آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ

الجزء السادس والعشرون بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحقاف
هى مكية إلا ثلاث آيات: ١٠، ١٥، ٣٥ فمدنية.
وآياتها خمس وثلاثون، نزلت بعد الجاثية.
ووجه اتصالها بما قبلها- أنه تعالى ختم السورة السالفة بالتوحيد، وذمّ أهل الشرك وتوعدهم عليه، وافتتح هذه بالتوحيد وتوبيخ المشركين على شركهم أيضا.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤)
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦)

صفحة رقم 3

تفسير المفردات
أجل مسمى: هو يوم القيامة، أنذروا: أي خوّفوا، معرضون: أي مولّون لاهون، تدعون: أي تعبدون، شرك: أي نصيب، أثارة: أي بقية، ومثلها الأثرة (بالتحريك) يقال (سمنت الإبل على أثارة) أي بقية شحم كان قبل ذلك، حشر:
أي جمع، كافرين: أي مكذبين.
المعنى الجملي
بدأ سبحانه السورة بإثبات أن هذا القرآن من عند الله، لا من عند محمد كما تدّعون ثم ذكر أن خلق السموات والأرض مصحوب بالحق قائم بالعدل والنظام، ومن النظام أن تكون الآجال مقدرة معلومة لكل شىء، إذ لا شىء فى الدنيا بدائم، ولا بد من يوم يجتمع الناس فيه للحساب، حتى لا يستوى المحسن والمسيء، ولكن الذين كفروا أعرضوا عن إنذار الكتاب ولم يفكروا فيما شاهدوا فى العالم من النظام والحكمة، فلا هم بسماع الوحى متعظون، ولا هم بالنظر فى العالم المشاهد يعتبرون ثم نعى على المشركين حال آلهتهم وأمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لهم: أخبرونى ماذا خلق آلهتكم من الأرض، أم لهم شركة فى خلق السموات حتى يستحقون العبادة؟ فإن كان لهم ما تدّعون فهاتوا دليلا على هذا الشرك المدّعى بكتاب موحى به من قبل القرآن أو ببقية

صفحة رقم 4

من علوم الأولين، وكيف خطر على بالكم أن تعبدوها وهى لا تستجيب لكم دعاء إلى يوم القيامة وهى غافلة عنكم، وفى الدار الآخرة تكون لكم أعداء وتجحد عبادتكم لها.
الإيضاح
(حم) الكلام فى مثلها قد تقدم من قبل.
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) اعلم أنّ نظم أول هذه السور كنظم أول سورة الجاثية وقد تقدم إيضاحه وتفسيره.
(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أي ما خلقناهما إلا خلقا ملتبسا بالعدل، وبتقدير أجل مسمى لكل مخلوق، إليه ينتهى بقاؤه فى هذه الحياة الدنيا، وهذا يستدعى أن يكون خلقه لحكمة وغاية، وأن يكون هناك يوم معلوم للحساب والجزاء، لئلا يتساوى من أحسن فى الدار الأولى ومن أساء فيها، ومن أطاع ربه واتبع أوامره ونواهيه، ومن دسّى نفسه، وركب رأسه، واتبع شيطانه وهواه، وسلك سبل الغواية فلم يترك منها طريقا إلا سلكه، ولا بابا إلا ولجه.
ثم بين غفلة المشركين وإعراضهم عما أنذروا به فقال:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) أي مع ما نصبنا من الأدلة، وأرسلنا من الرسل، وأنزلنا من الكتب- بقي هؤلاء الكفار معرضين عنه، غير ملتفتين إليه، فلا هم بما أنزلنا من الكتب اتعظوا، ولا بما شاهدوا من أدلة الكون اعتبروا، وأنّى لهم ذلك؟ فهم صم بكم عمى لا يعقلون.
وبعد أن أثبت لنفسه الألوهية، وأنه رحيم عادل، وأثبت البعث والجزاء يوم القيامة، ردّ على عبدة الأصنام فقال:
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أي قل لهم أيها الرسول: أخبرونى عن حال آلهتكم بعد التأمل فى خلق

صفحة رقم 5

السموات والأرض وما بينهما، والنظام القائم فيهما، المبنى على الحكمة ودقة الصنع، والإبداع فى التكوين: هل تعقلون لهم مدخلا فى خلق جزء من هذا العالم السفلى، فيستحقوا لأجله العبادة؟ ولو كان لهم ذلك لظهر التفاوت فى هذا النظام، والمشاهد أنه على حال واحدة يستمد أدناه من أعلاه، ويرتبط بعضه ببعض، وكل فرد فى الأرض مخدوم بجميع الأفراد فيها، أم هل تظنون أن لهم شركة فى خلق العالم العلوي شموسه وأقماره، كواكبه ونجومه، سياراتها وثوابتها.
وقصارى ذلك- نفى استحقاق آلهتهم للمعبودية على أتمّ وجه، فقد نفى أن لها دخلا فى خلق شىء من أجزاء العالم السفلى استقلالا، ونفى ثانيا أن لها دخلا على سبيل الشركة فى خلق شىء من أجزاء العالم العلوي، ونفى ذلك يستلزم نفى استحقاق المعبودية أيضا.
وتخصيص الشركة فى النظم الجليل بقوله سبحانه «فى السّموات» مع أنه لا شركة فيها ولا فى الأرض أيضا- لأن الغرض إلزامهم بما هو مسلّم لهم، ظاهر لكل أحد، والشركة فى الحوادث السفلية ليست كذلك، لتملكهم وإيجادهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة.
وبعد أن بكّتهم وعجّزهم عن الإتيان بسند عقلى، عجزهم وبكتهم عن الإتيان بسند نقلى فقال:
(ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي إن كان ما تقولونه حقا فائتونى أيها القوم بكتاب من قبل هذا الكتاب كالتوراة والإنجيل يشهد بصحة ما تدّعون لآلهتكم، أو ببقية بقيت عندكم من علم الأولين المفكرين فى خلق السموات والأرض ترشد إلى استحقاق الأصنام والأوثان للعبادة. وتدل على صحة المسلك الذي سلكتموه.
والخلاصة- إن الدليل: إما وحي من الله، أو بقية من كلام الأوائل، وإما

صفحة رقم 6

إرشاد من العقل، فإن كان الأول فأين الكتاب الذي يدل على أنهم شركاء؟ وإن كان الثاني فأين هو؟
وبعد أن أبطل شركة الأصنام فى الخلق بعدم قدرتها على ذلك- أتبعه إبطاله بعدم علمها بالعبادة فقال:
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) أي لا أضل ممن يعبد من دون الله أصناما ويتخذهم آلهة، وهم إذا دعوا لا يسمعون ولا يجيبون إلى يوم القيامة أي لا يجيبون أبدا ماداموا فى الدنيا، إذ هم فى غفلة عن دعائهم، لأنهم أحجار، فهم صم بكم لا يسمعون ولا يتكلمون.
وما أنكى هذا التوبيخ وما أمضّ ألمه لهؤلاء المشركين على سوء رأيهم وقبح اختيارهم فى عبادتهم ما لا يعقل شيئا ولا يفهم، وتركهم عبادة من بيده جميع نعمهم، ومن به إغاثتهم حين تنزل بهم الجوائح والمصايب.
وبعد أن أبان أنهم لا ينفعونهم فى الدنيا ولا يستجيبون لهم دعاء- أبان حالهم فى الآخرة فقال:
(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) أي وإذا جمع الناس لموقف الحساب كانت هذه الآلهة التي يعبدونها فى الدنيا أعداء لهم، إذ يتبرءون منهم، وكانوا بعبادتهم كافرين، فهم يقولون: ما أمرناهم بعبادتنا ولا شعرنا بهم، تبرأنا إليك ربنا منها.
ونحو الآية قوله تعالى: «وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» وقوله حكاية عن إبراهيم عليه السلام «وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ».

صفحة رقم 7
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية