آيات من القرآن الكريم

وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ
ﭡﭢﭣﭤ

الْأُولَى الَّتِي يَتَضَمَّنُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [النَّجْم: ٤٥]. وَهَذِهِ الْمُقَابَلَةُ هِيَ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذِهِ النَّشْأَةِ الْأُخْرَى.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ النَّشْأَةَ بِوَزْنِ الْفَعْلَةِ وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرِ أَنْشَأَ، وَلَيْسَ مَصْدَرًا، إِذْ لَيْسَ نَشَأَ الْمُجَرَّدَ بِمُتَعَدٍّ وَإِنَّمَا يُقَالُ: أَنْشَأَ.
وَقَرَأَهَا ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ النَّشَاءَةَ بِأَلِفٍ بَعْدَ الشِّينِ الْمَفْتُوحَةِ بِوَزْنِ الْفَعَالَةِ وَهُوَ مِنْ أَوْزَانِ الْمَصَادِرِ لَكِنَّهُ مَقِيسٌ فِي مَصْدَرِ الْفِعْلِ الْمَضْمُومِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي نَحْوِ الْجَزَالَةِ وَالْفَصَاحَةِ. وَلِذَلِكَ فَالنَّشَاءَةُ بِالْمَدِّ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ مِثْلُ الْكَآبَةِ. وَلَعَلَّ مَدَّتَهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِشْبَاعِ مِثْلِ قَوْلِ عَنْتَرَةَ:
يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ أَيْ: يَنْبَعُ.
وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى اسْمِ أَنَّ لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّحْقِيقِ الَّذِي أَفَادَتْهُ (عَلَى) تَنْبِيهًا عَلَى زِيَادَةِ تَحْقِيقِهِ بَعْدَ أَنْ حُقِّقَ بِمَا فِي (أَنَّ) من التوكيد.
[٤٨]
[سُورَة النَّجْم (٥٣) : آيَة ٤٨]
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨)
وَمَعْنَى أَغْنى جَعَلَ غَنِيًّا، أَيْ أَعْطَى مَا بِهِ الْغِنَى، وَالْغِنَى التَّمَكُّنُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِمَا يُحِبُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى أَقْنى ضِدُّ مَعْنَى أَغْنى رَعْيًا لِنَظَائِرِهِ الَّتِي زَاوَجَتْ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: أَضْحَكَ وَأَبْكى [النَّجْم: ٤٣] وأَماتَ وَأَحْيا [النَّجْم: ٤٤]، والذَّكَرَ وَالْأُنْثى [النَّجْم: ٤٥]، وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَالْأَخْفَشُ وَسُلَيْمَانُ التَّمِيمِيُّ بِمَعْنَى أَرْضَى.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ: أَقْنى: أَخْدَمَ، فَيَكُونُ مُشْتَقًّا مِنَ الْقِنِّ وَهُوَ الْعَبْدُ أَوِ الْمَوْلُودُ فِي الرِّقِّ فَيَكُونُ زِيَادَةً عَلَى الْإِغْنَاءِ. وَقِيلَ: أَقْنى: أَعْطَى الْقُنْيَةَ. وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي الْغِنَى. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْنى: أَرْضَى، أَيْ أَرْضَى الَّذِي أَغْنَاهُ بِمَا أَعْطَاهُ، أَيْ أَغْنَاهُ حَتَّى أَرْضَاهُ فَيَكُونُ زِيَادَةً فِي الِامْتِنَانِ.

صفحة رقم 149
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية