
الشهادة، وشرب الخمر، وترك الصلاة عامداً، أو شيئاً مما افترض الله سبحانه، ونقض العهد، وقطيعة الرحم.
وقال السدي: الفواحش: الزنا.
وقوله: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ﴾، أي: إذا غضبوا على من أساء إليهم غفروا وصفحوا له.
قوله: ﴿والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾، أي: أجابوه حين دعاهم رسوله ﷺ إلى الإيمان به والعمل بطاعته.
﴿وَأَقَامُواْ الصلاة﴾ يعني: المفروضة أقاموها بحدودها في أوقاتها.
ثم قال: ﴿وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ﴾، أي: إذا عرض لهم أمر تشاوروا فيه بينهم.
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾، يعني: في الصدقات، وفعل الخير، وفي سبيل الله تعالى، وإخراج الزكاة المفروضة عليهم.
وقال ابن زيد: نزلت ﴿والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ﴾ - الآية " في الأنصار.
ثم قال تعالى: ﴿والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾، أي: والذين إذا بغى

عليهم باغ انتصروا لأنفسهم، يعني: من المشركين، قاله ابن زيد.
وقال السدي: هي في كل باغ أبيح الانتصار منه.
وقال النخعي: " كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق ".
وروى حذيفة عن النبي ﷺ أنه قال: " لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ. قِيلَ: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قال: يَتَكَلَّفُ من البَلاَءِ (مَا لاَ يُطِيقُ) ".
ثم قال تعالى: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾، أي: وجزاء سيئة المسيء عقوبته على ما أوجبه الله عليه.
ولهذه الآية ونظيرها أجاز الشافعي وأهل الرأي أن يأخذ الرجل من مال من

خانه (مثل ما خانه به من) غير رأيه.
واستدلوا على صحة ذلك بقوله النبي ﷺ لهند زوج أبي سفيان: " خذي من ماله ما يكفيك وولدك ".
وأجاز لها أن تأخذ من ماله ما يجب لها من غير رأيه.

ولم يجز ذلك مالك إلا بعلمه.
وسميت الثانية " سيئة " وليس الذي (يعملها مسيئاً) لأنها مجازاة على الأول. فسميت باسمها وليست بها.
وروي أن ذلك: أن يجاب القائل الكلمة القذعة بمثلها.
وقال ابن أبي نجيح: هو مثل أن يقول القائل: أخزاه الله، فيقول له المجيب مثل ذلك.
وقال السدي: إذا شتمك فاشتمه بمثل ما شتمك من غير أن تعدي.
قال ابن زيد: ﴿والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾، يعني: من المشركين، ثم قال: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله﴾ قال: معناه: ليس آمركم أن تعفوا عنهم لأني لا أحبهم، أي: لا أحب الظالمين، يعني: المشركين، فمن فعل فالله

يثيبه على ما آذاه به المشركون، قال: ثم نسخ هذا كله، وأمر بالجهاد.
والآية على القول الأول محكمة عامة، مثل قوله: ﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤]
والمعنى: فمن عفا عمن أساء إليه فغفر له ابتغاء وجه الله سبحانه وهو قادر على العقوبة فالله مثيبه.
ويكون معنى قوله: ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين﴾ على هذا القول، أي: إنه لا يحب من يتعدى على الناس فيسيء إليهم بغير إذن الله تعالى له.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ﴾، أي: ومن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه إياه، فلا سبيل للمنتصر منه على المنتصر بعقوبة ولا أذى، لأنهم انتصروا بحق وجب لهم على من تعدى عليهم.
وقال قتادة: " فيما يكون بين الناس من القصاص، فأما لو ظلمك رجل لم يحل لك أن تظلمه ".

وقال الحسن: هذا في الرجل يلقيك فتلقيه، ويسبك فتسبه، ما لم يكن حدا، أو كلمة لا تصلح.
وقال ابن زيد: عنى بذلك، الإنتصار من أهل الشرك. وقال: هو منسوخ. - يريد نسخ بالأمر بالجهاد - قال: ونزل في أهل الإسلام ﴿ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤].
والقول الأول هو أن الآية محكمة / غير منسوخة. عنى بها كل منتصر ممن ظلمه وعليه أكثر العلماء، لأن النسخ لا يحكم عليه إلا بدليل قاطع أو إجماع أو نص من سنة.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق﴾، أي: إنما سبيل العقوبة على الذين يظلمون الناس ويتجاوزون في أرض الله تعالى الحد الذي أباح لهم ربهم فيفسدون فيها بغير الحق.
﴿أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، أي: مؤلم، يعني: في الآخرة بعد عقوبة الدنيا.
وقال ابن زيد عن أبيه: هي من المشركين وهي منسوخة بقوله: ﴿ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت: ٣٤].

وكان مالك لا يرى تحليل الظالم، ويرى تحليل من لك عليه دين ومات لا وفاء له به. وكان ابن المسيب لا يرى تحليله.
وقال عبيد الله بن عمير: ورب هذا البيت لا يعذب الله تعالى إلا مشركاً أو ظالماً لعباده، ثم قرأ: " إنما السبيل، الآية ".
ثم قال: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾، أي: ولمن صبر على إساءة من أساء إليه، وغفر للمسيئ إليه جرمه فلم ينتصر منه وهو قادر على ذلك ابتغاء وجه الله تعالى وجزيل ثوابه، إن ذلك الفعل منه لمن عزم الأمور، لمن أعالي الأمور التي ندب الله إلى

فعلها عبادة ومن أجلها، وذلك فعل الوارعين.
ثم قال: ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ﴾، أي: ومن يخذله الله فلا يوفقه إلى الهدى فليس من ولي يوليه فيهديه من بعد إضلال الله له.
ثم قال: ﴿وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ﴾، هذا مثل قوله:
﴿وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً﴾ [السجدة: ١٢] استعتبوا في غير حين استعتاب، وسألوا الرجوع إلى الدنيا حين لا يقبل منهم، وبادروا إلى التوبة حين لا تنفعهم.
" ومن " في قوله: ﴿وَلَمَن صَبَرَ﴾ مبتدأ، والخبر: " إن ذلك لمن عزم الأمور... " الجملة. وثَمَّ محذوف، فيه ضمير يعود على المبتدأ والتقدير: إن ذلك منه لمن عزم الأمور. (ومثل هذا) قول العرب: " البُرَّقَفِيزَانِ بِدِرْهَمٍ "، أي: قفيزان منه

بدرهم. والتقدير: إن ذلك لمن عزم الأمور له.
ثم قال تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذل﴾، أي وترى يا محمد الظالمين يوم القيامة يعرضون على النار خاضعين مما بهم من الذلة الخوف.
ثم قال: ﴿يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾، أي: ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرفي خفي، أي: من طرف ذليل من كثرة الخوف والإشفاق لتبقيهم أنهم داخلون فيها.
قال ابن عباس ومجاهد: ﴿مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾، أي: ذليل وهو اختيار الطبري، قال: " وصفه الله بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم حتى كادت أعينهم تغور فتذهب ". وقال ابن جبير، يسارقون النظر من الخوف، وقاله السدي وابن كعب.

وقال بعض أهل العربية: تقديره: من عين ضعيفة النظر والطرف عنده هنا العين.
وقال يونس " من " بمعنى الباء. والتقدير: بطرف خفي.
وقال: إنما قال من طرف خفي لأنه لا يفتح عينه، إنما ينظر ببعضها إشفاقاً. وقيل: " إنما قيل ذلك لأنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم لا بأعينهم لأنهم يحشرون عمياً ".
ووقف بعض العلماء على ﴿خَاشِعِينَ﴾. ووقف أكثرهم على ﴿خَفِيٍّ﴾. فتكون ﴿مِنَ﴾ في قوله: ﴿مِنَ الذل﴾ إن وقفت على ﴿خَاشِعِينَ﴾ (متعلقة بـ ﴿يَنظُرُونَ﴾).
وإن وقفت على ﴿خَفِيٍّ﴾ كانت ﴿مِنَ﴾ متعلقة بـ ﴿خَاشِعِينَ﴾.
ثم قال تعالى: {وَقَالَ الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ