آيات من القرآن الكريم

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ

في الآخرة ثواب، لأنه عمل للدنيا،
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ أي: الكفار مكة شياطينهم الذين زينوا لهم ما لم يأمر الله تعالى من الشرك، وإنكار البعث، والعمل للدنيا؟! فإنها على ضد دين الله، وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي القضاء السابق بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين الكافر والمؤمنين في الدنيا، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ أي الذين اختاروا ما لم يأذن به الله لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١).
وقرأ بعضهم «وأن» بفتح الهمزة عطفا على كلمة الفصل، أي ولولا الوعد بأن الفصل بينهم يكون يوم القيامة، وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا، تَرَى الظَّالِمِينَ يوم القيامة مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا أي خائفين خوفا شديدا من جزاء ما عملوا في الدنيا من السيئات، وَهُوَ جزاؤه واقِعٌ بِهِمْ يوم القيامة فلا ينفعهم الحذر، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ أي مستقرون في أطيب بقاع الجنات، لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل عند ربهم، فإن كل الأشياء حاضرة عنده مهيأة، ذلِكَ أي جزاء الإيمان والعمل الصالح هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢)، أي فإن الثواب غير واجب على الله وإنما يحصل بطريق الفضل من الله تعالى لا بطريق الاستحقاق، ذلِكَ أي الفضل الكبير الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ في الدنيا عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.
قرأ نافع وابن عامر، وعاصم بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين والباقون بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين. قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي قل يا أشرف الخلق لأهل مكة: لا أسألكم أجرا قط على التبليغ ببشارة ونذارة، ولكن أسألكم المودة متمكنة في أهل القرابة، وحب آل محمد واجب. قال الشافعي رضي الله عنه:

يا راكبا قف بالمحصب من منى واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى فيضا كما نظم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً أي ومن يكتب أي حسنة كانت- كالمودة للقربى- نزد له في تلك الحسنة تضعيف ثوابها. وقرئ «يزد» بالياء أي يزد الله. وقرئ «حسنى». إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أي أنه تعالى يحسن إلى المطيعين في إيصال الثواب إليهم وفي التفضل عليهم بزيادة أنواع كثيرة على ذلك الثواب. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي بل يقولون: اختلق محمد على الله كذبا بدعوى النبوة، وتلاوة القرآن، فاغتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال الله تعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، أي لو كان القرآن افتراء عليه تعالى لشاء عدم صدوره عنك، وإن يشأ ذلك يختم على قلبك بحيث لم يخطر ببالك معنى من معانيه، ولم تنطق بحرف من حروفه، وحيث تواتر الوحي حينا فحينا تبين أنه من عند الله، ومن عادة الله ابطال الباطل

صفحة رقم 373

وتقرير الحق بوحيه فلو كان افتراء كما زعموا لمحقه إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) فيجري عليها أحكامها اللائقة بها من المحو والإثبات، وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ.
وروى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبّر، فلما فرغ من صلاته قال له علي: يا هذا، إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين، فتوبتك هذه تحتاج إلى التوبة، فقال: يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب: الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، ورد المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية، وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء، بدل كل ضحك ضحكته
، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ، فتارة يعفو عن الذنوب بواسطة قبول التوبة وتارة يعفو ابتداء من غير توبة، وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) من خير وشر، فيجازي التائب ويتجاوز عن غير التائب. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على المخاطبة. والباقون بالياء على المغايبة. وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي يجيب الله دعاءهم وَيَزِيدُهُمْ على ما طلبوه بالدعاء مِنْ فَضْلِهِ. وقال عطاء عن ابن عباس والمعنى: ويثيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله سوى ثواب أعمالهم تفضلا منه. وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) بدل ما للمؤمنين من الثواب، والفضل المزيد. وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ أي ولو سوى الله الرزق بين الكل لامتنع كون البعض خادما للبعض، ولو صار الأمر كذلك لخرب العالم، وتعطّلت المصالح.
وقال ابن عباس: ولو وسع الله المال على عباده لطلبوا منزلة بعد منزلة، ودابة بعد دابة، ومركبا بعد مركب، وملبسا بعد ملبس، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ أي بتقدير ما يَشاءُ أن ينزله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون النون إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) أي إنه عالم بأحوال الناس وبعواقب أمورهم، فيقدر أرزاقهم على وفق مصالحهم، وَهُوَ
الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ
أي المطر الذي يغيثهم من الجدب مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا أي من بعد يأسهم من نزوله. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم «ينزل» بتشديد الزاي. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بكسر نون «قنطوا». وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ أي منافع الغيث وما يحصل به من الخصب، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) أي وهو الّذي يتولى عباده بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من أقسام الرحمة، وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ، و «ما» معطوف على «السموات»، أي وخلق ما نشر الله فيهما من حي.
وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) أي وهو تعالى على جمع العقلاء للمحاسبة في أي وقت يشاء قدير، وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ أي فهي بسبب معاصيكم التي اكتسبتموها، ف «ما» متضمنة لمعنى الشرط، ولذلك جاءت الفاء في جوابها. وقرأ نافع وابن عامر «بما كسبت» بغير فاء، ف «ما» بمعنى الذي، و «بما كسبت» خبره. والمعنى: والّذي

صفحة رقم 374
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية