آيات من القرآن الكريم

تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ۗ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ۖ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ

والفكر الصحيح، إذ لو تفكّروا لعلموا أن الذي أنشأهم من تراب، ثم من نطفة، إلى أن صاروا رجالا، قادر على أن يبعثهم.
٦- إن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، ينعم عليهم جميعا، ويرزق المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر كيف يشاء، ويحرم من يشاء، وهو البالغ القوة، القاهر الذي لا يغلب.
حتمية الجزاء للمؤمنين والظالمين وقبول التوبة
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٠ الى ٢٦]
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦)

صفحة رقم 51

الإعراب:
وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ إِنَّ بالكسر: على الابتداء، ويقرأ بالفتح بالعطف على كلمة الْفَصْلِ وتقديره: ولولا كلمة الفصل وأن الظالمين.

تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ حال من الظالمين، لأن تَرَى من رؤية العين، لا من رؤية القلب.
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ بحذف الباء والهاء، أي: ذلك الذي يبشر الله به عباده، ثم حذف الباء والهاء تخفيفا. وذلِكَ بمبتدإ، وخبره اسم موصول، والعائد عليه محذوف، أي يبشر الله به عباده كما ذكره.
قُلْ: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ... الْمَوَدَّةَ: منصوب على الاستثناء من غير الجنس.
وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ... يَمْحُ: ليس معطوفا على يَخْتِمْ المجزوم، وإنما هو مستأنف مرفوع، وإنما حذفت الواو منه، كما حذفت في سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق ٩٦/ ١٨] ووَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ [الإسراء ١٧/ ١١] وإن كان في موضع رفع، لأن محو الله الباطل واجب، وليس معلقا بشرط.
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ: منصوب على أنه مفعول به، أي ويجيب الله الذين آمنوا، أو على تقدير حذف حرف الجر، أي ويستجيب للذين آمنوا، فحذفت اللام، فاتصل الفعل به. وقال أبو حيان: والظاهر أن الَّذِينَ فاعل يستجيب الذي هو بمعنى يجيب.
البلاغة:
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ استعارة تمثيلية، شبه العمل للآخرة بالزارع يزرع الزرع ليجني منه الثمرة. وبين الآخرة والدنيا طباق.
وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ، وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ بينهما مقابلة.
المفردات اللغوية:
مَنْ كانَ يُرِيدُ بعمله. حَرْثَ الْآخِرَةِ أي ثوابها، والأصل في الحرث: إلقاء البذر في الأرض، وقد يطلق على الثمر، شبه ثمرة العمل ونتيجته بثمرة المزروع، وهذا يتضمن تشبيه الأعمال بالبذور. نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ نضاعف له الحسنة إلى عشر أمثالها وأكثر. حَرْثَ

صفحة رقم 52

الدُّنْيا
لذاتها وطيباتها. نُؤْتِهِ مِنْها بلا مضاعفة ما قسم له، أي نعطه شيئا منها على ما قسمنا له. وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ من حظ.
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أي بل لكفار مكة وأمثالهم شركاء في الكفر، وهم الشياطين، وأم: أي بل ألهم شركاء؟ والهمزة للتقرير والتقريع، فهو استفهام تقرير وتوبيخ. شَرَعُوا لَهُمْ شرع الشركاء بالتزيين للكفار. مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ أي من النظام الفاسد كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا فقط. وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء ليوم القيامة.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بين الكافرين والمؤمنين بتعذيب الأوائل في الدنيا. وَإِنَّ الظَّالِمِينَ الكافرين.
لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم.
تَرَى الظَّالِمِينَ في يوم القيامة. مُشْفِقِينَ خائفين. مِمَّا كَسَبُوا في الدنيا من السيئات أن يجازوا عليها. وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ أي والجزاء واقع بهم يوم القيامة، لا محالة. فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ في أطيب بقاعها وأنزهها. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي إن ما يشتهونه ثابت عند ربهم. ذلِكَ جزاء المؤمنين. هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ هو الفضل الإلهي العظيم الذي يصغر أمامه أي فضل في الدنيا.
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ.. ذلك الثواب الذي يبشرهم الله به، فحذف الجارّ، ثم العائد، والبشارة: الإخبار بحصول ما يسرّ في المستقبل. لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً لا أطلب على التبليغ أو البشارة نفعا منكم وخصصه العرف بالنفع المالي. إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى استثناء منقطع، أي لكن أسألكم أن تودّوا قرابتي منكم، فإن له في كل بطن من قريش قرابة، أو لكن أسألكم المودّة حال كونها في القربى، أي إلا المودة ثابتة في ذوي القربى أو في حق القرابة،
روي بسند ضعيف أنها لما نزلت قيل: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء؟ قال: علي وفاطمة وابناهما. فالقربى هنا: قرابة الرحم، كأنه قال: اتبعوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة.
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً يكتسب طاعة، سيما حب آل الرسول. نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً نضاعف له الثواب في الحسنة. غَفُورٌ للذنوب. شَكُورٌ كثير الشكر للقليل ولمن أطاع بإيفاء الثواب والتفضل عليه بالزيادة.
أَمْ يَقُولُونَ أي بل أيقولون. افْتَرى ادعى محمد النبوة أو القرآن. يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ يطبع عليه بالخاتم حتى تجترئ على الافتراء، والمراد استبعاد الافتراء على مثله، فإنما الذي يجترئ عليه ما كان مختوما على قلبه جاهلا بربه، أو المراد: يربط عليه بالصبر، فلا يشق عليك أذاهم بهذا القول وغيره. وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ يزيله، وهو استئناف لنفي الافتراء عما يقوله النبي. وَيُحِقُّ الْحَقَّ يثبته. بِكَلِماتِهِ هي حججه وبراهينه. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بما في القلوب.

صفحة رقم 53

يَقْبَلُ التَّوْبَةَ يثيب عليها وهو تعريض لهم بالتوبة. وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ صغيرها وكبيرها لمن يشاء. وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ فيجازي عن يقين وحكمة.
سبب النزول: نزول الآية (٢٣) :
قُلْ: لا أَسْئَلُكُمْ.. قال قتادة: قال المشركون: لعلّ محمدا فيما يتعاطاه يطلب أجرا، فنزلت هذه الآية، ليحثهم على مودّته ومودّة أقربائه.
قال الثعلبي: وهذا أشبه بالآية، لأن السورة مكية.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى كونه لطيفا بعباده، كثير الإحسان إليهم، رغّب في فعل الخير، والاحتراز عن القبائح بالعمل للآخرة، وأوضح قانون العمل للآخرة والدنيا، ثم أردفه ببيان سبب الضلالة عند المشركين، واستحقاقهم العذاب العاجل على الشرك بالله وإنكار البعث، لولا تأخيره في الحكم الأزلي السابق إلى الآخرة، وإخبارهم بوقوع عذاب الآخرة، وحصول الثواب في رياض الجنة للمؤمنين.
ثم عظّم تعالى حال الثواب، وأمر رسوله بأن يخبر قومه بأنه لا يطلب منهم على تبليغ الرسالة نفعا عاجلا، وإنما يطلب منهم صلة الرحم والقرابة التي هي شأن قريش، وهذا دليل النبوة. ثم رد عليهم قولهم بأن القرآن مفترى: بأنه لا يفتري الكذب على الله إلا من كان مختوما على قلبه، فلو كان محمد مفتريا لكشف الله باطله. ثم رغبهم في التوبة، ووعد تعالى بإجابة دعاء المؤمنين الصالحين، وأوعد الكافرين بشديد العقاب.

صفحة رقم 54

التفسير والبيان:
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي من كان يريد بأعماله وكسبه ثواب الآخرة، نقويه ونغنيه، ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها، إلى سبع مائة ضعف، إلى ما شاء الله.
وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ أي ومن كان سعيه للحصول على شيء من شؤون الدنيا، وطلب لذائذها وطيباتها، وإهمال شؤون الآخرة، نعطه ما قضت به مشيئتنا، وقسمناه له في قضائنا، ولكن ليس له في الآخرة حظ، لأنه لم يعمل للآخرة، فلا نصيب له فيها.
وهذه الآية بإطلاقها مقيدة بآية الإسراء: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ، وَسَعى لَها سَعْيَها، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء ١٧/ ١٨- ١٩].
أخرج الإمام أحمد والحاكم وصححه وغيرهما عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بشّر هذه الأمة بالسّناء والرفعة، والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) الآية، ثم قال: يقول الله:
ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسدّ فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا، ولم أسدّ فقرك»
.
ولما ذكر تعالى ما شرع للناس، وهو ما وَصَّى بِهِ نُوحاً الآية، أخذ ينكر ما شرع غيره وهو سبب ضلال المشركين، فقال:

صفحة رقم 55

أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ أي بل إن المشركين لهم أعوان من الشياطين شرعوا ما لم يشرعه الله، فلم يتبعوا ما شرع الله لك يا محمد من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس، كتحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار ونحو ذلك من الضلالات والجهالات الباطلة التي اخترعوها في الجاهلية، من التحليل والتحريم والعبادات والأموال. فالشركاء: هم شياطين الجن والإنس، وضمير شَرَعُوا عائد على الشركاء، وضمير لَهُمْ عائد على الكفار المعاصرين للرسول.
ثبت في الصحيح لدى البخاري ومسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت عمرو بن لحيّ بن قمعة يجرّ قصبه- أي أمعاءه- في النار»
لأنه أول من سيب السوائب، وسنّ للعرب عبادة الأصنام، وكان أحد ملوك خزاعة، لذا قال تعالى:
وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي ولولا الحكم والقضاء السابق من الله تعالى بتأخير العذاب في هذه الأمة إلى يوم القيامة، لقضي بين المؤمنين والمشركين، وعجلت العقوبة في الدنيا لأئمة الشرك، وإن للظالمين العذاب المؤلم الشديد الموجع في جهنم، وبئس المصير.
وتأخير العذاب بموجب قوله تعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [القمر ٥٤/ ٤٦].
ثم ذكر تعالى أحوال الجزاء الأخروي لكل من الظالمين والمؤمنين، فقال:
تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا، وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ أي ترى رأي العين أو تبصر الكفار (لمقابلته بالمؤمنين) خائفين وجلين يوم القيامة مما عملوا من

صفحة رقم 56

السيئات في الدنيا، وجزاء ما كسبوا واقع بهم نازل عليهم لا محالة، سواء خافوا أو لم يخافوا.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ، لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ أي والذين صدقوا بالله ورسوله، وأطاعوا ربهم فيما أمر به ونهى عنه، هم في رياضى الجنة وأطيبها وأنزهها، ولهم ما يشتهون عند ربهم من أصناف النعم وأنواع الملذات، ذلك الجزاء الممنوح لهم الذي لا يوصف ولا تعرف حقيقته هو الفضل الذي يفوق كل فضل في الدنيا، وهو النعمة التامة الشاملة. وقوله: عِنْدَ رَبِّهِمْ العندية عندية المكانة والتشريف، لا عندية المكان.
ثم أخبر تعالى عن حتمية وقوع هذا الجزاء، فقال:
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي إن هذا الجزاء في روضات الجنات والنعيم الشامل حاصل لهم، كائن لا محالة ببشارة الله تعالى لهم به، وتلك البشارة لهؤلاء الجامعين بين الإيمان والعمل بما أمر الله به، وترك ما نهى عنه. فقوله ذلِكَ إشارة إلى ما أعد لهم من الكرامة.
ثم أمر الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يظهر ترفعه وسموه عن أعراض الدنيا ومنافعها، فقال:
قُلْ: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي قل أيها الرسول لقومك: لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جعلا ولا مكافأة ولا نفعا ماديا، ولكن أطلب تقدير صلة الرحم والقرابة التي بيني وبينكم، وإكرام آل بيتي وقرابتي، فتكفّوا شركم عني، وتذروني أبلّغ رسالات ربي. فقوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ استثناء منقطع، لأن المودة ليست أجرا.

صفحة رقم 57

أخرج أبو القاسم الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم، وتحفظوا القرابة بيني وبينكم»
والحق العمل في هذا
برواية البخاري «إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة».
وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس أيضا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا أسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجرا إلا أن توادوا الله تعالى، وأن تقرّبوا إليه بطاعته».
وهذا قول للحسن البصري، وهو تفسير ثان للمودة في القربى، أي إلا أن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى. والظاهر لدى جماعة هو التفسير الأول، وأن مودة قرابته داخلة في الآية، والتقدير: إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها، قال أبو حيان: وهو حسن، وفيه تكثير.
قال عكرمة: وكانت قريش تصل أرحامها، فلما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم قطعته،
فقال: «صلوني كما كنتم تفعلون».
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته بغدير خم: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لم يفترقا حتى يردا على الحوض»
وفسرت العترة
في رواية الترمذي عن جابر فقال صلّى الله عليه وسلّم: «عترتي أهل بيتي».
ثم رغّبهم الله تعالى في الإحسان والإيمان، فقال:
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً، نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ أي ومن يعمل حسنة، نزد له فيها حسنا، أي أجرا وثوابا، إن الله يغفر الكثير من السيئات، ويكثّر القليل من الحسنات، ويضاعف ويشكر المحسن. ونحو الآية قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء ٤/ ٤٠].
ثم وبخهم على افترائهم على الرسول، فقال:

صفحة رقم 58

أَمْ يَقُولُونَ: افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي بل أيقولون: افترى محمد على الله كذبا بدعوى النبوة ونزول القرآن عليه، وهذا أقبح من الشرك الذي جعلوه شرعا لهم، أي أنه تعالى أضرب عن الكلام المتقدم من غير إبطال، ثم استفهم استفهام إنكار وتوبيخ على هذه المقالة، فمثله لا ينسب إليه الكذب على الله، مع اعترافكم له قبل ذلك بالصدق والأمانة.
ثم أكد ذلك فرد الله عليهم مستبعدا الافتراء من مثل محمد الرسول، فقال:
فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ، وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ، وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي لو افتريت على الله كذبا، لطبع على قلبك إن شاء، وسلبك ما آتاك من القرآن، فلا يجرأ على مثل هذا إلا من كان مثلهم قد ختم الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم، فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا يجرأ على ذلك، وهذا هو الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لم يفتر على الله كذبا، فأيده الله.
وهذا كقوله تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [الحاقة ٦٩/ ٤٤- ٤٧].
وقال أبو السعود: والآية استشهاد على بطلان ما قالوا ببيان أنه صلّى الله عليه وسلّم لو افترى على الله تعالى لمنعه من ذلك قطعا، بالختم على قلبه بحيث لا يخطر بباله معنى من معانيه، ولم ينطق بحرف من حروفه «١».
ثم أكد الله تعالى ذلك بإبطال الباطل وإحقاق الحق، فالله سبحانه وتعالى لا يدع الباطل يستمر، فلو كان ما أتى به النبي صلّى الله عليه وسلّم باطلا لمحاه، كما جرت به عادته في المفترين، وإنما يثبّت الحق، أي الإسلام، فيبينه بما أنزل من القرآن،

(١) تفسير أبي السعود: ٥/ ٣٤. [.....]

صفحة رقم 59

وبما أيّد به نبيه من المعجزات والحجج والبراهين، إنه تعالى واسع العلم بما في قلوب العباد.
ثم فتح تعالى أمامهم باب الأمل والتوبة، فقال:
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ، وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ أي إن الله عز وجل يقبل في المستقبل من عباده المذنبين توبتهم عما عملوا من المعاصي، ويعفو عن السيئات في الماضي، ويعلم الذي تفعلونه من خير أو شر، فيجازي كلا بما يستحق من الثواب والعقاب.
ونحو الآية: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
[النساء ٤/ ١١٠]
وثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لله تعالى أشدّ فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك- أخطأ من شدة الفرح».
وأكد قبول التوبة بقبول الدعاء، فقال تعالى:
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أي ويستجيب الله للذين آمنوا، وأطاعوا ربهم، ويعطيهم ما طلبوه منه، ويزيدهم على ما طلبوه منه، أو على ما يستحقونه من الثواب، تفضلا منه ونعمة.
أو يجيب الله الذين آمنوا إذا دعوه، أو يجيب الذين آمنوا لربهم، مثل اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال ٨/ ٢٤] فيكون المراد بقوله:

صفحة رقم 60

ويستجيب أي يجيب، قال الزجاج: استجاب وأجاب بمعنى واحد «١».
وبعد أن وعد المؤمنين بالثواب أو عد الكافرين بالعذاب، فقال:
وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ أي وللكافرين الذين لم يؤمنوا بالله رسوله يوم القيامة عذاب مؤلم موجع.
فقه الحياة أو الأحكام:
يؤخذ من الآيات الكريمات ما يأتي:
١- إن مبدأ الإسلام هو العمل للدنيا والآخرة معا، كما قال تعالى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا [القصص ٢٨/ ٧٧]. وقال عبد الله بن عمر: «واحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا». والحرث: العمل والكسب.
٢- فضّل الله تعالى من أراد الآخرة على من أراد الدنيا في الآية من وجوه ستة هي:
الأول- أنه قدم تعالى مريد حرث الآخرة في الذّكر على مريد حرث الدنيا.
الثاني- أنه قال في مريد حرث الآخرة: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وقال في مريد حرث الدنيا: نُؤْتِهِ مِنْها وكلمة «من» للتبعيض، أي نعطيه بعض ما يطلبه، ولا نؤتيه كله.

(١) تبين بهذا أن قوله تعالى: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ.. الَّذِينَ إما فاعل مرفوع تقديره:
ويجيب المؤمنون الله فيما دعاهم إليه، وإمّا مفعول محله النصب، والفاعل مضمر وهو الله، وتقديره: ويستجيب الله للمؤمنين، إلا أنه حذف اللام، كما حذف في قوله: وَإِذا كالُوهُمْ [المطففين ٨٣/ ٣] والثاني أولى كما ذكر الرازي.

صفحة رقم 61

الثالث- أنه تعالى سكت عن طالب حرث الآخرة، ولم يذكر أنه تعالى يعطيه الدنيا أم لا، أما طالب حرث الدنيا، فإنه تعالى بيّن أنه لا يعطيه شيئا من نصيب الآخرة على التنصيص، وهذا يعني أن الآخرة أصل والدنيا تبع، وواجد الأصل يكون واجدا للتبع بقدر الحاجة.
الرابع- أنه تعالى بيّن أن طالب الآخرة يزاد في مطلوبه، وأما طالب الدنيا فيعطى بعض مطلوبه من الدنيا، ويحرم من نصيب الآخرة.
الخامس- إن الآخرة نسيئة، والدنيا نقد، والنسيئة مرجوحة بالنسبة إلى النقد، لأن الناس يقولون: النقد خير من النسيئة، فبين تعالى أن هذه القضية انعكست بالنسبة إلى أحوال الآخرة والدنيا، فالأولى متجهة للزيادة والنمو، والثانية آيلة إلى النقصان.
السادس- الآية دالة على أن منافع الآخرة والدنيا تحتاج إلى حرث وعمل وتعب، وصرف المتاعب إلى ما يؤدي إلى التزايد والبقاء أولى من صرفها إلى ما يؤدي إلى النقصان والانقضاء والفناء «١».
٣- استنبط ابن العربي من هذه الآية: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ أن الوضوء تبردا الذي هو من حرث الدنيا، لا يجزئ عن فريضة الوضوء الذي هو من حرث الآخرة، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى «٢».
٤- إن شرع الله الدائم هو ما أنزله على أولي العزم من الرسل، والله لم يشرع الشرك، فمن أين يدين المشركون به؟
٥- من رحمة الله بالمشركين تأخير العذاب عنهم إلى القيامة، ليعطوا فرصة

(١) تفسير الرازي: ٢٧/ ١٦٢.
(٢) أحكام القرآن: ٤/ ١٦٥٥.

صفحة رقم 62

كاملة في أيام العمر كله للإقلاع عن الشرك والكفر، والدخول في ساحة الإيمان والرضا الإلهي. فإن ماتوا مشركين فلهم في الآخرة عذاب مؤلم موجع.
٦- يبصر الناس الكافرين الظالمين خائفين في يوم القيامة من جراء ما كسبوا، والجزاء حتما نازل بهم. والمراد بالظالمين هاهنا الكافرون، بدليل التقسيم بين المؤمن والكافر.
أما المؤمنون الطائعون لربهم فهم في روضات الجنان، ولهم ما يشتهون من النعيم والثواب الجزيل، وذلك هو الفضل الذي لا يوصف ولا تهتدي العقول إلى حقيقته، لأن الله إذا وصف الفضل بأنه الْكَبِيرُ فمن ذا الذي يقدر قدره. قال الرازي: وفي الآية تنبيه على أن الفساق من أهل الصلاة كلهم في الجنة، إلا أنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بروضات الجنات، وهي البقاع الشريعة من الجنة.
٧- يبشر الله عباده المؤمنين بالثواب العظيم حثا لهم على الطاعة، وليتعجلوا السرور، ويزدادوا منه. ولكن هذا الجزاء والبشارة، إنّما هو على الإيمان والأعمال الصالحات.
٨- عظّم الله تعالى ثواب المؤمنين من وجوه أربعة هي:
الأول- أن الله سبحانه رتب على الإيمان وعمل الصالحات روضات الجنات، وترتيب هذا الجزاء من الله صاحب السلطان الأعظم دليل على أن ذلك الجزاء قد بلغ النهاية التي لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى.
الثاني- أنه تعالى قال: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ وهذا يدخل في باب غير المتناهي.
الثالث- أنه تعالى قال: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ وإذا كان هذا من الله الأكبر كان في غاية الكبر.

صفحة رقم 63

الرابع- أنه تعالى أعاد البشارة على سبيل التعظيم، فقال: الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ وذلك يدل على غاية العظمة.
٩- إن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يطلب من قومه أي منفعة مادية على تبليغ الرسالة، وهذا دليل على صدقه وإخلاصه، والحد الأدنى الذي طالب به هو مراعاة قرابته من قريش. قال ابن عباس: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أوسط الناس في قريش، فليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده، فقال الله له: قُلْ: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي لكن أذكركم قرابتي منكم.
وقد صرح أكثر الأنبياء، بنفي طلب الأجر على تبليغ الرسالة، فقال نوح عليه السلام: وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ [الشعراء ٢٦/ ١٠٩] وكذا قال هود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام «١».
١٠- إن قوله تعالى: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يشمل قرابة النبي صلّى الله عليه وسلّم من قريش، وآل بيته الأقارب، وهم كما جاء في بعض الأحاديث: علي وفاطمة والحسن والحسين، فمراعاة قرابته وحبهم واحترامهم واجب بالنص القرآني المذكور، لذا شرع الدعاء لهم في خاتمة التشهد في الصلاة، وهو منصب عظيم، وهو
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد»
وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، مما يدل على أن حب آل محمد واجب.
ذكر الزمخشري حديثا طويلا في حب آل البيت جاء فيه: «من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ألا ومن مات على حب آل محمد، مات مؤمنا مستكمل الإيمان.. ألا ومن مات على بعض آل محمد، جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه:
آيس من رحمة الله»
«٢».

(١) الشعراء: ١٠٩، ١٢٧، ١٤٥، ١٦٤، ١٨٠
(٢) الكشاف: ٣/ ٨٢

صفحة رقم 64

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه:

يا راكبا قف بالمحصّب من منى واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حبّ آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
١١- من يكتسب حسنة أو خصلة من خصال الخير، ومنها مودة القربى تأكيدا للآية السابقة، ضاعف الله له الحسنة بعشر فصاعدا، ومن فضله ورحمته تعالى أنه غفور للذنوب، شكور للحسنات. والشكور في حق الله مجاز، والمعنى: إنه تعالى يحسن إلى المطيعين في إيصال الثواب إليهم وفي زيادة الأفضال عليهم.
١٢- أنكر القرآن الكريم على المشركين قولهم: إن هذا ليس وحيا من الله تعالى، وكان قوله سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ: افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً متعلقا بالمذكور، أول السورة، كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ.... وكان إنكاره في هذه الآية متكررا، فوبخهم أولا بقوله: أَمْ يَقُولُونَ.. وثانيا بقوله: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ قال قتادة: يطبع على قلبك فينسيك القرآن، فأخبرهم الله أنه لو افترى عليه لفعل بمحمد ما أخبرهم به في هذه الآية. وثالثا بقوله: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ، وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ أي بما أنزله من القرآن، ورابعا بقوله:
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وهو نص عام، أي بما في قلوب العباد.
١٣- فتح الله تعالى باب الأمل والرجاء والتوبة لعباده جميعا ليتداركوا أمرهم، فيؤمنوا ويطيعوا ربهم، فذكر أنه يقبل التوبة في المستقبل عن عباده، ويعفو عن سيئات الماضي، ويعلم ما يفعل الناس من الخير والشر، فيثيب على الحسنات، ويعاقب على السيئات.
روى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: اللهم إني

صفحة رقم 65
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية