آيات من القرآن الكريم

عسق
ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ

الكتب السماوية، والذي هو نور الله الهادي إلى صراط مستقيم، ليتناسق الختام مع مطلق السورة بالحديث عن هذا الكتاب العزيز: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [٥٢].
إنزال الوحي وعظمة الله ورقابته أحوال المشركين
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦)
الإعراب:
كَذلِكَ يُوحِي... اللَّهُ كَذلِكَ: الكاف بمعنى المثل، وكَذلِكَ مفعول مطلق ل يُوحِي واللَّهُ: فاعل يُوحِي. ومن قرأ «يوحى» كان لفظ الجلالة اللَّهُ إما مرفوع بفعل مقدر دل عليه «يوحى» كرفع كلمة رِجالٌ في قراءة من يقرأ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ [النور ٢٤/ ٣٦- ٣٧] بفعل مقدر، أي يسبحه رجال، وإما مرفوع بالابتداء، ويكون الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خبرين عن الله تعالى، ويجوز جعلهما وصفين، ولَهُ ما فِي السَّماواتِ الخبر، وإما مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو الله.
أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ توالي المؤكدات وهي ألا، وإن، وضمير الفصل.
البلاغة:
أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ توالي المؤكدات وهي: ألا، وإن، وضمير الفصل.
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.. الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.. بِوَكِيلٍ صيغ مبالغة، وسجع لطيف.

صفحة رقم 23

كَذلِكَ يُوحِي استعمل الفعل المضارع في حقيقته بالنسبة لما ينزل من القرآن، وفي مجازه بالنسبة لما أنزل من الكتب السابقة وما أنزل من القرآن. وهذا تشبيه للمشبه، والمشبه به هذه السورة.
المفردات اللغوية:
حم عسق تقرأ هكذا بأسمائها: حا، ميم، عين، سين، قاف بإدغام السين في القاف، وقد انفردت هذه السورة بآيتين من الحروف، لعلهما اسمان للسورة. وهذه الحروف المقطعة كما تقدم للتنبيه على إعجاز القرآن، ولفت النظر إلى ما تشتمل عليه السورة من عظائم الأمور كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ أي مثل ذلك الإيحاء إلى الأنبياء السابقين من الكتب الإلهية يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ أي مثل ذلك الإيحاء إلى الأنبياء السابقين من الكتب الإلهية يوحي الله إليك أيها الرسول، كما أوحي إلى من قبلك الأنبياء. وإنما ذكر الإيحاء بلفظ المضارع:
يُوحِي لحكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي، وكون إيحاء مثله عادة الله.
الْعَزِيزُ أي القوي الغالب في ملكه الْحَكِيمُ في صنعه، وهما صفتان.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ملكا وخلقا وعبيدا وَهُوَ الْعَلِيُّ المتعالي فوق خلقه الْعَظِيمُ المتفرد بالكبرياء والعظمة يَتَفَطَّرْنَ يتشققن والفطور: الشقوق، وقرئ «ينفطرن» وقرئ «يتفطّرنّ». مِنْ فَوْقِهِنَّ أي تكاد السموات يتشققن من هيبة وعظمة الله وجلاله، الذي هو فوقهن بالألوهية والقدرة، أو يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية بسبب وجود العرش والكرسي وصفوف الملائكة وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي والملائكة يلازمون ويداومون خضوعا لعظمة الله على عبادته وتنزيهه عما لا يليق به، وتحميده وشكره على نعمه وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أي للمؤمنين فهي عموم يراد به الخصوص، بدليل آية أخرى:
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [المؤمن ٤٠/ ٧] وحكايته عنهم فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [المؤمن ٤٠/ ٧] أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ لأوليائه المؤمنين الرَّحِيمُ بهم.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ شركاء وأندادا وهم الأصنام حَفِيظٌ رقيب على أحوالهم وأعمالهم، محص لها، فيجازيهم عليها وَما أَنْتَ يا محمد بِوَكِيلٍ بموكل بهم تحصل المطلوب منهم وهو هدايتهم، فما عليك إلا البلاغ فقط.
التفسير والبيان:
حم، عسق هذه الحروف الهجائية السبعة المفصولة بمقطعين أو آيتين مما اختصت به هذه السورة، والمعروف ألا يفصل بين هذه الحروف، مثل

صفحة رقم 24

كهيعص أول مريم والمر أول الرعد، بدئ بها للدلالة على تكوين القرآن من أجزاء أمثال هذه الحروف التي تتركب منها لغة العرب بقصد الإعجاز والتنبيه إلى خطورة ما فيها من أمور.
كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي مثل ذلك الإحياء الذي أوحي إلى سائر الأنبياء من كتب الله المنزلة، يوحي إليك أيها الرسول في هذه السورة، من الدعوة إلى التوحيد وإثبات النبوة، والإيمان بالبعث أو اليوم الآخر والثواب والعقاب، والعمل بفضائل الأخلاق، والبعد عن رذائلها، وإسعاد الفرد والمجتمع، كما قال تعالى: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى [الأعلى ٨٧/ ١٨- ١٩] وهو إشارة إلى ما تضمنته السورة من إقرار مبدأ التوحيد، والنبوة، والمعاد، فليس الهدف من إنزال جميع الكتب الإلهية إلا الإيمان بهذه الأمور الثلاثة.
والذي يوحي إليك هو الله، العزيز في ملكه، الغالب بقهره، الحكيم في صنعه، يضع الأمور في موضعها الصحيح.
والمقصود بالآية تقرير المماثلة في دعوات الأنبياء إلى التوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، والتحذير من الاغترار بالدنيا، والترغيب في التوجه إلى الآخرة.
ومن أوصاف الموحي أيضا ما قاله تعالى:
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ أي له جميع ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، فهي مملوكة له، مخلوقة منه، متصرف فيها كما يشاء إيجادا وإعداما، وهو المتعالي فوق خلقه، صاحب الكبرياء والعظمة، ليس كمثله شيء، فليس المراد العلو في الجهة والمكان، ولا عظمة الجثة وكبر الجسم، لأن ذلك يقتضي كونه مؤلفا من الأجزاء والأبعاض، وذلك ينافي قوله: اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص ١١٢/ ١].

صفحة رقم 25

والمقصود بالآية الدلالة على كمال قدرة الله، ونفوذ تصرفه في جميع مخلوقاته.
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ أي تقارب السموات يتشققن من عظمة وجلال وهيبة من هو فوقها بالألوهية والقهر والقدرة، وهذا هو الظاهر، والأدق أن يقال: من الجهة الفوقانية التي هن فيها.
ويحتمل أن المراد: يتفطرن لكثرة ما عليهن من الملائكة، كما في حديث أحمد والترمذي: «أطّت السماء، وحقّ لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك راكع أو ساجد». وقيل: إن المراد: كدن يتفطرن من قول المشركين: اتخذ الله ولدا، كما في قوله تعالى: وَقالُوا: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا «١»، تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ، وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ، وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً [مريم ١٩/ ٨٨- ٩١].
وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي والملائكة يداومون على تنزيه الله عما لا يليق به ولا يجوز عليه، قارنين التسبيح بالتحميد وشكر النعم التي لا تحصى، كقوله تعالى: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ، لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء ٢١/ ٢٠].
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ، أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أي ويطلبون المغفرة لعباد الله المؤمنين، ثم أورد الله تعالى ما يكون طمعا في إيمان الكافر وتوبة الفاسق، فذكر أنه سبحانه كثير المغفرة والرحمة، وفيه إيماء إلى قبول استغفار الملائكة، لضم الرحمة إلى المغفرة، وإشارة إلى أن المغفرة المطلقة والرحمة المطلقة لله تعالى. قال بعض العلماء: هيّب وعظّم جل وعز في الابتداء، وألطف وبشّر في الانتهاء «٢».

(١) إدّا: أي منكرا فظيعا.
(٢) تفسير القرطبي: ١٦/ ٥.

صفحة رقم 26

ونظير الآية: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [المؤمن ٤٠/ ٧].
ثم حذر الله تعالى من الشرك قائلا:
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أي إن المشركين الذين اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها من دون الله، الله هو الرقيب على أحوالهم وأعمالهم، يحفظها ويحصيها عليهم ليجازيهم بها، وما أنت أيها الرسول بموكل إليك هدايتهم ومؤاخذتهم بذنوبهم، ولست مكلفا بحملهم وقسرهم على الإيمان، وإنما عليك البلاغ فحسب.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- هناك مماثلة تامة في أصول العقيدة والأخلاق والفضائل بين رسالات الأنبياء، فالموحى به إليهم واحد يدور حول إثبات التوحيد والنبوة والمعاد.
وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تبيان أنواع الوحي،
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يأتيني الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» قالت عائشة رضي الله عنها: فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه صلّى الله عليه وسلّم ليتفصّد عرقا.
٢- لله ملك السموات والأرض ومن فيهما، فهو كامل القدرة، نافذ التصرف في جميع مخلوقاته، وقد اشتملت الآيات على ثمان صفات لله تعالى وهي:

صفحة رقم 27
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية