آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

مَنْ دَخَلَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ" (١).
هَذَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ضَعِيفٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ أَيْ: وَمَنْ يَعْمَلُ حَسَنَةً ﴿نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ أَيْ: أَجْرًا وَثَوَابًا، كَقَوْلِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النِّسَاءِ: ٤٠].
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: [إِنَّ] (٢) مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا، وَمِنْ جَزَاءِ السَّيِّئَةِ (السَّيِّئَةَ) بَعْدَهَا.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ أَيْ: يَغْفِرُ الْكَثِيرَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَيُكَثِّرُ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَيَسْتُرُ وَيَغْفِرُ، وَيُضَاعِفُ فَيَشْكُرُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ أَيْ: لَوِ افْتَرَيْتَ عَلَيْهِ كَذِبًا كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلُونَ ﴿يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ أَيْ: لَطَبَعَ عَلَى قَلْبِكَ وَسَلَبَكَ مَا كَانَ آتَاكَ مِنَ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الْحَاقَّةِ: ٤٤-٤٧] أَيْ: لَانْتَقَمْنَا مِنْهُ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ، وَمَا قَدَرَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَحْجِزَ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿يَخْتِمْ﴾ فَيَكُونَ مَجْزُومًا، بَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: وَحُذِفَتْ مِنْ كِتَابَتِهِ "الْوَاوُ" فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ، كَمَا حُذِفَتْ فِي (٣) قَوْلِهِ: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ [الْعَلَقِ: ١٨] وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١١].
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ مَعْطُوفٌ عَلَى ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ﴾ أَيْ: يُحَقِّقُهُ وَيُثْبِتُهُ وَيُبَيِّنُهُ وَيُوَضِّحُهُ بِكَلِمَاتِهِ، أَيْ: بِحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ، ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أَيْ: بِمَا تُكِنُّهُ الضَّمَائِرُ، وَتَنْطَوِي عَلَيْهِ السَّرَائِرُ.
﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ وَلَكِنْ يُنزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ إِلَيْهِ إِذَا تَابُوا وَرَجَعُوا إِلَيْهِ: أَنَّهُ مِنْ كَرَمِهِ وَحِلْمِهِ أَنَّهُ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَيَسْتُرُ وَيَغْفِرُ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النِّسَاءِ: ١١٠] وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مسلم، رحمه الله، حيث قال:

(١) ورواه الحاكم في المستدرك وصححه (٣/١٥٠) من طريق مفضل بن صالح عن أبي إسحاق به، وتعقبه الذهبي بقوله: "فيه مفضل ابن صالح واه"، ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٣/٣٧) من طريق عبد الله بن داهر عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنِ الْأَعْمَشِ عن أبي إسحاق به، وفي إسناده عبد الله بن داهر الرازي متروك.
(٢) زيادة من ت، م، أ.
(٣) في ت، أ: "من".

صفحة رقم 204

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَاحِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ (١) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -وَهُوَ عَمُّهُ (٢) -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ رَاحِلَتُهُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ -أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ" (٣).
وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ (٤) (٥).
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ (٦) فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخَافُ أَنْ يَقْتُلَهُ الْعَطَشُ فِيهِ" (٧).
وَقَالَ هَمَّامُ بْنُ الْحَارِثِ: سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَرَأَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ الْآيَةَ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ هَمَّامٍ فَذَكَرَهُ (٨).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ أَيْ: يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ فِي الْمَاضِي، ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ أَيْ: هُوَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ مَا فَعَلْتُمْ وَصَنَعْتُمْ وَقُلْتُمْ، وَمَعَ هَذَا يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ إِلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي يَسْتَجِيبُ لَهُمْ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ يَسْتَجِيبُ الدُّعَاءَ لَهُمْ (٩) [لِأَنْفُسِهِمْ] (١٠) وَلِأَصْحَابِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ. وَحَكَاهُ عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ، وَأَنَّهُ جَعَلَهَا كَقَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٥].
ثُمَّ رَوَى هُوَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا مُعَاذٌ بِالشَّامِ فَقَالَ: أَنْتُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ. وَاللَّهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ مَنْ تَسْبُونَ مِنْ فَارِسَ وَالرُّومِ الْجَنَّةَ، وَذَلِكَ بِأَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا عَمِلَ لَهُ -يَعْنِي أحدُهم عَمَلًا-قَالَ: أَحْسَنْتَ رَحِمَكَ (١١) اللَّهُ، أَحْسَنْتَ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾

(١) في أ: "قالا".
(٢) في ت: "عمه رضي الله عنه".
(٣) صحيح مسلم برقم (٢٧٤٧).
(٤) في ت: "مثله".
(٥) صحيح مسلم برقم (٢٧٤٤).
(٦) في ت: "راحلته".
(٧) تفسير عبد الرزاق (٢/١٥٦) وقد روى متصلا، فرواه مسلم في صحيحه برقم (٢٦٧٥) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ همام ابن منبه عن أبي هريرة به.
(٨) تفسير الطبري (٢٥/١٨).
(٩) في ت، م: "لهم الدعاء".
(١٠) زيادة من ت، م.
(١١) في ت، م، أ: "يرحمك".

صفحة رقم 205

وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ جَعَلَ (١) [مِثْلَ] (٢) قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾ [الزُّمَرِ: ١٨] أَيْ: هُمُ الَّذِينَ يَسْتَجِيبُونَ لِلْحَقِّ وَيَتَّبِعُونَهُ، كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٣٦] وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِقَوْلِهِ (٣) تَعَالَى: ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أَيْ: يَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (٤) قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ قَالَ: "الشَّفَاعَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، مِمَّنْ صَنَعَ إِلَيْهِمْ مَعْرُوفًا (٥) فِي الدُّنْيَا" (٦).
وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ اللَّخْمِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قَالَ: يُشَفَّعُونَ فِي إِخْوَانِهِمْ، ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ قَالَ: يُشَفَّعُونَ فِي إِخْوَانِ إِخْوَانِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ، ذَكَرَ الْكَافِرِينَ وَمَا لَهُمْ عِنْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ الْمُوجِعِ الْمُؤْلِمِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ وَحِسَابِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: لَوْ أَعْطَاهُمْ فَوْقَ حَاجَتِهِمْ مِنَ الرِّزْقِ، لَحَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْبَغْيِ وَالطُّغْيَانِ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، أَشَرًا وَبَطَرًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ يُقَالُ: خَيْرُ الْعَيْشِ مَا لَا يُلْهِيكَ وَلَا يُطْغِيكَ. وَذَكَرَ قَتَادَةُ حَدِيثَ: "إِنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" وَسُؤَالَ السَّائِلِ: أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ الْحَدِيثَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ يُنزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ أَيْ: وَلَكِنْ يَرْزُقُهُمْ مِنَ الرِّزْقِ مَا يَخْتَارُهُ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَيُغْنِي مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغِنَى، وَيُفْقِرُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْفَقْرَ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِي لَمَنْ (٧) لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدْتُ عَلَيْهِ دِينَهُ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي لَمَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ، وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدْتُ عَلَيْهِ دِينَهُ"
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾ أَيْ: مِنْ بَعْدِ إِيَاسِ النَّاسِ مِنْ نُزُولِ الْمَطَرِ، يُنَزِّلُهُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ [الرُّومِ: ٤٩].
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ أَيْ: يَعُمُّ بِهَا الْوُجُودَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ القُطْر وتلك الناحية.

(١) في ت، م: "جعله".
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في ت: "كقوله".
(٤) في ت: "روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الله".
(٥) في أ: "المعروف".
(٦) ورواه أبي عاصم في السنة برقم (٨٤٦) من طريق محمد بن مصفى عن بقية به، وفي إسيناده إسماعيل الكندي. قال الذهبي في الميزان (١/٢٣٥) :"عن الأعمش، وعنه بقية، بخبر عجيب منكر".
(٧) في ت: "من".

صفحة رقم 206
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية