
تكاد السموات يتشققن من فوق الأرضين هيبة وإجلالا لعظمته- جل شأنه- أو من هول كلمة المشركين الذين قالوا: اتخذ الرحمن ولدا وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا أمرا فظيعا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا هدما شديدا. [سورة مريم الآيات ٨٨- ٨٩].
وهؤلاء الملائكة الذين هم خلق من خلقه يسبحون حامدين ربهم شاكرين له نعمه التي لا تحصى، ويستغفرون لمن في الأرض: أما للكافرين فيدعون لهم بالتوفيق والهداية وأما للمؤمنين فيدعون لهم بأن يتجاوز ربهم عما فرط منهم من سيئات وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [سورة غافر آية ٧].
ألا إن الله هو الغفور الذي ألهم الملائكة الاستغفار لمن في الأرض، الرحيم بالخلق، ألا إن الله هو الذي يعطى المغفرة لمن طلبها مخلصا، ويضم إليها الرحمة الكاملة، الرحمن الرحيم.
والذين اتخذوا من دونه أولياء وشركاء وأندادا من الأصنام والأوثان، فالله وحده حفيظ عليهم، ومحص عليهم سيئاتهم، لا يفوته شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة من عمل في السموات أو في الأرض، وما أنت عليهم بوكيل.
حقائق الإسلام [سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٧ الى ١٢]
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢)

المفردات:
أُمَّ الْقُرى المراد بها: مكة كأنها أصل للقرى التي حولها يَوْمَ الْجَمْعِ:
هو يوم القيامة تجتمع فيه الخلائق السَّعِيرِ: جهنم المسعرة أَمِ اتَّخَذُوا: أم هنا بمعنى بل- التي للانتقال من معنى- والهمزة الاستفهامية يراد بها الإنكار فاطِرُ السَّماواتِ: خالقها ومبدعها لا على مثال سابق يَذْرَؤُكُمْ: يكثركم، ذرأ الله الخلق: بثهم وكثرهم أَزْواجاً: ذكورا وإناثا.
المعنى:
مثل ذلك الإيحاء البليغ البديع أوحينا إليك قرآنا عربيا بلسان قومك، لا لبس فيه ولا غموض، ولا التباس عليك وعلى قومك، أوحيناه إليك لتنذر أم القرى وتخوفهم بعذاب شديد، وتنذر الناس جميعا بيوم الجمع الذي يجتمع فيه الخلق للحساب أو تجتمع فيه الأعمال وأصحابها، والأرواح وأشباحها، هو يوم لا شك فيه أصلا بعد جمعهم للحساب يكون منهم فريق في الجنة، وفريق في السعير، وهذا حكم الله وقضاؤه، فليس في قدرة مخلوق أن يغيره، ولو كان نبيا مرسلا، وهذا يؤيد قوله- سبحانه وتعالى- اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ فلست عليهم رقيبا ولا

حفيظا، ولا يجب عليك أن تحملهم على الإيمان فإن هذا العمل أمره إلى الله، ولو شاء الله ذلك لجعلهم أمة واحدة لأنه هو القادر على ذلك، ولكن ترك للخلق حريتهم، وكلفهم وبنى أمرهم على ما يختارون ليدخل المؤمنين في رحمته، وقد شاء لهم ذلك، وهم قد اقتحموا العقبة واختاروا الهدى وآثروه على الضلالة، وقد ترك الظالمين بلا ولى ولا نصير سوى شياطينهم وأنفسهم فاستحبوا العمى على الهدى، فكانوا في عذاب شديد لا خلاص منه.
بل اتخذوا من دونه أولياء؟ لم يتخذوا وليا ينفعهم، ولا نصيرا ينصرهم، وإذا كان الأمر كذلك فالله وحده هو الولي النافع، وهو يحيى الموتى، وهو على كل شيء قدير، أما غيره فلا ينفع بل يضر، ولا يقدر على شيء بل إن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذه منه.
وما اختلفتم فيه من شيء من أمور الدين أو الدنيا فحكمه إلى الله الواحد القهار فهو الذي يحكم بين عباده. ذلكم الله- جل شأنه- هو ربي. عليه وحده توكلت، وإليه وحده أنيب وأرجع إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فالكل منه وإليه، وهو فاطر السموات والأرض، وخالقهما على نظام بديع محكم، جعل لكم من جنس أنفسكم أزواجا إليها تسكنون، وبسببها تتناسلون وتتكاثرون، وجعل من الأنعام أزواجا كذلك، فكل حيوان في الكون له ذكر وأنثى، وفيه غريزة المحافظة على جنسه ونوعه، وبهذا يتكاثر ويتوالد، وكأنه منساق إلى ذلك بطبعه وغريزته، وبهذا يفهم قوله تعالى:
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أى: يخلقكم ويكثركم في هذا الجعل السابق، أى: خلق الذكر والأنثى في الإنسان والحيوان، وكان هذا الجعل منبعا للتكاثر ومصدرا له، وأظن أن الواقع يؤيد ذلك.
هو الله الواحد الفرد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وهو الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله ليس مثله شيء من خلقه، ولا يشبهه شيء من الحوادث في أى ناحية كانت.
وهو السميع البصير، صاحب الملك والملكوت، بيده الخير وعنده مفاتيح الخزائن كلها، ومن عنده المفتاح فهو صاحب الخزانة والمتصرف فيها، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقتر الرزق على من يشاء لحكم هو وحده يعلمها، إنه بكل شيء عليم.