
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام﴾ قرا نافعٌ وأبو عمرو «الجواري» بيا في الوصل. وأما الوقف فإثباتها على الأصل وحذفها للتخفيف، وهي السفن، وأحدثها جاريةٌ، وهي السائرة في البحر.
فإن قيل: الصفة متى لم تكن خاصةً بموصوفها امتنع حذف الموصوف، لا تقول: مررت بماشٍ؛ لأن المَشْيَ عامٌّ، وتقول: مررت بمهندس وكاتبٍ، والجري ليس من الصفات الخاصة فما وجه ذلك؟
فالجواب: أن قوله: «في البحر» قرينة دالة على الموصوف، ويجوز أن تكون هذه صفة غالبة كالأبطح والأبرق، فوليت العوامل دون موصوفها. و «في البَحْرِ» متعلق «بالجواري»، إذا لم يجر مجرى الجوامد، فإن جرى مجراه كان حالاً منه، وكذا قوله: «كالأَعْلاَمِ» وهي الجبال قالت الخَنْسَاءُ:
٤٣٨٣ - وَإِنَّ صَخْراً لتَأْتَمُّ الهُدَاةُ بِهِ | كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نَارُ |
٤٣٨٤ - وَقَدْ رَكَدَتْ وَسْطَ السَّمَاءِ نُجُومُهَا | رُكُوداً بِوَادِي الرَّبْرَب المُتَفَرِّقِ |
قوله: أوْ يُوبِقْهُنَّ «عطف على» يُسْكِنْ «قال الزمخشري: لأن المعنى: إن يَشَأْ يُسْكِنْ فَيَرْكُدْنَ، أو يَعْصِفْهَا فَيَغْرقْنَ بِعَصْفِهَا، قال أبو حيان: ولا يتعين أن يكون التقدير: أو يعصفها فيغرقن لأن إهلاك السفن لا يتعين أن يكون بعصف الريح، بل قد يهلكها بقلع لوح أو خسفٍ.
قال شهاب الدين: والزَّمخشريُّ لم يذكر أن ذلك متعين، وإنما ذكر شيئاً مناسباً؛ لأن قوله: يسكن الرياح يقابله» يعصفها «فهو في غاية الحسن والطِّباق. صفحة رقم 204

فصل
معنى» يُبِقْهُنَّ «يُهْلِكْهُنَّ ويغرقهن» بِمَا كَسَبُوا «أي بما كسبت ركابها من الذنوب ﴿وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ﴾ من ذنوبهم فلا يعاقب عليها. يقال: أوْبَقَهُ أي أهلكه، كما يقال للمجرم: أوْبَقَتْهُ ذنوبه أي أهلكته.
فإن قيل: ما معنى إدخال العفو في حكم الإيباق حيث جعل مجزوماً مثله؟
فالجواب: معناه إن يشأ يهلك ناساً ينج ناساً على طريق العفو عنهم، وأما من قرأ» ويعفو «فقد استأنف الكلام؟ والعامة على الجزم عطفاً على جواب الشرط. واستشكله القشيريُّ، وقال: لأن المعنى إن يشأ يسكن الريح فتبقى تلك السفن رواكداً ويهلكها بذنوب أهلها، فلا يحسن عطف:» وَيَعْفُ «على هذا لأن المعنى يصير: إن يشأ يعف، وليس المعنى على ذلك، بل المعنى الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة فهو عطف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى. قال أبو حيان: وما قاله ليس يجيّد، إذ لم يفهم مدلول التركيب والمعنى إلا أنه تعالى إن يشأ أهلك ناساً وأنجى ناساً على طريق العفو عنهم. وقرأ الأعمش: ويعفو بالواو. وهي تحتمل أن تكومن كالمجزوم، وثبتت الواو في الجزم كثبوت الياء في» مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ «.
ويحتمل أن يكون الفعل مرفوعاً، أخبر الله تعالى أنه يعفو عن كثير من السَّيِّئات.
وقرأ بعض أهل المدينة بالنصب بإضمار «أنْ» بعد الواو كنصبه في قول النابعة: شعراً:
٤٣٨٥ - فَإنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ | رَبِيعُ النَّاسِ والبَلَدُ الحَرَامُ |
وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بذنابِ عَيْشٍ | أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ |