آيات من القرآن الكريم

فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

لهم الذكرى بقرينة قوله «وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه» أي كيف يذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوا به من الإيمان عند كشف العذاب عنهم وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الادّكار من كشف الدخان وهو ما ظهر على يد رسول الله ﷺ من الآيات البيّنات ومن الكتاب المعجز وغيره فلم يذكروا وأعرضوا عنه والواو حالية وقد حرف تحقيق وجاءهم رسول فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر ومبين صفة (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) ثم حرف عطف وتولوا فعل وفاعل والعطف على محذوف أي فلم يذكروا ثم تولوا وعنه متعلقان بتولوا وقالوا عطف على تولوا ومعلم خبر لمبتدأ محذوف أي هو معلم بفتح اللام المشددة اسم مفعول من علم أي يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في سورة النحل ومجنون خبر ثان (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ) إن واسمها وكاشفوا العذاب خبرها وقليلا ظرف زمان متعلق بكاشفوا وإن واسمها وعائدون خبرها (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) يوم ظرف متعلق بمحذوف دلّ عليه إنّا منتقمون أي ننتقم واقتصر على هذا الإعراب الزمخشري وأجاز غيره أن يكون بدلا من يوم تأتي وقيل منصوب بإضمار اذكر وقيل بمنتقمون وردّ الزمخشري هذا الوجه بأن إن تحجب عن ذلك وجملة نبطش في محل جر بإضافة الظرف إليها والبطشة مفعول مطلق والكبرى صفة وإن واسمها ومنتقمون خبرها.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١٧ الى ٢٩]
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١)
فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦)
وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩)

صفحة رقم 122

اللغة:
(فَتَنَّا) بلونا وامتحنّا أي فعلنا بهم فعل الممتحن الذي يريد أن يعلم بحقيقة ذلك الشيء، وذلك الامتحان كان بزيادة الرزق والتمكين في الأرض ففسدوا واستطالوا في الغيّ وركوب متن الضلال.
(رَهْواً) قال في الكشاف: «الرهو فيه وجهان: أحدهما أنه الساكن قال الأعشى:

يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة ولا الصدور على الأعجاز تتكل
أي مشيا ساكنا على هنية، أراد موسى لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق كما ضربه فانفلق فأمر بأن يتركه ساكنا على هنية قارا على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق يبسا لا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئا ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم. والثاني أن الرهو الفجوة الواسعة وعن بعض العرب أنه رأى جملا فالجا فقال سبحان الله رهو بين سنامين أي اتركه على حاله منفرجا» فهو في الأصل مصدر رها يرهو رهوا كعدا يعدو عدوا إما بمعنى سكن وإما بمعنى انفرج وانفتح

صفحة رقم 123

وفي المختار: «رها بين رجليه أي فتح وبابه عدا، ورها البحر سكن وبابه عدا أيضا».
(فاكِهِينَ) طيبي الأنفس أو أصحاب فاكهة كلابن وتامر وقد مرت هذه الصيغة وعبارة القاموس «الفاكهة الثمر كله والفاكهاني بائعها وكخجل آكلها والفاكه صاحبها وفكههم تفكيها أطرفهم بها والاسم الفكيهة والفكاهة بالضم وفكه كفرح فكها فهو فكه وفاكه طيب النفس ضحوك أو يحدّث صحبه فيضحكهم».
الإعراب:
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) كلام مستأنف مسوق للشروع في ضرب الأمثلة لهم بمن تقدمهم من الأقوام واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وفتنا فعل ماض وفاعل وقبلهم ظرف متعلق بفتنا وقوم فرعون مفعول به، وجاءهم: الواو عاطفة وجاءهم فعل ماض ومفعول به مقدم ورسول فاعل وكريم صفة (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) أن يجوز أن تكون مفسّرة لأن مجيء الرسل متضمن معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية وهي مع مدخولها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بجاءهم ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة أدّوا إليّ خبر وعباد الله منادى مضاف محذوف منه حرف النداء فيكون المراد بعباد الله القبط، واختار الزمخشري أن تكون عباد الله مفعولا به وهم بنو إسرائيل يقول أدّوهم إليّ وأرسلوهم معي ويؤيد هذا ما جاء في سورة الشعراء «فأتيا فرعون فقولا إنّا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل» وإن واسمها ولكم متعلقان بمحذوف حال ورسول خبر إنّي وأمين صفة (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) الواو عاطفة

صفحة رقم 124

وأن عطف على أن الأولى ويجوز فيها من الأوجه ما جاز في الأولى ولا ناهيه وتعلو فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون وعلى الله متعلقان بتعلوا وإن واسمها وجملة آتيكم خبرها وبسلطان متعلقان بآتيكم ومبين صفة والجملة تعليلية للنهي لا محل لها (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) الواو حرف عطف على بربي وإن واسمها وجملة عذت خبرها وربي متعلقان بعذت وربكم عطف على بربي وأن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بعذت أي من أن ترجمون وياء المتكلم المحذوفة مفعول ترجمون (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) الواو عاطفة وإن شرطية ولم حرف نفي وقلب وجزم وتؤمنوا فعل الشرط والفاء رابطة وجملة اعتزلون في محل جزم جواب الشرط واقترنت الجملة بالفاء وجوبا لأنها طلبية ولا ترسم الياء أيضا لأنها من آيات الزوائد (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) الفاء حرف عطف والكلام معطوف على مقدّر قدّره الجلال بقوله فلم يتركوه، ودعا ربه فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به وأن ومدخولها في محل نصب بنزع الخافض أي بأن هؤلاء والجار والمجرور متعلقان بدعا وأن واسمها وخبرها ومجرمون صفة لقوم (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) الفاء الفصيحة وهي الواقعة جوابا لشرط مقدّر كأنه قال: إن كان الأمر كما تقول فأسر وبعبادي متعلقان بأسر وليلا ظرف زمان متعلق بأسر أيضا وإن واسمها وخبرها والجملة تعليل للأمر بالإسراء وهو السير ليلا (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) الواو عاطفة واترك فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ورهوا حال أو مفعول به ثان لاترك وإن واسمها وخبرها والجملة تعليل للأمر بالترك (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) الكلام مرتبط بمقدّر لا بدّ منه ليلتئم نظام الكلام والتقدير فاطمأن موسى بذلك فتمّ إغراقهم، وكم خبرية في محل نصب مفعول به مقدّم لتركوا ومن جنات

صفحة رقم 125

وعيون في محل نصب على الحال (وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) عطف على جنات وعيون والمقام الكريم يراد به مجالسهم الحافلة التي كانوا يقيمونها ومحافلهم الهانئة التي كانوا يلتفّون فيها (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) عطف أيضا وهو من عطف العام على الخاص لأن النعمة لا تشمل جميع ما تقدم وغيره مما لم يذكر وجملة كانوا صفة لنعمة وفيها متعلقان بفاكهين وفاكهين خبر كانوا (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) كذلك خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر كذلك وقال الزمخشري: «الكاف منصوبة على مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها» فهي عنده في موضع المفعول المطلق وقال أبو البقاء تركا كذلك فجعله نعتا للترك المحذوف، والواو حرف عطف وأورثناها فعل وفاعل ومفعول به والجملة عطف على كم تركوا وقوما مفعول به ثان وآخرين نعت لقوما (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) الفاء عاطفة والكلام معطوف على جملة أغرقوا
المقدّرة وبكت عليه السماء والأرض فعل وفاعل وما نافية وكانوا منظرين كان واسمها وخبرها.
البلاغة:
معنى بكت عليهم السماء والأرض: في قوله «فما بكت عليهم السماء والأرض» استعارة مكنية تخييلية شبّه السماء والأرض بمن يصحّ منه الاكتراث ثم حذف المشبه به وهو من يصحّ منه الاكتراث واستعار له شيئا من لوازمه وهو البكاء والمعنى أنهم لم يكونوا يعملون عملا صالحا ينقطع بهلاكه فتبكي الأرض لانقطاعه وتبكي السماء لأنه لم يصعد إليها شيء من ذلك العمل الصالح بعد هلاكهم وجعله بعضهم مجازا مرسلا عن الاكتراث بهلاك الهالك والعلاقة السببية، ذكر المسبب وأراد السبب فإن الاكتراث المذكور سبب يؤدي إلى البقاء عادة.

صفحة رقم 126

قال أبو حيان: فما بكت عليهم السماء والأرض استعارة لتحقير أمرهم وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء ويقال في التعظيم بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح وأظلمت له الشمس وقال زيد بن مفزع:
الريح تبكي شجوها... والبرق يلمع في غمامه
وقال جرير:
فالشمس طالعة ليست بكاسفة... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
ولا مندوحة لنا عن أن نتناول بيت جرير بالشرح والإعراب فقد شغل النقاد كثيرا وهو من قصيدة يرثي بها عمر بن عبد العزيز وقبله:
نعى النعاة أمير المؤمنين لنا... يا خير من حج بيت الله واعتمرا
حملت أمرا عظيما فاضطلعت به... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
فالشمس طالعة (البيت) وقوله يا خير حكاية قول النعاة أي قائلين يا خير ويحتمل أنه من كلام الشاعر ففيه التفات، والنعي النداء بالموت، والأمر العظيم الخلافة ومشاقها وأعباؤها شبهها بالأمر المحسوس الذي يحمل على طريق الاستعارة المكنية والتحميل تخييل للاستعارة، وأمر الله شرعه، وفي هذا البيت أقوال منها أن فيه تقديما وتأخيرا وأن نجوم الليل والقمر منصوبان بكاسفة لا بقوله تبكي وتقديره ليست بكاسفة نجوم الليل ولا القمر تبكي عليك وإذا كانت غير كاسفة لغيرها من الكواكب كانت غير مضيئة فهي سوداء مظلمة والزمان كله ليل وهذا في غاية ما يكون من المبالغات في المراثي ومن أجود ما قيل في الرثاء، وطالعة خبر الشمس وليست بكاسفة خبر ثان وتبكي عليك حال أو خبر ثالث ونجوم الليل مفعول كاسفة أي لم تكسف الشمس نجوم الليل لانطماسها وقلّة ضوئها

صفحة رقم 127
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية