
فإذا نزل عليها الغيث من السماء تحركت بالنبات، وانتفخت، وأخرجت ألوان الزرع والثمار، كما يشاهد من ارتفاع الأرض وانتفاخها، ثم تصدّعها وتشققها إذا حان ظهور النبات منها، وتراه يسمو في الجوّ ويغطى قشرتها، ثم تتشعب عروقه، وتغلظ سوقه.
(إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي إن الذي أحيا هذه الأرض الدارسة، وأخرج منها النبات، وجعلها تهتز بالزرع- قادر على أن يحيى أموات بنى آدم بعد مماتهم، وهو القدير على كل شىء، لا يعجزه شىء كائنا ما كان.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٤٠ الى ٤٢]
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)
تفسير المفردات
يقال: ألحد الحافر في الأرض: إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق منها، والمراد بالملحدين المنحرفون في تأويل الآيات بحملها على المحامل الباطلة، والذكر: القرآن، من بين يديه ومن خلفه: أي من جميع جهاته، حكيم: أي في جميع أفعاله، حميد:
أي محمود إلى جميع خلقه بكثرة نعمه عليهم.
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه أن الدعوة إلى دين الله أسمى المقاصد، وأنها إنما تحصل بذكر دلائل التوحيد وصحة البعث يوم القيامة- أعقب هذا بتهديد من ينازع

فى تلك الدلائل بإلقاء الشبهات، ثم هددهم بضروب من التهديد، فهددهم بقوله:
«لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا» وبقوله: «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» وبقوله:
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ» إلخ.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) أي إن الذين يميلون عن الحق فى حججنا تكذيبا بها وجحودا لها- نحن بهم عالمون لا يخفون علينا، ونحن لهم بالمرصاد إذا وردوا علينا، وسنجازيهم بما يستحقون.
ولا يخفى ما في ذلك من شديد الوعيد كما يقول الملك المهيب: إن الذين ينازعوننى فى ملكى أعرفهم ولا شك، فهو يريد تهديدهم وإلقاء الرعب في قلوبهم.
ثم بين كيفية الجزاء والتفاوت بين المؤمن والكافر فقال:
(أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ؟) أي أفمن يلقى في النار لإلحاده بالآيات، وتكذيبه للرسول خير أم من آمن بها، وجاء يوم القيامة من الآمنين حين يجمع الله الخلائق للعرض عليه والحكم بينهم بالعدل؟ لا شك أنهما لا يستويان.
وظاهر الآية العموم وتمثيل حالى المؤمن والكافر، وقيل المراد بمن يلقى في النار أبو جهل، وبمن يأتى آمنا النبي صلّى الله عليه وسلم.
وعن بشير بن تميم قال: نزلت في أبى جهل وعمار بن ياسر.
وبعد أن أبان لهم عاقبة الملحدين بالآيات والمؤمنين بها، هددهم بقوله:
(اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) فقد علمتم مصير المسيء والمحسن، فمن أراد أحد الجزاءين فليعمل له فإنه ملاقيه.
(إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي إنه بأعمالكم ذو خبرة وعلم لا تخفى عليه خافية منها ولا من غيرها، وهو مجازيكم بحسب أعمالكم.