آيات من القرآن الكريم

وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ ۖ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ

[الجزء الخامس والعشرون]

[تتمة سورة فصلت]
اختصاص علم الساعة بالله تعالى وانتهاء أسطورة الشرك فيها
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٤٧ الى ٤٨]
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨)
الإعراب:
آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ ما: نافية علّقت الفعل آذَنَّاكَ أي أعلمناك عن العمل. وكذلك:
وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ما: علقت الفعل ظَنُّوا عن العمل. وكأنه إذا وقع النفي بعد الظن جرى مجرى القسم، فيكون حكمه حكم القسم.
البلاغة:
تَحْمِلُ تَضَعُ بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ إلى الله وحده يرجع علم الساعة، متى تكون، لا يعلمها إلّا هو، والساعة: يوم القيامة. مِنْ ثَمَراتٍ جمع لاختلاف الأنواع، وقرئ: من ثمرة. أَكْمامِها أوعيتها، جمع كمّ- بكسر الكاف: وهو وعاء الثمرة، وقد يطلق على كل ظرف لمال أو غيره، وما في قوله: وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ نافية، ومن: مزيدة للاستغراق، أي لا تخرج ثمرة إلا بعلمه تعالى. وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ما أيضا: نافية، أي إلا مقرونا بعلمه. أَيْنَ شُرَكائِي؟ بزعمكم. آذَنَّاكَ أعلمناك وأخبرناك. ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ أي من أحد يشهد لهم بالشركة إذا تبرأنا منهم لما عاينا الحال، فيكون السؤال عنهم للتوبيخ.
وَضَلَّ عَنْهُمْ غاب عنهم فلا ينفعهم أو لا يرونه. يَدْعُونَ يعبدون. مِنْ قَبْلُ

صفحة رقم 5

في الدنيا من الأصنام. وَظَنُّوا أيقنوا. ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ مهرب من العذاب، وما نافية علقت الفعل. ظَنُّوا عن العمل، وجملة النفي سدّت مسد المفعولين.
المناسبة:
بعد تهديد الكفار بأن جزاء كل أحد يصل إليه يوم القيامة في قوله تعالى:
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها أوضح الله تعالى بأن علم هذا اليوم مختص به سبحانه، فلا يعلمه إلا هو، كما لا يعلم الإنسان بأمور أخرى. ثم ذكر انتهاء أسطورة الشرك في ذلك اليوم، إذ يتيقن الناس أن الله واحد لا شريك له، وتتبدد كل الآمال بأن الأصنام والأنداد تنفعهم.
التفسير والبيان:
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ أي إن علم يوم القيامة مرده إلى الله، لا إلى غيره، وهذا جواب سؤال، فكأن سائلا قال: ومتى يكون ذلك اليوم؟
ونحو الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها، إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها [النازعات ٧٩/ ٤٢- ٤٤] وقوله سبحانه: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي، لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [الأعراف ٧/ ١٨٧] وقوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان ٣١/ ٢٤].
ولذا
أجاب النبي صلّى الله عليه وسلّم جبريل عليه السلام في حديث البخاري ومسلم عن عمر بقوله حينما سأله عن الساعة: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل».
ثم ذكر تعالى أنه مختص أيضا بغيب المستقبل، فقال:
وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها، وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ أي ويعلم سبحانه كل ثمرة تخرج من وعائها، ووقت ظهورها تماما، ويعلم كل

صفحة رقم 6

ما تحمله الحامل وما تضعه، وزمن الحمل والوضع بدقة، فإليه يردّ علم الساعة، كما يرد إليه علم هذه الأمور.
ونظير مقدمة الآية: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها [الأنعام ٦/ ٥٩] ونظير القسم الثاني: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى، وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ، وَما تَزْدادُ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ [الرعد ١٣/ ٨- ٩] وقوله سبحانه: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ، وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر ٣٥/ ١١].
ثم يبين الله تعالى انتهاء أسطورة الشرك، فيقول للرد على المشركين الذين دعاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى التوحيد والتبرؤ من عبادة الأصنام والأوثان في بدء السورة.
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي؟ قالُوا: آذَنَّاكَ، ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ أي واذكر أيها الرسول يوم ينادي الله سبحانه المشركين في يوم القيامة متسائلا على سبيل التهكم والتوبيخ: أين شركائي الذين كنتم تزعمون من الأصنام وغيرها، فادعوهم الآن فليشفعوا لكم، أو يدفعوا عنكم العذاب؟ فيجيبون: لقد أعلمناك أو أسمعناك أن ليس أحد منا يشهد اليوم أن معك شريكا. ونفي الشهادة يراد به التبرؤ من الشركاء، كما قال تعالى عنهم: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام ٦/ ٢٣].
وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ، وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ أي ذهبت عنهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا، من الأصنام وغيرها، فلم تنفعهم، وتيقنوا وعلموا ألا مهرب لهم ولا ملجأ من عذاب الله كقوله تعالى:
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ، فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً [الكهف ١٨/ ٥٣].
وهذا وعيد وتهديد للمشركين.

صفحة رقم 7

فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- استأثر الله تعالى بعلم الغيب مطلقا علما قطعيا يقينيا جازما، فهو وحده العالم بوقت يوم القيامة، وبزمان خروج الثمرة من أوعيتها أي تحول الزهرة إلى ثمرة ومعرفة نوعها، وبلحظة حمل الأنثى ووضعها، ونوع الحمل وخصائصه وصفاته.
أما علم المنجمين فهو علم محدود جدا، ومن الحدس والتخمين والظن، لا من باب العلم واليقين، فإن العلم الذي هو الجزم واليقين مختص بالله تعالى، وعلم هؤلاء قد يصادف الواقع، والغالب أنه لا يتفق مع الواقع. وكذلك علم الأطباء بنوع الحمل أو تاريخ الوضع هو علم ظني، وليس في دقة علم الله، وليس شاملا شمول علم الله، فالله هو المنفرد بعلم خصائص الحمل والمولود.
٢- انتهاء أسطورة الشرك والتعلق بشفاعة الأصنام والأوثان في يوم القيامة، ففي هذا اليوم يعلن المشركون أن الله واحد لا شريك له، وأنّه لا أمل بنفع الشركاء وشفاعتهم، وألا محيد ولا مهرب ولا فرار من عذاب النار.
لقد بدؤوا بنفي الشرك لما عاينوا القيامة، وتبرؤوا من الأصنام وتبرأت الأصنام منهم، ثم أدركوا ألا نفع منها، ثم تيقنوا وعلموا أنهم واقعون حتما في عذاب النار دون إمكان الفرار أو الهرب.
وهذا منسجم مع الموضوع الأساسي للسورة وهو إثبات التوحيد، ونبذ عبادة الأصنام، والإقرار بيوم البعث، فقد دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى ذلك كله، كما جاء في بدء السورة: قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ولكن المشركين أعرضوا عن دعوته في الدنيا، وقالوا: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه...

صفحة رقم 8
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية