آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
ﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

قال: ورائي أني سمعت قولا، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها لي، خلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزّه عزّكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم».
القرآن الكريم وإعراض المشركين عنه وبشرية الرسول ص
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤)
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨)
الإعراب:
تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، كِتابٌ تَنْزِيلٌ: مبتدأ، ومِنَ الرَّحْمنِ: صفة له، وكِتابٌ: خبره، أو خبر مبتدأ محذوف، أي هذا تنزيل.
قُرْآناً عَرَبِيًّا قُرْآناً: حال وعامله: فُصِّلَتْ أو منصوب بفصلت أو منصوب على المدح، أي أمدح قرآنا عربيا. ولِقَوْمٍ.. متعلق بفصلت.

صفحة رقم 183

بَشِيراً وَنَذِيراً حال من الآيات وعامله: فُصِّلَتْ أو حال من كِتابٌ لأنه قد وصف، وعامله «هذا» إذا قدرت، لما فيه من معنى التنبيه أو الإشارة، أي هذا كتاب فصلت آياته.
يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ.. إِنَّما: مرفوع بيوحى على أنه مفعول الفعل المبني للمجهول.
البلاغة:
بَشِيراً وَنَذِيراً بينهما طباق.
وَقالُوا: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ استعارة تصريحية، شبّهوا إعراضهم عن القرآن ونفرتهم ومباعدتهم عنه وشدّة كراهيتهم بمن حجبت قلوبهم عن العلم، وأسماعهم عن الفهم والإدراك.
المفردات اللغوية:
حم للتنبيه على إعجاز القرآن وتحديه، وعلى خطر ما يذكر في السورة من أحكام.
فُصِّلَتْ بيّنت وميّزت أتمّ بيان وأوضح تفصيل للأحكام والقصص والمواعظ. قُرْآناً عَرَبِيًّا بلغة العرب كله، وفيه امتنان بسهولة قراءته وفهمه. لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ لقوم يفهمون ذلك، وهم العرب.
بَشِيراً وَنَذِيراً صفة القرآن، فهو مبشّر للعاملين به، ومنذر للمخالفين له. فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عن تدبّره وقبوله. فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ سماع تأمل وطاعة وقبول، أي لا يقبلون ولا يطيعون. وَقالُوا للنبي ص قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ أغطية، جمع كنان، كغطاء وأغطية، والكنان: جعبة (أو خريطة) السهام، والمراد أنها في أغطية سميكة متكاثفة. وَقْرٌ صمم أو ثقل سمع. حِجابٌ ستار أو ساتر يمنعنا عن التواصل، والمراد: خلاف في الدين، وقوله:
وَمِنْ بَيْنِنا.. للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم ومنه، بحيث استوعب المسافة المتوسطة، ولم يبق فراغ. فَاعْمَلْ على دينك. إِنَّنا عامِلُونَ على ديننا.
أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أي لست ملكا أو جنّيا لا يمكنكم الالتقاء به. أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ أي إنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل. فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ توجهوا إليه بالإيمان والطاعة.
وَاسْتَغْفِرُوهُ اطلبوا المغفرة مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل. وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله، والويل: كلمة عذاب، وهو كلمة تهديد لهم، أو واد في جهنم.
لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق، وذلك من أعظم الرّذائل. وفيه دليل على

صفحة رقم 184

أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ هُمْ الثانية تأكيد، والجملة حالية مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة. غَيْرُ مَمْنُونٍ غير مقطوع، ولا يمنّ به عليهم، من المنّ.
التفسير والبيان:
حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذه الحروف المقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن وللدلالة على خطر ما يتلى بعدها، هذا القرآن منزّل من الله تبارك وتعالى ذي الرحمة الواسعة لعباده، فهو المنعم بعظائم النّعم ودقائقها، إنه منزّل على عبده ونبيّه محمد ص. وتخصيص هذين الوصفين الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بالذّكر هنا للدلالة على أن هذا القرآن هو البلسم الشافي للأمم والأفراد والجماعات، وهو الرّحمة الكبرى للعالم، كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء ٢١/ ١٠٧].
ونظير الآية قوله تعالى: قُلْ: نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل ١٦/ ١٠٢]، وقوله سبحانه: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء ٢٦/ ١٩٢- ١٩٥].
كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وهو كتاب بيّنت آياته بيانا شافيا، وأوضحت معانيه، وأحكمت أحكامه: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود ١١/ ١]، وقد أنزلناه بلغة العرب، ليسهل فهمه، فمعانيه مفصّلة، وألفاظه واضحة غير مشكلة، وإنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون الذين يعلمون أن القرآن منزل من عند الله، ويعلمون معانيه، لنزوله بلغتهم، كما قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا، لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف ١٢/ ٢]، وقال سبحانه: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم ١٤/ ٤].

صفحة رقم 185

بَشِيراً وَنَذِيراً، فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ، فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ أي إن هذا القرآن يبشّر المؤمنين أولياء الله بالجنة لاتّباعهم له وعملهم به، وينذر الكافرين أعداء الله بالنار لمخالفتهم أحكامه، وإصرارهم على التكذيب به حتى الموت، ولكن أعرض أكثر الكفار المشركين عمّا اشتمل عليه من الإنذار، وعن الإصغاء إليه، فهم لا يسمعون آياته سماع تدبّر وانتفاع، ولم يقبلوه ولم يطيعوا أحكامه، لإعراضهم عنه، بالرغم من بيانه ووضوحه.
ثم صرّحوا بأسباب ثلاثة لنفرتهم ومباعدتهم عنه، كما حكى تعالى:
وَقالُوا: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ، فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ أي وقال أولئك المشركون: قلوبنا في أغطية، فهي لا تفقه ما تقول، ولا يصل إليها قولك ودعوتك إلى الإيمان بالله وحده، وترك عبادة الآباء والأجداد، وفي آذاننا صمم وثقل سمع يمنعها من استماع قولك، ومن بيننا وبينك ساتر يستر عنا رؤيتك، ويمنعنا من إجابتك.
وهذه تمثيلات ثلاثة منهم لنبو قلوبهم عن إدراك الحق، ومجّ أسماعهم له، وامتناع المواصلة بينهم وبين رسول الله ص. قيل: إن أبا جهل استغشى على رأسه ثوبا وقال: يا محمد بيننا وبينك حجاب، استهزاء منه.
فاعمل على دينك وطريقتك، إننا عاملون على ديننا وطريقتنا، لا نتابعك، واعمل في هلاكنا وإبطال أمرنا، فإنا عاملون في هلاكك وإبطال أمرك وفضّ الناس من حولك.
وأذكر هنا رواية أخرى لما ذكرت في فضل هذه السورة،
روي أن عتبة بن ربيعة ذهب إلى رسول الله ص ليعظم عليه أمر مخالفته لقومه، وليقبح عليه فيما بينه وبينه، وليبعد ما جاء به، فلما تكلّم عتبة، قرأ رسول الله ص حم ومرّ في صدرها حتى انتهى إلى قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ

صفحة رقم 186

صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ
فأرعد الشيخ، ووقف شعره، فأمسك على فم رسول الله ص بيده، وناشده بالرّحم أن يمسك وقال حين فارقه:
«والله لقد سمعت شيئا ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، ولقد ظننت أن صاعقة العذاب على رأسي».
وبعد أن ذكروا أسباب إبائهم الإيمان بالله وحده، أجيبوا بأن محمدا مجرد بشر لا يقدر على جبرهم على الإيمان، فقال تعالى:
قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ أي قل أيها الرسول مجيبا قومك المكذبين المشركين عن شبهتهم:
ما أنا إلا بشر كواحد منكم لولا الوحي، وإني لا أقدر أن أحملكم على الإيمان جبرا وقهرا، فإني بشر مثلكم، لكني أبلغكم ما أوحي إليّ به، وخلاصة ذلك الوحي أمران: العلم والعمل، أما العلم فأساسه معرفة التوحيد، لأن الحق هو أن الله واحد، وليس معه شريك من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرّقين، وهو المراد بقوله: أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ والحق يجب علينا أن نعترف به، والعمل أساسه: الاستقامة والاستغفار والتوبة من الذنوب، أي الطاعة وإخلاص العبادة، وطلب العفو عن الذنوب السالفة، ورأسها الشرك، لذا أعقبه بتهديد المشركين، فقال تعالى:
وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ أي الهلاك والدمار والخسارة للمشركين الذين أشركوا مع الله إلها آخر، والذين تجرّدوا من حبّ الإنسانية والشفقة على خلق الله فلا يؤدون الزكاة، ويمنعونها عن الفقراء، ولا ينفقون في الطاعة، وهم جاحدون الآخرة، منكرون البعث والحساب والجزاء.
فالله تعالى أثبت الويل لمن اتّصف بصفات ثلاث:

صفحة رقم 187

أولها- أن يكون مشركا، وهو ضدّ التوحيد.
وثانيها- كونه ممتنعا من أداء الزكاة، وهو ضدّ الشفقة على خلق الله تعالى.
وثالثها- كونه منكرا للقيامة، مستغرقا في طلب الدنيا ولذاتها.
وإنما ذكر الله تعالى هذه الأوصاف، لأن الإيمان أساس العقيدة، والشرك هدم لها، ولأن الزكاة دليل الإيمان، لأنها اقتطاع جزء من أحب الأشياء إلى النفس وهو المال قرين الروح، لذا قيل: الزكاة قنطرة الإسلام، فمن قطعها نجا، ومن تخلّف عنها هلك. ومنع الزكاة قسوة على عباد الله، وبذلها دليل على صدق النّية.
وأما الإيمان بالآخرة: فهو خلاصة الإيمان وهدفه وتقرير للمصير. وإنكار البعث والقيامة: تدمير لكل الأعمال في الدنيا، وانصراف إليها وإعراض عن الآخرة.
وهذه الآية تهديد لمن يشرك بالله، ويمنع الزكاة التي تطهّر النّفس من داء الشّح والبخل، وينكر البعث والجزاء والحساب يوم القيامة وينصرف إلى الدنيا ولذاتها. ونحو الآية: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس ٩١/ ٩- ١٠].
ثم أعقب وعيد الكفار بوعد المؤمنين للجمع المألوف في القرآن بين الترهيب والتّرغيب، فقال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ أي إن الذين صدقوا بالله ورسوله، وعملوا بما أمر الله به وانتهوا عما نهى عنه، لهم عند ربّهم أجر وثواب غير مقطوع ولا ممنوع، ولا يمنّ عليهم به، لأن المنّة بالتّفضل، وأما

صفحة رقم 188

الأجر فحقّ أداؤه، كما قال تعالى: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود ١١/ ١٠٨]، وقال سبحانه: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [الانشقاق ٨٤/ ٢٥]. قال السّدّي: نزلت في الزّمنى والمرضى والهرمى إذا ضعفوا عن الطاعة، كتب لهم من الأجر كأصحّ ما كانوا يعملون فيه.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- وصف الله تعالى القرآن في مطلع هذه السورة بصفات عشر: هي كونه تنزيلا، وكون ذلك التنزيل من الرحمن الرحيم، وكونه كتابا، وفصّلت آياته، وكونه قرآنا، وكونه عربيا، ولقوم يعلمون ليفهموا منه المراد، وبشيرا، ونذيرا، وكونهم معرضين عنه لا يسمعون ولا يلتفتون إليه.
٢- ذهب أكثر المتكلمين إلى أنه يجب على المكلّف تنزيل ألفاظ القرآن على المعاني التي هي موضوعة لها بحسب اللغة العربية، وحملها على معان أخر بغير هذا الطريق باطل قطعا.
٣- ليس في القرآن الكريم لفظ غير عربي، وهذا ردّ على من قال: اشتمل القرآن على سائر اللغات، مثل إِسْتَبْرَقٍ وسِجِّيلٍ من اللغة الفارسية، وكَمِشْكاةٍ من لغة الحبشة، وبِالْقِسْطاسِ
من لغة الروم.
٤- إن ألفاظ الإيمان والكفر والصلاة والزكاة والصوم والحج هي ألفاظ عربية لغوية، لا شرعية، وإنما خصصها الشرع ببعض أنواع مسمياتها، فالإيمان مثلا خصصه الشرع بنوع معين من التصديق، والصلاة خصصها الشرع بنوع معين من الدعاء، وهكذا البواقي، لقوله تعالى السابق: قُرْآناً عَرَبِيًّا وقوله المتقدم: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ.

صفحة رقم 189

٥- إن وصف القرآن بكونه عَرَبِيًّا في معرض المدح والتعظيم دليل على أن لغة العرب أفضل اللغات.
٦- دلّ قوله تعالى: لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ على أنه لا يجوز أن يحصل في القرآن شيء غير معلوم، لأن المعنى: إنما جعلناه عربيا ليصير معلوما.
٧- دلّ قوله تعالى: فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ على أن الهادي من هداه الله، وأن الضّال من أضلّه الله. وهذا بعد اختيار أصل الهداية وأصل الكفر والضّلال، فليس المعنى: هو الجبر على الهداية أو الجبر على الضّلالة، فإن المشركين أعرضوا عن القرآن بعد توافر موجبات ثلاثة للإيمان، وهي: كون القرآن نازلا من عند الله الرّحمن الرّحيم، وكونه عربيا، وكونه بشيرا ونذيرا.
٨- دلّت آية: وَقالُوا: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ.. الآية على أن الكفار كانوا في غاية النّفرة والمباعدة عن القرآن باختيارهم وتصريحهم.
٩- لا يختلف النّبيّ ص وغيره من الأنبياء عن سائر الناس إلا بإنزال الوحي عليهم، فهم بشر عاديون كسائر البشر، لكن اصطفاهم ربّهم للنّبوة والرسالة وتبليغ وحيه إلى الناس.
١٠- إن مناط السعادة تعظيم أمر الله، والشفقة على خلق الله، ولقد أخلّ المشركون بالأمرين معا، فكانوا أشقياء، فهم لم يعظموا الله بتوحيده، ولم يخلصوا العبادة والطاعة، ولم يبادروا إلى الاستغفار من الشرك، ولم يرحموا عباد الله بمنعهم الزكاة، ولم ينفقوا في الطاعة، ولم يستقيموا على أمر الله، وأنكروا البعث والحشر والحساب والجزاء. وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفره مع منع وجوب الزكاة عليه، فإنه تعالى ألحق الوعيد الشديد له على أمرين: كونه مشركا، وأنه لا يؤتي الزكاة، فدلّ على أن لعدم إيتاء الزكاة من المشرك تأثيرا عظيما في زيادة الوعيد.

صفحة رقم 190
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية