آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ

لكفرتم على فعل الشرط، كما عطفته ثُمَّ في قوله تعالى قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ وكذلك الواو الآخرة عاطفة لاستكبرتم على شهد شاهد، وأما الواو في وَشَهِدَ شاهِدٌ
فقد عطفت جملة قوله. شهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم: على جملة قوله كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ ونظيره قولك: إن أحسنت إليك وأسأت، وأقبلت عليك وأعرضت عنى، لم نتفق في أنك أخذت ضميمتين فعطفتهما على مثليهما، والمعنى: قل أخبرونى إن اجتمع كون القرآن من عند الله مع كفركم به، واجتمع شهادة أعلم بنى إسرائيل على نزول مثله وإيمانه به، مع استكباركم عنه وعن الإيمان به، ألستم أضل الناس وأظلمهم؟ وقد جعل الإيمان في قوله فَآمَنَ مسببا عن الشهادة على مثله، لأنه لما علم أنّ مثله أنزل على موسى صلوات الله عليه، وأنه من جنس الوحى وليس من كلام البشر، وأنصف من نفسه فشهد عليه واعترف كان الإيمان نتيجة ذلك.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١١ الى ١٤]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤)
لِلَّذِينَ آمَنُوا لأجلهم وهو كلام كفار مكة، قالوا: عامّة من يتبع محمدا السقاط، يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود، فلو كان ما جاء به خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء. وقيل:
لما أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار: قالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع: لو كان خيرا ما سبقنا إليه رعاء البهم. وقيل: إن أمة لعمر أسلمت، فكان عمر يضر بها حتى يفتر ثم يقول لولا أنى فترت لزدتك ضربا، وكان كفار قريش يقولون: لو كان ما يدعو إليه محمد حقا ما سبقتنا إليه فلانة. وقيل: كان اليهود يقولونه عند إسلام عبد الله بن سلام وأصحابه. فإن قلت: لا بدّ من عامل في الظرف «١» في قوله وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ومن متعلق لقوله فَسَيَقُولُونَ وغير

(١). قال محمود: «لا بد من عامل الظرف وغير مستقيم أن يعمل فيه... الخ» قال أحمد: إن لم يكن مانع من عمل فسيقولون في الظرف ألا تنافى دلالتى المضي والاستقبال، فهذا غير مانع، فان الاستقبال هاهنا إنما خرج مخرج الاشعار بدوام ما وقع ومضى، لأن القوم قد حرموا الهداية وقالوا: هذا إفك قديم، وأساطير الأولين وغير ذلك، فمعنى الآية إذا: وقالوا إذ لم يهتدوا به هذا إفك قديم وداموا على ذلك وأصروا عليه، فعبر عن وقوعه ثم دوامه بصيغة الاستقبال، كما قال إبراهيم إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وقد كانت الهداية واقعة وماضية ولكن أخبر عن وقوعها، ثم دوامها فعبر بصيغة الاستقبال، وهذا طريق الجمع بين قوله سَيَهْدِينِ وقوله في الأخرى فَهُوَ يَهْدِينِ ولولا دخول الفاء على الفعل لكان هذا الذي ذكرته هو الوجه، ولكن الفاء المسببة دلت بدخولها على محذوف هو السبب، وقطعت الفعل عن الظرف المتقدم، فوجب تقدير المحذوف عاملا فيه لينتظم بتقديره عاملا أمران: مصادفة الظرف للعامل والفعل المعلل لعلته، فتعين ما ذكره الزمخشري لأجل الفاء لا لتنافى الدلالتين.
والله أعلم.

صفحة رقم 300

مستقيم أن يكون فَسَيَقُولُونَ هو العامل في الظرف، لتدافع دلالتى المضي والاستقبال، فما وجه هذا الكلام؟ قلت: العامل في إذ محذوف، لدلالة الكلام عليه، كما حذف من قوله فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وقولهم: حينئذ الآن، وتقديره: وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم، فسيقولون هذا إفك قديم، فهذا المضمر صحّ به الكلام، حيث انتصب به الظرف وكان قوله فَسَيَقُولُونَ مسببا عنه كما صحّ بإضمار أنّ قوله حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ لمصادفة حَتَّى مجرورها، والمضارع ناصبه. وقولهم إِفْكٌ قَدِيمٌ كقولهم: أساطير الأوّلين كِتابُ مُوسى مبتدأ ومن قبله ظرف واقع خبرا مقدما عليه، وهو ناصب إِماماً على الحال، كقولك: في الدار زيد قائما.
وقرئ: ومن قبله كتاب موسى، على: وآتينا الذين قبله التوراة. ومعنى إِماماً: قدوة يؤتم به في دين الله وشرائعه، كما يؤتم بالإمام وَرَحْمَةً لمن آمن به وعمل بما فيه وَهذا القرآن كِتابٌ مُصَدِّقٌ لكتاب موسى. أو لما بين يديه وتقدّمه من جميع الكتب. وقرئ:
مصدق لما بين يديه. ولِساناً عَرَبِيًّا حال من ضمير الكتاب في مصدق، والعامل فيه مُصَدِّقٌ ويجوز أن ينتصب حالا عن كتاب «١» لتخصصه بالصفة، ويعمل فيه معنى الإشارة. وجوّز أن يكون مفعولا لمصدق، أى: يصدق ذا لسان عربى وهو الرسول. وقرئ: لينذر بالياء والتاء، ولينذر: من نذر ينذر إذا حذر وَبُشْرى في محل النصب معطوف على محل لينذر، لأنه مفعول له.

(١). أجاز محمود في نصبه أن يكون حالا عن كتاب لتخصصه بالصفة... الخ. قال أحمد: وجهان حسنان أعززهما بثالث: وهو النصب على الاختصاص، وهذه الوجوه في قوله تعالى فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا، والله أعلم.

صفحة رقم 301
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية