بغير استفهام لأن الاستفهام إذا كان فيه معنى التقرير صار نفيا إذا كان موجبا، كما قال جلّ وعزّ: أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ [الواقعة: ٥٨، ٥٩] وإن كان نفيا صار موجبا لأن نفي النفي إيجاب كما قال: [الوافر].
٤٢٢-
ألستم خير من ركب المطايا | وأندى العالمين بطون راح |
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤)
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ صرف عاد لأنه اسم للحيّ ولو جعل اسما للقبيلة لم ينصرف وإن كان على ثلاثة أحرف، وكذا لو سمّيت امرأة بزيد لم ينصرف وإن سمّيتها بهند جاز الصرف عند الخليل وسيبويه «٢» والكسائي والفراء إلّا أنّ الاختيار عند الخليل وسيبويه ترك الصرف، وعند الكسائي والفراء الأجود الصّرف. فأما أبو إسحاق فكان يقول: إذا سمّيت امرأة بهند لم يجز الصّرف البتّة. وهذا هو القياس لأنها مؤنّثة وهي معرفة.
فأما قول بعض النحويين: إنّك إذا سمّيت بفعل ماض لم ينصرف فقد ردّه عليه سيبويه بالسّماع من العرب خلاف ما قال، وأنّ له نصيرا من الأسماء، وكذا يقال: كتبت أبا جاد بالصرف لا غير إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ قال مجاهد: الأحقاف أرض. وقال ابن أبين نعيم: الأحقاف: اسم أرض. وقال وهب بن منبّه: الأحقاف باليمن الأصنام والأوثان وقد قهروا الناس بكثرتهم وقوتهم. وقال محمد بن يزيد: واحد الأحقاف حقف وهو رمل مكتنز ليس بالعظيم وفيه اعوجاج، قال: ويقال: احقوقف الشيء إذا اعوجّ حتّى كاد يلتقي طرفاه، كما قال: [الرجز] ٤٢٣-
سماوة الهلال حتّى احقوقفا
«٣» وانصرف الأحقاف وإن كان اسم أرض لأن فيه ألفا ولاما. قال سيبويه: واعلم أن كلّ ما لا ينصرف إذا دخلته ألف ولام أو أضيف انصرف. وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ جمع نذير، وهو الرسول. ويجوز أن تكون النذر اسما للمصدر. قال الفراء: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
(٢) انظر الكتاب ٣/ ٢٦٥.
(٣) الشاهد للعجاج في ديوانه ٢/ ٢٣٢، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣١٩، ولسان العرب (حقف) و (زلف) و (وجف)، و (سما) بلا نسبة في الكتاب ١/ ٤٢٥، وجمهرة اللغة ٥٥٣.
من قبله وَمِنْ خَلْفِهِ من بعده أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ «أن» في موضع نصب أي بأن إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ نعت لليوم ولو كان نعتا لعذاب لنصب. ولا يجوز الجوار في كتاب الله تعالى وإنما يقع في الغلط.
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢٤]
فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤)
قال محمد بن يزيد: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً فيه جوابان: يكون التقدير فلمّا رأوا السحاب، وإن كان لم يتقدّم للسّحاب ذكر لأنّ الضمير قد عرف ودل عليه «عارضا»، والجواب الآخر أن يكون جوابا لقولهم فَأْتِنا بِما تَعِدُنا أي فلمّا رأوا ما يوعدون عارضا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ يقدّر فيه التنوين، وكذا قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا أو ممطر لنا، كما قال: [البسيط] ٤٢٤-
يا ربّ غابطنا لو كان يطلبكم
«١» أي غابط لنا. بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ قال الفراء «٢» : وفي حرف عبد الله: قل بل ما استعجلتم به هي ريح فيها عذاب أليم. قال: وهي وهو مثل مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى [القيامة: ٣٧] ويمنى. من قال: هو، ذهب إلى العذاب، ومن قال هي، ذهب إلى الريح.
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢٥]
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)
فأصبحوا لا ترى إلّا مساكنهم هذه قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو والكسائي «٣»، وهي المعروفة من قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس.
وقرأ الأعمش وحمزة وعاصم فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ وهي المعروفة من قراءة ابن مسعود ومجاهد، وقرأ الحسن وعاصم الجحدريّ فأصبحوا لا ترى إلّا مساكنهم «٤» بالتاء ورفع المساكن على اسم ما لم يسمّ فاعله. وهذه القراءة عند الفراء
«لاقى مباعدة منكم وحرمانا»
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٥٥.
(٣) انظر تيسير الداني ١٦٢، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٩٨.
(٤) انظر البحر المحيط ٨/ ٦٥.