آيات من القرآن الكريم

وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌ ﰎﰏﰐﰑ ﰓﰔﰕﰖ ﰘﰙﰚﰛ ﰝﰞﰟﰠ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲ

تبليغ رسالته والظاهر في ذات ربه، وقال عكرمة، وفي هذه العشر الآيات، أَلَّا تَزِرُ وما بعدها، وقال ابن عباس وقتادة وغيره وَفَّى ما افترض عليه من الطاعات على وجهها وتكلمت له شعب الإيمان والإسلام فأعطاه الله براءته من النار. قال ابن عباس: وفي شرائع الإسلام ثلاثين سهما. وقال أبو أمامة ورفعه إلى النبي عليه السلام وَفَّى أربع صلوات في كل يوم، والأقوى من هذه الأقوال كلها القول العام لجميع الطاعات المستوفية لدين الإسلام، فروي أنها لم تفرض على أحد مكملة فوفاها الأعلى وإبراهيم ومحمد عليهما السلام ومن الحجة لذلك قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة: ١٢٤].
وقرأ ابن جبير وأبو مالك وابن السميفع: «وفى» مخففة الفاء، والخلاف فيما وفى به كالخلاف فيما وفاه على القراءة الأولى التي فسرنا، ورويت القراءة عن النبي عليه السلام، وقرأها أبو أمامة.
والوزر: الثقل، وأنث الوازرة إما لأنه أراد النفس وإما أراد المبالغة كعلامة ونسابة وما جرى مجراها و «أن» في قوله: أَلَّا تَزِرُ مخففة من الثقيلة، وتقديرها أنه لا تزر، وحسن الحائل بينها وبين الفعل إن بقي الفعل مرتفعا، فهي كقوله: أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى [المزمل: ٢٠] ونحوه، و «أن» في موضع رفع أو خفض، كلاهما مرتب.
قوله عز وجل:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣٩ الى ٥١]
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣)
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨)
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١)
قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ وقوله بعد ذلك وَأَنَّهُ، وَأَنَّهُ معطوف كل ذلك على أن المقدرة أولا في قوله: «أنه لا تزر» وهي كلها بفتح الألف في قراءة الجمهور. وقرأ أبو السمال قعنب «وإن إلى ربك» بكسر الهمزة فيهما وفيما بعدها وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن قوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى منسوخ بقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور: ٢١] وهذا لا يصح عندي على ابن عباس، لأنه خبر لا ينسخ، ولأن شروط النسخ ليست هنا، اللهم إلا أن يتجوز في لفظة النسخ ليفهم سائلا، وقال عكرمة: كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها، والدليل حديث سعد بن عبادة قال: يا رسول الله هل لأمي إن تطوعت عنها؟ قال: نعم.
وقال الربيع بن أنس: «الإنسان» الذي في هذه الآية هو الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره.
وسأل عبد الله بن طاهر بن الحسين والي خراسان الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله: وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ [البقرة: ٢٦١] فقال ليس له بالعدل إلا ما سعى، وله بفضل الله ما شاء الله، فقبل عبد الله رأس الحسين. وقال الجمهور: الآية محكمة. والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو

صفحة رقم 206

في اللام من قوله: لِلْإِنْسانِ فإذا حققت الشيء الذي هو حق الإنسان يقول فيه لي كذا لم يجده إلا سعيه، وما بعد من رحمة ثم شفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن صالح أو تضعيف حسنات أو تغمد بفضل ورحمة دون هذا كله فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول لي كذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو له حقيقة.
واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن ولا مال. وفرق بعض العلماء بين البدن والمال، وهي عندي كلها فضائل للعامل وحسنات تذكر للمعمول عنه، وقد أمر رسول الله ﷺ سعدا بالصدقة عن أمه، والسعي: التكسب.
وقوله: يُرى فاعله حاضر والقيامة، أي يراه الله ومن شاهد الأمر، وفي عرض الأعمال على الجميع تشريف للمحسنين وتوبيخ للمسيئين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع بأخيه فيما يكره سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة». وفي قوله: ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى وعيد للكافرين ووعد للمؤمنين. و: الْمُنْتَهى يحتمل أن يريد به الحشر، والمصير بعد الموت فهو منتهى بالإضافة إلى الدنيا وإن كان بعده منتهى آخر وهو الجنة أو النار، ويحتمل أن يريد ب الْمُنْتَهى: الجنة أو النار، فهو منتهى على الإطلاق، لكن في الكلام حذف مضاف إلى عذاب ربك أو رحمته. وقال أبي بن كعب قال النبي عليه السلام في قوله تعالى: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى لا فكرة في الرب. وروى أنس أن النبي ﷺ قال: «إذا ذكر الرب فانتهوا». وقال أبو هريرة: خرج رسول الله ﷺ يوما إلى أصحابه فقال: «فيم أنتم» ؟ قالوا: نتفكر في الخالق، فقال: «تفكروا في الخلق، لا تتفكروا في الخالق، فإنه لا تحيط به الفكرة» الحديث، وذكر الضحك والبكاء لأنهما صفتان تجمعان أصنافا كثيرة من الناس، إذ الواحدة دليل السرور، والأخرى دليل الحزن في الدنيا والآخرة، فنبه تعالى على هاتين الخاصتين اللتين هما للإنسان وحده، وقال مجاهد المعنى: أَضْحَكَ الله أهل الجنة وَأَبْكى أهل النار. وحكى الثعلبي في هذا أقوالا استعارية كمن قال أَضْحَكَ الأرض بالنبات، وَأَبْكى السماء بالمطر، ونحوه:
وأَماتَ وَأَحْيا. وحكى الثعلبي قولا إنه أحيا بالإيمان وأمات بالكفر. والزَّوْجَيْنِ في هذه الآية يريد به المصطحبين من الناس من الرجل والمرأة وما ضارع من الحيوان، والخنثى متميز ولا بد لأحد الجهتين.
والنطفة في اللغة: القطعة من الماء كانت يسيرة أو كثيرة. ويراد بها هاهنا ماء الذكران.
وقوله: تُمْنى يحتمل أن يكون من قولك: أمنى الرجل: إذا خرج منه المني، ويحتمل أن يكون من قولك منى الله الشيء: إذا خلقه، فكأنه قال: إذا تخلق وتقدر، و: النَّشْأَةَ الْأُخْرى هي إعادة الأجسام إلى الحشر بعد البلي في التراب. وقرأ الناس: «النشأة» بسكون الشين والهمز والقصر، وقرأ أبو عمرو والأعرج: «النشآة» ممدودة.
وَأَقْنى معناه: أكسب، يقال: قنبت المال، أي كسبته، ثم يعدى بعد ذلك بالهمزة، وقد يعدى بالتضعيف، ومنه قول الشاعر: [البسيط]

كم من غني أصاب الدهر ثروته ومن فقير يقنى بعد إقلال
وعبر المفسرون عن أَقْنى بعبارات مختلفة. وقال بعضهم: أَقْنى معناه: أكسب ما يقتني،

صفحة رقم 207

وقال مجاهد معناه: أغنى وأرضى. وقال حضرمي معناه: أغنى عن نفسه وَأَقْنى أفقر عباده إليه. وقال الأخفش: أَقْنى أفقر، وهذه عبارات لا تقتضيها اللفظة، والوجه فيها بحسب اللغة أكسب ما يقتني.
وقال ابن عباس: أَقْنى قنع. والقناعة خير قنية، والغنى عرض زائل، فلله در ابن عباس.
و: الشِّعْرى نجم في السماء، قال مجاهد وابن زيد: هو من زمر الجوزاء وهما شعريان، إحداهما:
الغميصاء، والأخرى العبور، لأنها عبرت المجرة، وكانت خزاعة ممن يعبد هذه الشِّعْرى، ومنهم أبو كبشة، ذكره الزهراوي واسمه عبد العزى، فلذلك خصت بالذكر، أي وهو رب هذا المعبود الذي لكم.
وعاد: هم قوم هود، واختلف في معنى وصفها ب الْأُولى، فقال ابن زيد والجمهور: ذلك لأنها في وجه الدهر وقديمه، فهي أولى بالإضافة إلى الأمم المتأخرة، وقال الطبري: سميت أولى، لأن ثم عادا أخيرة وهي قبيلة كانت بمكة مع العماليق وهم بنو لقيم بن هزال.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أبين، لأن هذا الأخير لم يصح. وقال المبرد عادا الأخيرة هي ثمود، والدليل قول زهير: [الطويل] كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم ذكره الزهراوي، وقيل الأخيرة: الجبارون.
وقرأ ابن كثير وعاصم، وابن عامر وحمزة، والكسائي «عاد الأولى» منونة وبهمز. وقرأ نافع فيما روي عنه: «عادا الأولى» بإزالة التنوين والهمز. وهذا كقراءة من قرأ «أحد الله» وكقول الشاعر [أبو الأسود الدؤلي] :[المتقارب] ولا ذاكر الله إلا قليلا وقرأ قوم: عاداً الْأُولى والنطق بها «عادن الأولى». واجتمع سكون نون التنوين وسكون لام التعريف فكسرت النون للالتقاء، ولا فرق بينهما وبين قراءة الجمهور ولا ترك الهمز. وقرأ نافع أيضا وأبو عمرو بالوصل والإدغام «عاد الولي» بإدغام النون في اللام ونقل حركة الهمزة إلى اللام. وعاب أبو عثمان المازني والمبرد هذه القراءة، وقال: إن هذا النقل لا يخرج اللام عن حد السكون وحذف ألف الوصل أن تبقى كما تقول العرب إذا نقلت الهمزة من قولهم الأحمر فإنهم يقولون الحمر جاء فكذلك يقال هاهنا «عادا الولي»، قال أبو علي: والقراءة سائغة، وأيضا فمن العرب من يقول: لحمر جاء فيحذف الألف مع النقل ويعتد بحركة اللام ولا يراها في حكم السكون، وقرأ نافع فيما روي عنه «عادا الأولى» بهمز الواو، ووجه ذلك أنه لما لم يكن بين الواو والضمة حائل تخيل الضمة عليها فهمزها كما تهمز الواو المضمومة، وكذلك فعل من قرأ: «على سؤقه»، وكما قال الشاعر [جرير] :[الوافر] لحبّ المؤقدان إلى موسى وهي لغة. وقرأ الجمهور: «وثمودا» بالنصب عطفا على عاد. وقرأ عاصم وحمزة والحسن وعصمة «وثمود» بغير صرف، وهي في مصحف ابن مسعود بغير ألف بعد الدال.

صفحة رقم 208
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية