آيات من القرآن الكريم

وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

ليس الفتح سببَ المغفرة. قوله تعالى: ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ قال ابن عباس: والمعنى: «ما تقدَّم» في الجاهلية و «ما تأخَّر» ما لم تعلمه، وهذا على سبيل التأكيد، كما تقول: فلان يَضْرِب من يلقاه ومن لا يلقاه. قوله تعالى: وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ فيه أربعة أقوال: أحدها: أن ذلك في الجنة. والثاني: أنه بالنُبُوَّة والمغفرة، رويا عن ابن عباس. والثالث: بفتح مكة والطائف وخيبر، حكاه الماوردي. والرابع:
بإظهار دِينك على سائر الأديان، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً أي:
ويُثبِّتك عليه وقيل: ويَهدي بك، وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ على عدوِّك نَصْراً عَزِيزاً قال الزجاج: أي: نَصْراً ذا عزّ لا يقع معه ذلّ.
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٤ الى ١٠]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠)
قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ أي: السُّكون والطمُّأنينة فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لئلاّ تنزعج قلوبُهم لِمَا يَرِد عليهم، فسلَّموا لقضاء الله، وكانوا قد اشتد عليهم صَدُّ المشركين لهم عن البيت، حتى قال عمر: علامَ نُعطي الدّنيّة في ديننا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
(١٢٨٤) «أنا عَبْدُ الله ورسوله، لن أُخالِف أمره ولن يُضَيِّعني».
ثم أَوْقَعَ اللهُ الرِّضى بما جرى في قلوب المسلمين، فسلَّموا وأطاعوا. لِيَزْدادُوا إِيماناً وذلك أنه كلَّما نزلت فريضة زاد إيمانهم. وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يريد أن جميع أهل السموات والأرض مُلْكٌ له، لو أراد نُصرة نبيِّه بغيركم لَفَعَل، ولكنه اختاركم لذلك، فاشكُروه.
قوله تعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ... الآية.
(١٢٨٥) سبب نزولها أنه لمّا نزل قوله: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ قال أصحابُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هنيئا لك يا

صحيح. أخرجه البخاري ٣١٨٢ ومسلم ١٧٨٥ والنسائي في الكبرى ١١٥٠٤ من حديث أبي وائل عن سهل بن حنيف. وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٣٠٢.
صحيح. أخرجه البخاري ٤١٧٢ و ٤٨٣٤ وأحمد ٣/ ١٧٣ من طريق شعبة. وأخرجه مسلم ١٧٨٦ وأحمد ٣/ ١٢٢ و ١٣٤ والطبري ٣١٤٥٤ من طريقين عن همام به. وأخرجه مسلم ١٧٨٦ والبيهقي ٥/ ٢١٧ من طريق شيبان. وأخرجه أحمد ٣/ ٢٥٢ عن عفان ثنا همام ثنا قتادة ثنا أنس رضي الله عنه. وهو في «شرح السنة» ٣٩١٤ بهذا الإسناد. وأخرجه الترمذي ٣٢٦٣ وأحمد ٣/ ١٩٧ عن طريق معمر. وأخرجه مسلم ١٧٨٦ والطبري ٣١٤٥٢ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ١٣٢- ١٣٣ من طريق سليمان بن طرخان. وأخرجه الطبري ٣١٤٥٣ من طريق سعيد بن أبي عروبة. كلهم عن قتادة به. وأخرجه ابن حبان ٣٧١ من طريق سفيان عن الحسن عن أنس به.

صفحة رقم 128

رسول الله بما أعطاك الله، فما لَنا؟ فنزلت هذه الآية، قاله أنس بن مالك.
(١٢٨٦) قال مقاتل: فلمّا سمع عبد الله بن أُبيّ بذلك، انطلق في نَفَرٍ إِلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ما لَنا عند الله؟ فنزلت: وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ... الآية.
قال ابن جرير كُرِّرت اللاّمُ في «لِيُدْخِلَ» على اللام في «لِيَغْفِرَ»، فالمعنى: إَِنّا فَتَحْنا لك لِيَغْفِرَ لك اللهُ لِيُدْخِلَ المؤمنين، ولذلك لم يُدخِل بينهما واو العطف، والمعنى: لِيُدْخِل ولِيُعَذِّب.
قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ قرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم السين والباقون بفتحها.
قوله تعالى: وَكانَ ذلِكَ أي: ذلك الوَعْد بإدخالهم الجنة وتكفير سيِّئاتهم عِنْدَ اللَّهِ أي في حُكمه فَوْزاً عَظِيماً لهم والمعنى: أنه حكم لهم بالفَوْز، فلذلك وعدهم إِدخال الجنة.
قوله تعالى: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ فيه خمسة أقوال: أحدها: أنهم ظنُّوا أن لله شريكاً.
والثاني: أن الله لا ينصُر محمداً وأصحابه. والثالث: أنهم ظنُّوا به حين خرج إِلى الحديبية أنه سيُقْتَل أو يهزم ولا يعود ظافراً. والرابع: أنهم ظنُّوا أنهم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنزلة واحدة عند الله. والخامس: ظنُّوا أن الله لا يبعث الموتى. وقد بيَّنّا معنى «دائرة السّوء» في براءة «١». وما بعد هذا قد سبق بيانه «٢» إلى قوله: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قرأ ابن كثير وأبو عمرو: «لِيُؤْمِنوا» بالياء «ويُعزِّروه ويُوقِّروه ويُسبِّحوه» كلُّهن بالياء، والباقون: بالتاء، على معنى: قل لهم: إِنّا أرسلناك، لتؤمنوا، وقرأ علي بن أبي طالب وابن السميفع: «ويُعَزٍّزوه» بزاءين. وقد ذكرنا في الأعراف «٣» معنى «ويُعَزِّروه» عند قوله: «وعزَّروه ونصروه». قوله تعالى: وَتُوَقِّرُوهُ أي: تعظّموه وتبجّلوه. واختار كثير من القرَّاء الوقف هاهنا، لاختلاف الكناية فيه وفيما بعده. قوله تعالى: وَتُسَبِّحُوهُ هذه الهاء ترجع إلى الله عزّ وجلّ. والمراد بتسبيحه هاهنا: الصلاةُ له. قال المفسرون: والمراد بصلاة البُكرة: الفجر، وبصلاة الأصيل: باقي الصلوات الخمس. قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يعني بَيْعة الرّضوان بالحديبية. وعلى ماذا بايعوه؟ فيه قولان:
(١٢٨٧) أحدهما: أنهم بايعوه على الموت، قاله عبادة بن الصامت.
(١٢٨٨) والثاني: على أن لا يفِرًّوا، قاله جابر بن عبد الله. ومعناهما متقارب، لأنه أراد: على أن لا تفرّوا ولو متّم.

واه بمرة. مقاتل هو ابن سليمان كذبه غير واحد، والصحيح في هذا ما رواه البخاري ومسلم، وتقدم.
انظر الحديث الآتي.
هو عند مسلم ١٨٥٦ عن جابر قال: «كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وقال: بايعناه على ألا نفر، ولم نبايعه على الموت» وفي رواية: فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري اختبأ تحت بطن بعيره» فلم يبايع أصلا. وقد نبه على هذا الحافظ في تخريجه ٤/ ٣٣٥. وأما لفظ فبايعوه على
__________
(١) التوبة: ٩٨.
(٢) الفتح: ٤، الأحزاب: ٤٥.
(٣) الأعراف: ١٥٧.

صفحة رقم 129
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية