آيات من القرآن الكريم

وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ
ﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢ ﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪ

وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا كَقَوْلِهِ: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الْمُلْكِ: ٢] وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى كَقَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى؟ [القيامة: ٣٦- ٤٠].
وقوله تعالى: وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى أَيْ كَمَا خَلَقَ الْبَدَاءَةَ هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ وَهِيَ النَّشْأَةُ الْآخِرَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى أَيْ مَلَّكَ عِبَادَهُ الْمَالَ وَجَعَلَهُ لَهُمْ قُنْيَةً مُقِيمًا عِنْدَهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى بَيْعِهِ، فَهَذَا تَمَامُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا يَدُورُ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنْهُمْ أَبُو صَالِحٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمَا، وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَغْنى مَوَّلَ وَأَقْنى أَخْدَمَ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا أَغْنى أَعْطَى وَأَقْنى رَضَّى.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَغْنَى نَفْسَهُ وَأَفْقَرَ الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ، قَالَهُ الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لَاحِقٍ، وَقِيلَ: أَغْنى مَنْ شَاءَ من خلقه، وَأَقْنى أي أَفْقَرَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، حَكَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ وَهُمَا بَعِيدَانِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ. وَقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ: هُوَ هَذَا النَّجْمُ الْوَقَّادُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ (مِرْزَمُ الْجَوْزَاءِ) كَانَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَهُ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى وَهُمْ قَوْمُ هُودٍ وَيُقَالُ لَهُمْ عَادُ بْنُ إِرَمَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ [الْفَجْرِ: ٦- ٨] فَكَانُوا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ وَأَقْوَاهُمْ وَأَعْتَاهُمْ عَلَى الله تعالى وَعَلَى رَسُولِهِ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً [الحاقة: ٦- ٧] أي متتابعة.
وقوله تعالى: وَثَمُودَ فَما أَبْقى أَيْ دَمَّرَهُمْ فَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ أَيْ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى أَيْ أَشَدُّ تَمَرُّدًا مِنَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى يَعْنِي مَدَائِنَ لُوطٍ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، وَلِهَذَا قَالَ: فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى يَعْنِي مِنَ الْحِجَارَةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا عَلَيْهِمْ وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [الشُّعَرَاءِ: ١٧٣] قَالَ قَتَادَةُ، كَانَ فِي مَدَائِنِ لُوطٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، فَانْضَرَمَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي شَيْئًا فشيئا من نار ونفط وقطران كفم الأتون. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ خُلَيْدٍ عَنْهُ بِهِ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى أَيْ فَفِي أَيِّ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ تَمْتَرِي؟ قَالَهُ قَتَادَةُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى يَا مُحَمَّدُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وهو اختيار ابن جرير «١».
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٦ الى ٦٢]
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠)
وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)

(١) تفسير الطبري ١١/ ٥٤٠. [.....]

صفحة رقم 433

هَذَا نَذِيرٌ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى أَيْ مِنْ جِنْسِهِمْ أُرْسِلَ كَمَا أُرْسِلُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الْأَحْقَافِ: ٩] أَزِفَتِ الْآزِفَةُ أَيِ اقْتَرَبَتِ الْقَرِيبَةُ وَهِيَ الْقِيَامَةُ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ أَيْ لَا يَدْفَعُهَا إِذًا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَا يطلع على علمها سواه، والنذير الْحَذَرُ لِمَا يُعَايِنُ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي يُخْشَى وُقُوعُهُ فِيمَنْ أَنْذَرَهُمْ كَمَا قَالَ: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ [سَبَأٍ: ٤٦] وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ» «١» أَيِ الَّذِي أَعْجَلَهُ شِدَّةُ مَا عَايَنَ مِنَ الشَّرِّ عَنْ أَنْ يَلْبَسَ عَلَيْهِ شَيْئًا، بَلْ بَادَرَ إِلَى إِنْذَارِ قَوْمِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ عُرْيَانًا مسرعا، وهو مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ أَيِ اقْتَرَبَتِ الْقَرِيبَةُ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ السورة التي بعدها: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ.
وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنِي أبو حاتم لَا أَعْلَمُ إِلَّا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذنوب كمثل قوم نزلوا ببطن وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حتى أنضجوا خبرتهم، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ».
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو نضرة: لَا أَعْلَمُ إِلَّا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:
«مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ» وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ ثُمَّ قَالَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَمَثَلِ فَرَسَيْ رِهَانٍ» ثُمَّ قَالَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ طَلِيعَةً، فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُسْبَقَ أَلَاحَ بِثَوْبِهِ أُتِيتُمْ أُتِيتُمْ» ثُمَّ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا ذَلِكَ» وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ مِنْ صِحَاحٍ وَحِسَانٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي اسْتِمَاعِهِمُ الْقُرْآنَ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ وَتَلَهِّيهِمْ تَعْجَبُونَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَتَضْحَكُونَ مِنْهُ اسْتِهْزَاءً وَسُخْرِيَةً وَلا تَبْكُونَ أَيْ كَمَا يَفْعَلُ الْمُوقِنُونَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الْإِسْرَاءِ:
١٠٩].
وَقَوْلُهُ تعالى: وَأَنْتُمْ سامِدُونَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْغِنَاءُ هِيَ يَمَانِيَّةٌ اسْمِدْ لَنَا غَنِّ لَنَا، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سامِدُونَ مُعْرِضُونَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ، وَقَالَ الْحَسَنُ غَافِلُونَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تستكبرون، وبه يقول السدي، ثم قال تعالى آمِرًا لِعِبَادِهِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْعِبَادَةِ الْمُتَابِعَةِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا أي

(١) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٢٦، والاعتصام باب ٢، ومسلم في الفضائل حديث ١٦.
(٢) المسند ١/ ٤٠٢، ٥/ ٣٣١، ٦/ ٧٠.

صفحة رقم 434
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية