آيةً فَأَرَاهُمُ اللَّهُ انشقاق الْقَمَرِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالكُفَّارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: اشهدوا «١».
وفي الباب عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه نحوه، أخرجه البخاري (٧/ ٢٢١)، كتاب «مناقب الأنصار» باب: انشقاق القمر (٣٨٦٨)، (٨/ ٤٨٤) كتاب «التفسير» باب: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا (٤٨٦٧- ٤٨٦٨).
ومسلم (٤/ ٢١٥٩) كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم باب: انشقاق القمر (٤٦- ٤٧/ ٢٨٠٢).
وفي «الصحيحين» نحوه عن عبد الله بن عبّاس: أخرجه البخاري (٨/ ٤٨٤)، كتاب «التفسير» باب:
وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا (٤٨٦٦)، ومسلم (٤/ ٢١٥٩)، كتاب «صفات المنافقين وأحكامهم» باب: وانشقاق القمر (٤٨/ ٢٨٠٣).

وقوله: وَإِنْ يَرَوْا: جاء اللفظ مستقبلاً، لينتظمَ ما مضى وما يأتي، فهو إخبار بأنَّ حالهم هكذا.
وقوله: مُسْتَمِرٌّ: قال الزَّجَّاجُ: قيل معناه: دائم متمادٍ، وقال قتادة وغيره «١» :
معناه: مارٌّ ذاهب عن قريب يزول، ثم قال سبحانه على جهة جزم الخبر: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ كأَنَّه يقول: وكل شيء إِلى غاية عنده سبحانه، ومُزْدَجَرٌ معناه: موضع زجر.
وقوله: فَما تُغْنِ النُّذُرُ: يحتمل أنْ تكون «ما» نافية، ويحتمل أنْ تكون استفهاميَّة.
ثم سَلَّى سبحانه نِبِيَّه ع بقوله: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي: لا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ، وتَمَّ القولُ في قوله: عَنْهُمْ ثم ابتدأ وعيدَهم بقوله: يَوْمَ والعامل في [يَوْمَ] قوله يَخْرُجُونَ وقال الرُّمَّانِيُّ: المعنى: فتولّ عنهم، واذكر يوم «٢»، وقال الحسن: المعنى: فتَولَّ عنهم إلى يوم «٣».
وقرأ الجمهور «٤» :«نُكُرِ» - بضم الكاف- قال الخليل: النُكُر: نعت للأمر الشديد والرجل الداهية، وخَصَّ الأبصارَ بالخشوع، لأَنَّهُ فيها أظهرُ منه في سائر الجوارح، وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء أَو صلف أو خوف ونحوه إنّما يظهر في الأبصار، والْأَجْداثِ: جمع جَدَثٍ وهو القبر، وشَبَّهَهُمْ سبحانه بالجراد المنتشر، وقد شبههم سبحانه في آية أخرى بالفراش المبثوث، وفيهم من كل هذا شَبَهٌ، وذهب بعض المفسرين إلى أَنَّهم أَوَّلاً كالفراش حين يَمُوجُ بعضُهم في بعض ثم في رتبة أُخرى كالجراد إذا توجَّهُوا نحو المَحْشَرِ والداعي، والمُهْطِعُ: المُسْرِعُ في مشيه نحو الشيء مع هَزٍّ ورَهَقٍ ومَدِّ بَصَرٍ نحو المَقْصِدِ، إِمَّا لخوف، / أو طمع ونحوه قال أبو حيان «٥» : مُهْطِعِينَ أي:
مسرعين، وقيل: فاتحين آذانهم للصوت، انتهى.
ويَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته.
(٢) ذكره ابن عطية (٥/ ٢١٢).
(٣) ذكره ابن عطية (٥/ ٢١٢).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢١٢)، و «البحر المحيط» (٨/ ١٧٣)، و «الدر المصون» (٦/ ٢٢٢).
(٥) ينظر: «البحر المحيط» (٨/ ١٧٤).