آيات من القرآن الكريم

رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ
ﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑ

سورة الدخان
هى مكية، وآيها تسع وخمسون، نزلت بعد الزخرف.
ومناسبتها لما قبلها من وجوه:
(١) إنه تعالى ختم ما قبلها بالوعيد والتهديد، وافتتح هذه بالإنذار الشديد.
(٢) إنه تعالى حكى فيما قبلها قول رسوله صلّى الله عليه وسلم: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، وحكى هنا عن أخيه موسى: «فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ».
(٣) إنه قال فيما سلف «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ»، وحكى هنا عن موسى «إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ، وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ»، وهو قريب من ذلك.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩)
تفسير المفردات
ليلة مباركة: هى ليلة القدر، منذرين: أي مخوّفين، يفرق: أي يفصل ويبين، حكيم: أي محكم لا يستطاع أن يطعن فيه بحال، موقنين أي تطلبون اليقين وتريدونه كما يقال منجد متهم: أي يريد نجدا وتهامة.

صفحة رقم 118

المعنى الجملي
أقسم جلت قدرته بكتابه الكريم المبين لما فيه صلاح البشر إنه أنزل القرآن فى ليلة القدر لإنذار العباد وتخويفهم من عقابه، وإن هذه الليلة يفصل فيها كل أمر حكيم، فيبين فيها التشريع النافع للعباد فى دنياهم وآخرتهم، وهو رب السموات والأرض وما بينهما فلا تخفى عليه خافية من أمرهم، وهو الذي بيده إحياؤهم وإماتتهم، وهو ربهم ورب آبائهم الأولين، ولكنهم يمترون بعد أن وضح الحق، وأفصح الصبح لذى عينين.
الإيضاح
(حم) أسلفنا الكلام فى مثل هذا من قبل:
(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) أقسم ربنا جلت قدرته بكتابه المجيد إنه بدأ ينزل القرآن فى ليلة مباركة هى ليلة القدر التي هى خير من ألف شهر كما جاء فى قوله «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» من شهر رمضان كما قال سبحانه «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ».
والخلاصة- إن بدء نزوله كان فى ليلة القدر ثم نزل منجما بعد ذلك فى ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع حالا فحالا، وقد عقد السيوطي فى كتابه «الإتقان» أبوابا لنزول القرآن فقال: باب ما نزل منه صيفا. باب ما نزل منه شتاء. باب ما نزل منه سفرا. باب ما نزل منه حضرا. باب ما نزل منه فى الأرض. باب ما نزل منه فى السماء. باب ما نزل منه بين الأرض والسماء. باب ما نزل منه بمكة. باب ما نزل منه بالمدينة. باب ما نزل بين مكة والمدينة- إلى آخر ما قال فليراجع فإن فيه فوائد نفيسة.

صفحة رقم 119

ثم بين السبب فى إنزاله فقال:
(إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) أي إنا كنا معلمين الناس ما ينفعهم فيعملون به، وما يضرهم فيجتنبونه، لتقوم حجة الله على عباده.
ثم بين سبب تخصيص نزوله بتلك الليلة فقال:
(فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) أي فى هذه الليلة بدأ يبين سبحانه ما ينفع عباده من أمور محكمة لا تغيير فيها ولا تبديل. بإنزاله ذلك التشريع الكامل الذي فيه صلاح البشر وهدايتهم وسعادتهم فى دنياهم وآخرتهم، ولا غرو فهى من لدن حكيم عليم بما يصلح شئون عباده فى معاشهم ومعادهم.
ثم بيّن السر فى نزول القرآن على لسان رسوله فقال:
(إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي إنا أرسلنا الرسول به رحمة منا لعبادنا حتى يستبين لهم ما يضرهم وما ينفعهم وحتى لا يكون لهم حجة بعد إرسال الرسول به.
ثم أكد ربوبيته بقوله:
(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي إنه إنما فعل تلك الرحمة، لأنه هو السميع لأقوالهم، العليم بما يصلح أحوالهم، فلا عجب أن أرسله إليهم لحاجتهم إليه.
ثم أكد العلة فى سمعه للأشياء وعلمه بها فقال:
(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أي إنه هو السميع لكل شىء العليم به، لأنه مالك السموات والأرض وما فيهمان كنتم تطلبون معرفة ذلك معرفة يقين لا شك فيه.
وبعد أن أثبت ربوبيته ووحدانيته ذكر فذلكة لذلك فقال:
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي هو الإله الذي لا تصلح العبادة إلا له، وهو المحيي المميت، فيحيى ما يشاء مما يقبل الحياة، ويميت ما يشاء عند انتهاء ما قدر له من الأجل.

صفحة رقم 120
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية