آيات من القرآن الكريم

وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ
ﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ

اليوم، فإن أحدا منهم لا يترك عبيده وأجراءه فى عمل دون أن يحاسبهم وينظر فى أحوالهم، ويحكم بينهم فى أقوالهم وأفعالهم، فكيف يترك أحكم الحاكمين عبيده الذين أبدع لهم هذا الكون وهيأ لهم كل ما يحتاجون إليه- سدى ويوجدهم عبثا؟.
ثم أجاب عن هذا السؤال وذكر أنه يكون يوم القيامة فقال:
(يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) أي يوم الجزاء هو يوم نعذب الكفار وتقول لهم الخزنة:
(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) أي ذوقوا هذا العذاب الذي كنتم تستعجلون وقوعه استهزاء وتظنون أنه غير كائن.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١٥ الى ٢٣]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)
تفسير المفردات
فى جنات وعيون: أي فى بساتين تجرى من تحتها الأنهار، محسنين: أي مجوّدين لأعمالهم، والهجوع: النوم ليلا والهجعة النومة الخفيفة، والأسحار: واحدها سحر وهو السدس الأخير من الليل، حق: أي نصيب وافر يوجبونه على أنفسهم تقربا إلى ربهم وإشفاقا على عباده، والسائل: هو المستجدى الطالب العطاء، والمحروم: هو المتعفف

صفحة رقم 177

الذي يحسبه الجاهل غنيا فيحرم الصدقة من أكثر الناس، آيات: أي دلائل على قدرته تعالى من وجود المعادن والنبات والحيوان، والدحو فى بعض المواضع والارتفاع فى بعضها الآخر عن الماء، واختلاف أجزائها فى الكيفيات والخواص. للموقنين: أي للموحدين الذين سلكوا الطريق الموصل إلى معرفة الله، فهم نظارون بعيون باصرة، وأفهام نافذة، وما توعدون: أي والذي توعدونه من خير أو شر.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر حال المغترين الذين أنكروا يوم الدين، وكذبوا بالبعث والنشور، وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم وعبدوا مع الله غيره من وثن أو صنم- أردف ذلك ذكر حال المتقين وما يتمتعون به من النعيم المقيم فى جنات تجرى من تحتها الأنهار، جزاء إحسانهم فى أعمالهم، وقيامهم بالليل للصلاة، والاستغفار بالأسحار، وإنفاقهم أموالهم للفقراء والمساكين، ونظرهم فى دلائل التوحيد التي فى الآفاق والأنفس، وتفكيرهم فى ملكوت السموات والأرض مصدقين قوله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ».
ثم أقسم برب السماء والأرض إن ما توعدون من البعث والجزاء حق لا شك فيه، كما لا شك فى نطقكم حين تنطقون.
الإيضاح
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي إن الذين اتقوا الله وأطاعوه واجتنبوا معاصيه، فى بساتين وجنات تجرى من تحتها الأنهار، قريرة أعينهم بما آتاهم ربهم، إذ فيه ما يرضيهم ويغنيهم ويفوق ما كانوا يؤملون.
ثم ذكر الثمن الذي دفعوه لنيل هذا الأجر العظيم فقال:
(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) أي إنهم كانوا فى دار الدنيا يفعلون صالح

صفحة رقم 178

الأعمال، خشية من ربهم وطلبا لرضاه، ومن ثم نالوا هذا الفوز العظيم، والمكرمة التي فاقت ما كانوا يؤملون ويرجون.
ونحو الآية قوله: «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ»، ثم فصل ما أحسنوا فيه فقال:
(كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) أي كانوا ينامون القليل من الليل ويتهجدون فى معظمه، قال ابن عباس: ما تأتى عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا إلا يصلون فيها شيئا إما من أولها أو من وسطها، وقال الحسن البصري: كابدوا قيام الليل، فلا ينامون من الليل إلا أقله، وربما نشطوا فجدّوا إلى السحر. وعن أنس قال: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء.
(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي فهم يحيون الليل متهجدين، فإذا أسحروا أخذوا فى الاستغفار كأنهم أسلفوا فى ليلهم الجرائم.
ولما ذكر أنهم يقيمون الصلاة ثنى بوصفهم بأداء الزكاة والبر بالفقراء فقال:
(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أي وجعلوا فى أموالهم جزءا معينا ميزوه وعزلوه للطالب المحتاج، والمتعفف الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يسأل الناس، ولا يفطنون إليه ليتصدقوا عليه.
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «ليس المسكين الذي تردّه التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان، قيل فمن المسكين؟
قال الذي ليس له ما يغنيه، ولا يعلم مكانه فيتصدق عليه، فذلك المحروم»
.
وبعد أن ذكر أوصاف المتقين بين أنه قد لاحت لهم الأدلة الأرضية والسماوية التي بها أخبتوا إلى ربهم وأنابوا إليه فقال:
(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) أي وفى الأرض دلائل على وجود الخالق وعظيم

صفحة رقم 179

قدرته، استبانت لمن فكر وتدبر فى هذا الكون وبديع صنعه، مما يشاهد من صنوف النبات والحيوان، والمهاد والجبال، والقفار والبحار إلى نحو أولئك مما بهر المخلوقات كما قال: «وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ».
فالموقنون كلما رأوا آية عرفوا وجه تأويلها فازدادوا إيقانا، وخصهم بالذكر لأنهم هم الذين يعترفون بذلك، ويتدبرونه فينتفعون به.
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ؟) أي أفلا تنظرون نظر من يعتبر فى اختلاف الألسنة والألوان، والتفاوت فى العقول والأفهام، واختلاف الأعضاء، وتعدد وظائف كل منها على وجه يحار فيه اللّبّ، ويدهش منه العقل؟
وخلاصة ما سلف- إنّ الله تعالى وصف المتقين بأنهم مجدّون فى العبادة البدنية وفى بذل المال للمستحقين من ذوى الحاجة والبائسين، والإيمان بالله والعلم بقدرته بالنظر فى الآفاق والأنفس.
(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) أي وفى السماء أسباب رزقكم من النيّرين (الشمس والقمر) والكواكب والمطالع والمغارب التي بها تختلف الفصول فتنبت الأرض أنواع النبات وتسقى بماء الأمطار التي تحملها السحب وتسوقها الرياح لأسباب فلكية وطبيعية أوضحها علماء الفلك وعلماء الطبيعة. وكذلك ما توعدون من خير وشر، قاله مجاهد.
ثم أقسم ربنا بعزته وجلاله إن البعث لحق فقال:
(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أقسم ربنا جلت قدرته بجلاله وكبريائه: إن ما وعدكم به من أمر القيامة والبعث والجزاء حق لا مرية فيه، فلا تشكّوا فيه كما لا تشكون فى نطقكم حين تنطقون، وهذا كما يقول الناس: إن هذا لحق كما أنك ترى وتسمع.

صفحة رقم 180
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية