آيات من القرآن الكريم

اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۚ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

الله، وليس للأصنام التي كانوا يعبدونها بقصد الشافعة لهم عند الله أي مجال في الشفاعة: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ [غافر ٤٠/ ١٨]، ومن أضلّه الله وخذله، فلا طريق له يصل به إلى الحق في الدنيا والجنة في الآخرة، لانسداد طريق النّجاة عليه.
الاستجابة لنداء الله مالك السموات والأرض
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)
الإعراب:
لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ لا: نافية للجنس، ومَرَدَّ: اسمها المبني على الفتح، والجارّ والمجرور الأول: صفة له، والآخر: خبره.
وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً يَجْعَلُ: بدل من يَخْلُقُ بدل البعض من الكلّ.
البلاغة:
يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً فيها ما يسمى بالتّقسيم.

صفحة رقم 97

المفردات اللغوية:
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ أجيبوا نداء ربّكم إلى ما فيه نجاتكم بالتّوحيد والعبادة الخالصة لله. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ هو يوم القيامة. لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ لا يردّه الله بعد ما حكم به، فيكون مِنَ اللَّهِ صلة لا مَرَدَّ ويصح كونه صلة ل: يَأْتِيَ أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على ردّه. مَلْجَإٍ مأمن أو منجى أو ملاذ تلجؤون إليه. نَكِيرٍ إنكار لذنوبكم يومئذ.
فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الإجابة فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً رقيبا أو محاسبا لأعمالهم.
إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ ما عليك إلا تبليغ الرسالة، وقد بلّغت. رَحْمَةً نعمة كالصحّة والغنى. وَإِنْ تُصِبْهُمْ الضمير يعود لجنس الإنسان. سَيِّئَةٌ بلاء من مرض أو فقر أو خوف أو موت عزيز مثلا. بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ بما قدّموا لأنفسهم من ذنوب وآثام، وعبّر بالأيدي، لأن أكثر الأفعال تزاول بها. كَفُورٌ جحود للنّعمة، نسّاء لها، ذكّار للبلية، يذكر البلية ويعظمها ولا يتأمل سببها. وهذا وإن اختصّ بالمجرمين من الناس، جاز إسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه.
يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً الله المالك يهب ويمنح بعض الناس إناثا فقط أو ذكورا فقط، أو يجعل لهم الذّكور والإناث، أو يجعل من يشاء عقيما، فلا يلد ولا يولد له. والمعنى: يجعل أحوال العباد في الأولاد أربعة أصناف مختلفة على مقتضى المشيئة، ولعل تقديم الإناث، لتكثير النسل وتطييب قلوب الآباء، والتّكريم والاهتمام ردا على العرب الذين يعدّونهن بلاء. وعرف الذُّكُورَ للمحافظة على فواصل الآيات على نسق واحد: نَكِيرٍ، كَفُورٌ، الذُّكُورَ. إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ إنه تعالى يفعل بحكمه واختيار، عليم بما يخلق، قدير على ما يشاء.
المناسبة:
بعد الإفاضة في وعد المؤمنين ووعيد الكافرين وبيان أحوال الكفار أمام النار، ذكر الله تعالى الهدف والغاية، وهو الاستجابة لدعوة الله إلى التوحيد والعبادة الخاصة، محذّرا من أهوال القيامة، ومبيّنا أنهم إن أعرضوا عن دعوته، فلا يؤبه بهم، وأن من شأن الإنسان جحود النعمة، لبيان سبب إعراضهم

صفحة رقم 98

وإصرارهم على مذاهبهم الباطلة، ثم ذكر تعالى مثلا من تقسيم هبات الأولاد ليكون دليلا على تصرف الله في العالم.
التفسير والبيان:
يحذّر تعالى من أهوال يوم القيامة، ويأمر بالاستعداد له، فيقول:
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ أي أجيبوا دعوة ربّكم إلى الإيمان به وبكتبه ورسله، واتّبعوا ما جاءكم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من قبل مجيء يوم يكون كلمح البصر، ليس له دافع، ولا مانع، فلا يردّه أحد، أو لا يردّه الله بعد أن حكم به، وهو يوم القيامة. واستجاب وأجاب بمعنى واحد.
ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ أي ليس لكم فيه حصن أو ملجأ تتحصّنون أو تلجؤون إليه، ولا تجدون يومئذ من ينكر ما ينزل بكم من العذاب، ولا تقدرون إنكار شيء مما اقترفتموه من السّيئات، لرصده في صحفكم، وشهادة ألسنتكم وجلودكم به، فلا ملجأ من الله إلا إليه، كما قال تعالى: يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ: أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ كَلَّا لا وَزَرَ، إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ.
والنّكير بمعنى المنكر، كالأليم بمعنى المؤلم، أو بمعنى الإنكار، أي إنكار ما ينزل بهم من العذاب، والنّكير والإنكار: تغيير المنكر.
فَإِنْ أَعْرَضُوا، فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ أي فإن أعرض المشركون عن إجابة دعوة الله ورسوله، فما أرسلناك أيها الرّسول موكّلا بهم، رقيبا عليهم، تحفظ أعمالهم وتحصيها، حتى تحاسبهم عليها، فما عليك إلا تبليغ ما أرسلناك به، وليس عليك غيره.
ونظائر الآية كثير، مثل: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية ٨٨/ ٢٢]،

صفحة رقم 99

ومثل: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [البقرة ٢/ ٢٧٢]، ومثل: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ، وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [الرّعد ١٣/ ٤٠].
وهذا كله تسلية من الله تعالى لرسوله، ثم بيّن الله تعالى سبب إصرارهم على مذاهبهم الباطلة وهو طبع الإنسان، فقال:
وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ أي وإننا إذا أعطينا الإنسان منا نعمة، وغمرناه بالرّخاء كالصّحة والأمن وسعة الرّزق، فرح بذلك، وإن أصيب الناس بسيئة، كجدب ونقمة، وبلاء وشدّة، ومرض أو فقر، بسبب ما اقترف من المعاصي والذنوب، فإن الإنسان جحود ما تقدّم من النّعم، ينساها ولا يذكرها بسبب الضّر الواقع عليه، ولا يعرف إلا الساعة الراهنة، فإن أصابته نعمة بطر وأشر، وإن أصابته محنة يئس وقنط. والكفور: المبالغ في كفران النّعم.
ويظهر أثر هذا في الواقع المتكرر من أكثر النّساء، كما
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للنّساء فيما أخرجه مسلم وابن ماجه عن ابن عمر: «يا معشر النّساء، تصدّقن، فإني رأيتكنّ أكثر أهل النار، فقالت امرأة: ولم يا رسول الله؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم:
لأنكنّ تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير- الزوج-، لو أحسنت إلى إحداهنّ الدهر، ثم تركت يوما قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ»
.
أما المؤمن الصالح فشأنه كما
قال صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه أحمد ومسلم عن صهيب: «إن أصابته سرّاء، شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء، صبر، فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن».
ثمّ حذّر تعالى من الاغترار بالدنيا، وما ملكه الإنسان من المال والجاه، فقال مبيّنا أن الكلّ ملك الله ونعم الله:

صفحة رقم 100

لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي إنه تعالى خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرّف فيهما بما يريد، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
يَخْلُقُ ما يَشاءُ، يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً، إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ أي إنه تعالى يخلق ما يشاء من الخلق والأولاد، فيرزق من يشاء البنات فقط، ويرزق من يشاء البنين فقط، ويعطي من يشاء من الناس الصنفين معا الذّكر والأنثى، فالتّزويج هنا: الجمع بين البنين والبنات، ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له، لأن الملك ملكه، ويمنح على وفق الحكمة والمصلحة، فإنه سبحانه عليم بمن يستحق كلّ صنف أو قسما من هذه الأقسام، بليغ عظيم القدرة على ما يريد من تفاوت الناس في ذلك، على حسب الحكمة والعلم. يقال: رجل عقيم، وامرأة عقيم.
وإنما قدّم الله تعالى أولا الإناث اهتماما وعناية من الله بهنّ بسبب ضعفهنّ، وردّا على العرب في النّفور من الأنثى، والفرح بالذّكور. وعبّر عن الإناث بالتّنكير وعن الذّكور بالتّعريف، للتّنبيه على كون الذّكر أفضل من الأنثى.
وقال في إعطاء الإناث وحدهنّ، وفي إعطاء الذّكور بلفظ الهبة: يَهَبُ وقال في إعطاء الصّنفين معا: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ للدلالة على الاقتران، أي أنه تعالى يقرن الإناث والذّكور فيجعلهم أزواجا، وكل شيئين يقرن أحدهما بالآخر فهما زوجان.
وأما التّعبير بالعقم فللدلالة على قدرة الله في منع الولد مع توافر الأسباب الظاهرة.
وأكثر المفسّرين على أن هذا الحكم عام في حقّ كلّ الناس، إذ لا معنى

صفحة رقم 101

للتّخصيص، ولأن المقصود بيان نفاذ قدرة الله في تكوين الأشياء كيف شاء وأراد، لكنهم ذكروا أمثلة لكل حالة، لتكون سلوة المكروب والمحزون، فمثال الحالة الأولى: لوط وشعيب عليهما السّلام لم يكن لهما إلا البنات فكان للوط بنتان، ومثال الحالة الثانية: إبراهيم عليه السّلام لم يكن له إلا الذّكور وهم ثمانية، ومثال الحالة الثالثة: محمد صلّى الله عليه وسلّم كان له من البنين أربعة: القاسم والطاهر وعبد الله وإبراهيم، ومن البنات أربعة: زينب ورقيّة وأم كلثوم وفاطمة، وكلهم من خديجة رضي الله عنها ما عدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، ومثال الحالة الرابعة: عيسى ويحيى عليهما السّلام. قال واثلة بن الأسقع: إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذّكر، وذلك أن الله تعالى قال: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ فبدأ بالإناث.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- على البشر كافة إجابة ما دعاهم الله إليه من الإيمان به والطاعة، قبل مفاجأتهم بيوم القيامة الذي لا يردّه أحد بعد ما حكم الله به، وجعله أجلا ووقتا معلوما لديه، ولا منجا ينجي أحدا من العذاب، ولا ناصر ينصر.
٢- إن أعرض الناس عن الإيمان، فليس الرّسول صلّى الله عليه وسلّم موكّلا بهم يستطيع إكراههم على الإيمان، ولا حافظا لأعمالهم حتى يحاسبهم عليها، إنما عليه التبليغ فقط.
٣- طبع الإنسان الكافر عجيب غريب، يفرح ويبطر عند الرحمة والرخاء والصحة والمتعة، ويجحد النعمة عند البلاء والشدّة بسبب ما اقترف من الذّنوب، فيعدد المصائب وينسى النّعم.

صفحة رقم 102
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية