
سورة الشورى
وتسمى سورة حم عسق، وهي مكية عند الجمهور، وحكى عن ابن عباس أنها مكية إلا أربع آيات أولها قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً وقيل: المدني من قوله تعالى ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ إلى قوله: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ومن قوله: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ.. إلى قوله: ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ والأفضل قول الجمهور.
وهذه السورة كأخواتها المكية يدور بحثها حول التوحيد والنبوة وإثبات البعث، وركزت أبحاثها في القرآن المنزل على محمد من عند الله الموصوف بصفات الكمال والجلال والقدرة والعلم والحكمة، وإثبات أن هذا الشرع المحمدي يتفق مع الشرائع السابقة في الأصول العامة، فلا عذر لمن كفر ولا حجة له، مع تهديدهم ببيان ما أعد للكفار، وما أعد للمؤمنين، مع ذكر بعض آياته، وبيان أن كل أفعاله موافق للحكمة والمصلحة، مع بيان صفات المؤمنين وصفات غيرهم، وقد بدأ السورة بالكلام على الوحى وختمها كذلك ببيان كيفية اتصاله بالأنبياء.
الذي أوحى بهذا القرآن هو الله [سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) صفحة رقم 355

المفردات:
حم عسق تقرأ هكذا: حا ميم. عين سين قاف، بإدغام النون في القاف، وهي كأخواتها من الحروف التي بدأت بها السور إلا أن هنا جعلت حم آية، وعسق آية ثانية، والمعروف أن كل بدء السور آية واحدة مثل كهيعص أول سورة مريم، والمر أول سورة الرعد فلسائل أن يقول: لماذا هذا التفريق؟ والجواب أن ذلك مما استأثر الله بعلمه. وهو أعلم بكتابه يَتَفَطَّرْنَ: يتشققن حَفِيظٌ أى:
حافظ ومحص عليهم أعمالهم.
المعنى:
حم. عسق. كما أوحى إليك هذه السورة العظيمة الشأن الشريفة المقصد يوحى إليك غيرها من القرآن، ويوحى إلى الذين من قبلك الكتب القديمة «١»
فالكل من الله، ويهدف إلى دعوة الخلق إلى التوحيد والعدل وإثبات الرسالة عن الله، وتقرير مبدأ المعاد والثواب والعقاب، وإن شئت فاقرأ سورة الأعلى وختامها إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى تجدها تهدف إلى مبدأ التوحيد أولا ثم النبوة ثانيا، ثم المعاد ثالثا، ثم تختم بقوله: إن هذا لفي الصحف الأولى.
ومن الذي أوحى بهذه السورة وأخواتها في القرآن الكريم؟ إنه هو الله- جل جلاله، وتباركت أسماؤه- العزيز في ملكه لا يغلبه غالب، القادر على كل شيء الحكيم في كل صنع، العالم بجميع المعلومات، الغنى عن الحاجات، سبحانه وتعالى لا إله إلا هو، له الملك، وإليه الأمر، في هذا الكون كله، سمائه وأرضه، فقدرته كاملة نافذة في جميع أجزاء السموات على عظمتها وسعتها إيجادا وإعداما، وتكوينا وإنشاء، وهو العلى المتعالي عما يقوله الظالمون، صاحب العظمة والأمر.