آيات من القرآن الكريم

وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ
ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲ

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّهُ

صفحة رقم 547

خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأخْرَى (٤٧) }
يقول تعالى ذكره: وأنه هو أمات من مات من خلقه، وهو أحيا من حَيا منهم. وعنى بقوله (أَحْيَا) نفخ الروح في النطفة الميتة، فجعلها حية بتصييره الروح فيها.
وقوله (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) يقول تعالى ذكره: وأنه ابتدع إنشاء الزوجين الذكر والأنثى، وجعلهما زوجين، لأن الذكر زوج الأنثى، والأنثى له زوج فهما زوجان، يكون كلّ واحد منهما زوجا للآخر.
وقوله (مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) و "من" من صلة خلق. يقول تعالى ذكره: خلق ذلك من نطفة إذا أمناه الرجل والمرأة.
وقوله (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأخْرَى) يقول تعالى ذكره: وأن على ربك يا محمد أن يخلق هذين الزوجين بعد مماتهم، وبلاهم في قبورهم الخلق الآخر، وذلك إعادتهم أحياء خلقًا جديدا، كما كانوا قبل مماتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (٤٩) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولَى (٥٠) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (٥١) ﴾
يقول تعالى ذكره: وأن ربك هو أغنى من أغنى من خلقه بالمال وأقناه، فجعل له قنية أصول أموال.
واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم بالذي قلنا في ذلك.

صفحة رقم 548

* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة الأسديّ، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن السديّ، عن أبي صالح، قوله: (أَغْنَى وَأَقْنَى) قال: أغنى المال وأقنى القنية.
وقال آخرون: عُنِي بقوله: (أَغْنَى) : أخدم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) قال: أغنى: مَوَّل، وأقنى: أخدم.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، قوله: (أَغْنَى وَأَقْنَى) قال: أخدم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (أَغْنَى وَأَقْنَى) قال: أغنى وأخدم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (أَغْنَى وَأَقْنَى) قال: أعطى وأرضى وأخدم.
وقال آخرون: بل عُني بذلك أنه أغنى من المال واقنى: رضي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) قال: فإنه أغنى وأرضى.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) قال: أغنى موّل، وأقنى: رضّى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال:: ثنا عيسى;

صفحة رقم 549

وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (أَغْنَى) قَال: موّل (وَأَقْنَى) قَال: رضي.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) يقول: أعطاه وأرضاه.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثل حديث ابن بشار، عن عبد الرحمن، عن سفيان.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أنه أغنى نفسه، وأفقر خلقه إليه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) قال: زعم حضرميّ أنه ذكر له أنه أغنى نفسه، وأفقر الخلائق إليه.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أنه أغنى من شاء من خلقه، وأفقر من شاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) قال: أغنى فأكثر، وأقنى أقلّ، وقرأ (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ).
وقوله: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) يقول تعالى ذكره: وأن ربك يا محمد هو ربّ الشِّعْرَي، يعني بالشعرى: النجم الذي يسمى هذا الأسم، وهو نجم كان بعض أهل الجاهلية يعبده من دون الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

صفحة رقم 550

* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) قال: هو الكوكب الذي يدعى الشعرى.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، في قوله: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) قال: الكوكب الذي خَلْف الجوزاء، كانوا يعبدونه.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) قال: كان يُعبد في الجاهلية.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (رَبُّ الشِّعْرَى) قال: مرزم الجوزاء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) كان حيّ من العرب يعبدون الشِّعْرَى هذا النجم الذي رأيتم، قال بشر، قال: يريد النجم الذي يتبع الجوزاء.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (رَبُّ الشِّعْرَى) قال: كان ناس في الجاهلية يعبدون هذا النجم الذي الذي يُقال له الشِّعْرَى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) كانت تُعبد في الجاهلية، فقال: تعبدون هذه وتتركون ربها؟ اعبدوا ربها. قال: والشِّعْرَى: النجم الوقاد الذي يتبع الجوزاء، يقال له المرزم.
وقوله: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولَى) يعني تعالى ذكره بعاد الأولى: عاد بن

صفحة رقم 551

إرم بن عوص بن سام بن نوح، وهم الذين أهلكهم الله بريح صرصر عاتية، وإياهم عنى بقوله (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ) واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة وبعض قرّاء البصرة "عادًا لُولى" بترك الهمز وجزم النون حتى صارت اللام في الأولى، كأنها لام مثقلة، والعرب تفعل ذلك في مثل هذا، حُكي عنها سماعا منهم: " قم لان عنا"، يريد: قم الآن، جزموا الميم لما حرّكت اللام التي مع الألف في الآن، وكذلك تقول: صم اثنين، يريدون: صُم الاثنين. وأما عامة قرّاء الكوفة وبعض المكيين، فإنهم قرأوا ذلك بإظهار النون وكسرها، وهمز الأولى على اختلاف في ذلك عن الأعمش، فروى أصحابه عنه غير القاسم بن معن موافقة أهل بلده في ذلك. وأما القاسم بن معن فحكى عنه عن الأعمش أنه وافق في قراءته ذلك قراء المدنيين.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما ذكرنا من قراءة الكوفيين، لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب، وأن قراءة من كان من أهل السليقة فعلى البيان والتفخيم، وأن الإدغام في مثل هذا الحرف وترك البيان إنما يوسع فيه لمن كان ذلك سجيته وطبعه من أهل البوادي. فأما المولدون فإن حكمهم أن يتحرّوا أفصح القراءات وأعذبها وأثبتها، وإن كانت الأخرى جائزة غير مردودة.
وإنما قيل لعاد بن إرم: عاد الأولى، لأن بني لُقَيم بن هزَّال بن هزل بن عَبِيل بن ضِدّ بن عاد الأكبر، كانوا أيام أرسل الله على عاد الأكبر عذابه سكانا بمكة مع إخوانهم من العمالقة، ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، ولم يكونوا مع قومهم من عاد بأرضهم، فلم يصبهم من العذاب ما أصاب قومهم، وهم عاد الآخرة، ثم هلكوا بعد.
وكان هلاك عاد الآخرة ببغي بعضهم على بعض، فتفانوا بالقتل فيما حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق، فيما ذكرنا قيل لعاد الأكبر الذي أهلك الله ذرّيته بالريح: عاد الأولى، لأنها أُهلكت قبل عاد الآخرة. وكان ابن

صفحة رقم 552
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية