سُورَةُ الشُّورَى.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكَ يُوحِي) : يُقْرَأُ بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ عَلَى مَا سُمِّيَ فَاعِلُهُ، وَالْفَاعِلُ (اللَّهُ) وَمَا بَعْدَهُ نَعْتٌ لَهُ، وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيُوحِي. وَيُقْرَأُ عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ؛ وَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ «كَذَلِكَ» مُبْتَدَأٌ وَ «يُوحِي» الْخَبَرُ، وَ «اللَّهُ» : فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ يُوحِي؟ فَقَالَ: اللَّهُ؛ وَمَا بَعْدَهُ نَعْتٌ لَهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «الْعَزِيزُ» مُبْتَدَأً، وَ «الْحَكِيمُ» نَعْتٌ لَهُ، أَوْ خَبَرٌ. وَ «لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ» خَبَرٌ، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ «كَذَلِكَ» نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ وَ «إِلَيْكَ» الْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ؛ أَيْ وَحْيًا مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَرِيقٌ) : هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ بَعْضُهُمْ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَبَعْضُهُمْ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: مِنْهُمْ فَرِيقٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالظَّالِمُونَ) : هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ؛ وَلَمْ يَحْسُنِ النَّصْبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجُمْلَةِ بَعْدَهُ فِعْلٌ يُفَسِّرُ النَّاصِبَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكُمُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَ «اللَّهُ» عَطْفُ بَيَانٍ، أَوْ بَدَلٌ، وَ «رَبِّي» الْخَبَرُ. وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ الْخَبَرَ، وَرَبِّي خَبَرٌ ثَانٍ، أَوْ بَدَلٌ؛ أَوْ يَكُونَ صِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَ «عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ» : الْخَبَرُ.
قَالَ تَعَالَى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ) أَيْ هُوَ فَاطِرٌ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا آخَرَ.
وَيُقْرَأُ بِالْجَرِّ بَدَلًا مِنَ الْهَاءِ فِي «عَلَيْهِ». وَالْهَاءُ: فِي «فِيهِ» ضَمِيرُ الْجَعْلِ، وَالْفِعْلُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْمَخْلُوقِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ يَذْرَؤُكُمْ.
وَالْكَافُ فِي «كَمِثْلِهِ» زَائِدَةٌ؛ أَيْ لَيْسَ مِثْلُهُ شَيْءٌ؛ فَمِثْلُهُ خَبَرُ لَيْسَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً لَأَفْضَى إِلَى الْمُحَالِ؛ إِذْ كَانَ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ لَهُ مِثْلًا؛ وَلَيْسَ لِمَثَلِهِ مِثْلٌ، وَفِي ذَلِكَ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ فَلِمَثَلِهِ مِثْلٌ، وَهُوَ هُوَ مَعَ أَنَّ إِثْبَاتَ الْمِثْلِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مُحَالٌ.
وَقِيلَ: «مِثْلِ» زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَيْسَ كَهُوَ شَيْءٌ، كَمَا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ) [الْبَقَرَةِ: ١٣٧]. وَقَدْ ذُكِرَ؛ وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ.
قَالَ تَعَالَى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)).