
وروى عن بعض الأعراب حينما سمع هذه الآية قال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟! ألم يصدقوه في قوله حتى ألجئوه إلى اليمين؟!
إكرام الله لأوليائه وإهانته لأعدائه [سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٤ الى ٤٦]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨)
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣)
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦)

المفردات:
ضَيْفِ أى: ضيوف. مُنْكَرُونَ: غير معروفين. فَراغَ المراد:
ذهب إلى أهله على خفية من ضيفه، وأصل الروغ: الميل على سبيل الاحتيال، ومنه روغان الثعلب. سَمِينٍ: ممتلئ الجسم بالشحم واللحم. فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً: أضمر في نفسه منهم خوفا. فِي صَرَّةٍ: في صوت وجلبة. فَصَكَّتْ وَجْهَها: ضربت وجهها بأطراف أصابعها عجبا. عَقِيمٌ: عاقر فكيف ألد؟
وأصل العقم: اليبس. فَما خَطْبُكُمْ: ما شأنكم الخطير. مُسَوَّمَةً:
معلمة. لِلْمُسْرِفِينَ: المتجاوزين الحدود. آيَةً: علامة دالة على ما أصابهم.
بِرُكْنِهِ أى: بجانبه وهذا كناية عن الإعراض التام، وقيل: الركن القوة والسلطان، أو القوم. نَبَذْناهُمْ
: طرحناهم بلا مبالاة. لِيمٌ
أى: أتى بما يلام عليه. الْعَقِيمَ: التي لا تلقح شجرا ولا تأتى بخير بل تهلك الحرث والنسل.
ما تَذَرُ: ما تمر على شيء وتتركه. كَالرَّمِيمِ: كالشىء البالي من عظم أو نبات أو غيره. فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ: استكبروا عن امتثال أمره. الصَّاعِقَةُ أى: المهلكة التي صعقتهم.
المعنى:
ألم يأتك يا رسول الله حديث ضيف إبراهيم المكرمين «١»، وهذا الأسلوب فيه تفخيم

لشأن القصة، ورفع لمكانة الحديث، ولفت لأنظار الناس إليه وتنبيه على أن مثل هذا الحديث مما لا يعلمه رسول الله إلا عن طريق الوحى لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى «١» وقد سبقت هذه القصة في سورتي هود والحجر، ولا شك أن ضيوف إبراهيم مكرمون عند الله، لأنهم من الملائكة. بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ «٢» وإبراهيم أكرمهم غاية الإكرام فهم مكرمون من الله ومن المضيف، هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه «٣» فقالوا: نسلم عليك سلاما، فأجابهم إبراهيم بأحسن مما حيوا حيث قال: عليكم سلام من الله ورحمته، وعلماء البلاغة يقولون: (الجملة الاسمية كما في قولك: السلام عليك، أبلغ من قولك: أسلم عليك، لأن الأولى تفيد الدوام والثبوت، والثانية تفيد التجدد والحدوث).
ثم قال إبراهيم في نفسه أو قال مظهرا لهم: أنتم قوم منكرون غير معروفين وهيئتكم العامة غير معهودة لنا، وعقب هذا ذهب إلى أهله في خفية منهم وطلب إليهم إعداد طعام للضيفان، فجاء بعجل سمين مشوى، فقربه إليهم، قال لهم: ألا تأكلون؟
ولكنهم أعرضوا عن الأكل، فلما أعرضوا أوجس منهم خيفة، وأضمر في نفسه خوفا منهم على عادة الناس يظنون أن الامتناع عن الطعام لشر مبيت، وأكل الضيف يزيل هذا الظن، وماذا قالت الملائكة عندئذ؟ قالوا: يا إبراهيم لا تخف إنا رسل ربك، وبشروه بغلام عليم عند استوائه وبلوغه الرشد، وهو إسحاق على الصحيح.
فلما سمعت امرأته تلك البشارة، وكانت يائسة من الحمل أقبلت على أهل بيتها في صوت وجلبة، فضربت جبهتها بأطراف أصابعها كما تفعل النساء عند ظهور أمر عجيب وقالت: أألد وأنا عجوز عقيم؟!! ماذا قالت الملائكة لها؟ قالوا: لا تعجبي من أمر الله، مثل ذلك القول الكريم الذي أخبرناك به قال ربك ذلك، وإنما نحن مبلغون فقط، ونحن رسل الله إليك، إنه هو الحكيم الذي يضع الأمور في نصابها وهو العليم بكل خلقه، فلا تعجبي من أمر الله، وذلك تذييل موافق لما قبله.
(٢) - سورة الأنبياء آية ٢٦.
(٣) - في هذا إشارة إلى أن (إذ دخلوا عليه) ظرف للحديث أو معمول ل (اذكر) محذوفة.

قال إبراهيم لما علم أنهم رسل الله حقا: ما شأنكم الخطير وما خبركم؟ قالوا: إنا أرسلنا إلى قوم لوط، وهم قوم مجرمون كذبوا لوطا وعصوا أمر ربهم فحقت عليهم الكلمة، إنا أرسلنا إلى هؤلاء لنقلب قراهم رأسا على عقب، ونجعل عاليها سافلها، ونرسل عليهم حجارة من طين، معلمة من عند الله، ومعدة من عنده لهؤلاء القوم المسرفين المتجاوزين الحدود.
ثم قاموا من عند إبراهيم، وجاءوا لوطا، فضاق بهم ذرعا لأنه أنكرهم أول الأمر، وقال: هذا يوم عصيب، قالت الملائكة: يا لوط إنا رسل ربك جئنا لإنقاذك من هؤلاء الظالمين فأسر بأهلك في ظلام الليل، ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم، وإن موعدهم الصبح، وليس الصبح ببعيد، فباشرت الملائكة ما أمروا به.
وأخرجوا من كان في القرى من المؤمنين، فما وجدوا فيها غير بيت من المسلمين، وهو بيت لوط، وجاء الصبح، وقد جعلوا عاليها سافلها، وأمطروا عليهم حجارة من سجيل، مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين أمثالهم ببعيد، فانظروا يا آل مكة أين أنتم من قوم لوط؟ واعتبروا بما حل بهم، وما ربك بظلام العبيد.
وهذه أمثال يضربها الحق تبارك وتعالى للطغاة المتكبرين، والكفار الظالمين، لعلهم يثوبون لرشدهم، ويكفون عن تكذيبهم وكفرهم بما يجب الإيمان به وخاصة يوم البعث.
المعنى:
وجعلنا في قصة موسى عبرة وعظة، إذ أرسلناه «١» إلى فرعون بمعجزات ظاهرة، وآيات بينة كالعصا وغيرها فتولى بركنه، أعرض عن الإيمان مصاحبا قومه معتزا بهم، وقال: إن موسى ساحر أو هو مجنون، فأخذه ربك أخذ عزيز مقتدر، أخذه هو وجنوده فنبذه في اليم نبذ النواة بلا مبالاة ولا اعتداد به، والحال أنه أتى من أفعال الكفر والطغيان ما يلام عليه، فهو مليم بهذا المعنى.
وفي قصة عاد آية كذلك إذ أرسل ربك إليهم أخاهم هودا يدعوهم إلى الإيمان