آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﰿ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

القرية.
وقيل: المعنى: ما هم ببالغين الكبر.
فالمعنى: إنهم قوم رأوا أن اتباعهم لمحمد ﷺ نقص لجاههم ومختلفته رفعة لهم، فأعلم الله تعالى نبيه ﷺ أنهم لا يبلغون الإرتفاع الذي قصدوه بالتكذيب.
ثم قال لنبيه ﷺ: ﴿ فاستعذ بالله﴾، أي: تعوذ يا محمد بالله من شرهم وبغيهم وحسدهم، وذلك أنها نزلت في اليهود.
قال قتادة: معناه: فاستجر بالله يا محمد من شر هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان، ومن كبرهم.
﴿إِنَّهُ هُوَ السميع البصير﴾، أي: السميع لما يقولون، البصير بأعمالهم.
قوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس﴾ - إلى قوله - ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي: لا بتداعُ خلق السماوات والأرض أعظم

صفحة رقم 6450

عندكم من خلق الناس (إن كنتم تستعظمون خلق الناس).
﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على الله تعالى، وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن كذب بالبعث فنبههم أن خلق السماوات والأرض أعظم من خلق الناس بعد موتهم وإعادتههم.
فمن قدر على إحداث السماوات والأرض، ورفع السماوات بغير عمد، وتسخير شمسها وقمرها ونجومها واختلاف ليلها ونهارها وتسخير سحابها وإنزال غيثها وتصريف رياحها، فكيف لا يقدر على خلق الناس وبعثهم بعد موتهم، فذلك أهون على الله وأصغر!.
قال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَلاَ المسياء﴾، أي وما يستوى الكافر الذي لا يؤمن، والمؤمن في التدبر في آيات الله تعالى، والإعتبار في وحدانتيه وقدرته، ولا يستوي المؤمن الذي يعمل الصالحات والمسيء، وهو الكافر الذي يعمل بما لا يرضى الله تعالى به.
﴿قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾، أي: قليلاً تذكرهم حجج الله سبحانه وآياته وقيل: المعنى: لا يستوي العالم المستدل بآيات الله سبحانه وقدرته على بعث الأموات، والجاهل الذي قد عمي عن الاستدال بذلك / وجهل معرفة الاستدلال والبرهان على قدرة الله سبحانه، كما لا يستوي الأعمى والبصير.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الساعة لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا﴾، أي: لا شك فيها، ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ﴾، أي: لا يصدقون بقيام الساعة.
ثم قال تعالى ذكره ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، أي: اعبدوني وأخلصوا العبادة لي أجب دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم.

صفحة رقم 6451

قال ابن عباس: ادعوني استجب لكم ووحدوني أغفر لكم.
وروى النعمان بن بشير عن النبي ﷺ أنه قال: " الدعاء هو العبادة وتلا رسول الله ﷺ ﴿" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني﴾ " الآية.
ويدل على أن الدعاء العبادة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾، ومعناه: إن الذين يتعظون عن إفرادي بالعبادة والإخلاص لي.
﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، أي صاغرين، قاله السدي وأبو عبدة.
وقال السدي: يستكبرون على عبادتي، أي: عن دعائي.
ثم قال تعالى: ﴿الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً﴾. هذا تذكير

صفحة رقم 6452

من الله تعالى لخلقه على نعمه أنه جعل لهم الليل لتسكن فيه جوارحهم وتهدأ حركاتهم، وجعل النهار مبصراً ليتصرفوا في معايشهم ومنافعهم.
ولم يجعل الليل دائماً فيمتنعوا من التصرف (في منافعهم) فيضيعوا، ولا جعل النهار دائماً فيمتنعوا من السكون والراحة، بل دبر أحسن تدبير وأتقن أحسن غتقان.
فلا تصلح الألوهية والعبادة (إلا له) لا إله إلا هو.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس﴾، أي: لذو تفضل عليهم وإحسان بما أمتعهم به من المنافع وحسن التدبير.
﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾، أي لا يشكرونه بالطاعة وإخلاص العبادة والشكر على نعمه.
ثم قال تعالى: ﴿ذلكم الله رَبُّكُمْ خالق كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إله إِلاَّ هُوَ﴾، (أي: الذي) فعل هذه النصالح لكم وأحسن إليكم هو الله ربكم خالقكم وخالق كل شيء.
﴿لاَّ إله إِلاَّ هُوَ﴾، أي: لا معبود غيره تصلح له العبادة.

صفحة رقم 6453

﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾، أي: فمن أي وجه تقلبون عن الحق، وإلى أي وجه تذهبون عنه فتعبدون سواه.
ثم قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الذين كَانُواْ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ﴾، أي كذهابكم عن محمد ﷺ وما جاء به، وانصرافكم عنه إلى الباطل، ذهاب الذين كانوا من قبلكم يكذبون بحجج الله فسلكتم أنتم معشر قريش مسلكهم في الضلال.
﴿يُؤْفَكُ﴾، بمعنى: أفك، لأنه أمر قد مضى، ودل على ذلك قوله: ﴿كَانُواْ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ﴾.
ومعنى " يوفك ": يُغلب ويصرف عن الحق.
ثم قال: ﴿الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً والسمآء بِنَآءً﴾، أي جعل لكم الأرض قراراً تستقرون عليها، وتسكنون فوقها، وجعل لكم السماء بناءً فرفعها فوقكم بغير عمد ترونها لمصالحكم وقوام دنياكم إلى بلوغ آجالكم.
﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾، أي: وخلقكم فأحسن خلقكم.
﴿وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات﴾، أي: من حلال الرزق وطيبه ولذيذه، هو الله

صفحة رقم 6454

ربكم الذي لا تصلح (الألوهية إلا له ولا تحسن) العبادة لغيره.
ثم قال: ﴿ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ﴾، أي الذي خلق هذه الأشياء لكم وأحسن إليكم، هو الله ربكم لا تصلح الربوبية (إلا له).
﴿فَتَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين﴾، أي: مالك جميع الخلق.
ثم قال تعالى ﴿هُوَ الحي لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾، أي: لا معبود غيره يستحق العبادة.
﴿فادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾، أي: مفردين له (العبادة والألوهية).
﴿الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾، أي: الشكر العام لله مالك جميع الخلق. وكان جماعة من المفسرين يأمرون من قال لا إله إلا الله أن يتبع ذلك الحمد (لله رب العالمين)، امتثالاً بهذه الآية لأنها أمر من الله جل ذكره أن يقال ذلك.
قال ابن عباس: " من قال لا إله إلا الله، فليقل على إثرها الحمد لله رب

صفحة رقم 6455

العالمين " وكذلك قال ابن جبير.
﴿فادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾: قولوا الحمد لله رب العالمين.
وقرأ أبو رزين: " صوركم " بكسر الصاد، وأصلها الضم. وعلة ذلك عند سيبويه أن جميع فُعْلة وفِعْلة قد اشتركا في الإسكان للعين.
في الجمع المسلم. قالوا: ركبة وركبات، فاسكنوا، وأصل الكاف الضم، وقالو: هند وهندات، فأسكنوا، وأصل النون الكسر. فلما اشتركا في ذلك اشتركا في التكسير في الضم والكسر فقالوا: صُورة وصوَرٌ وصِور ورشوة ورشا فأدخلوا فعلة في الضم وهو

صفحة رقم 6456

(الفعلة وكذلك) (أدخلوا فعلة) في الكسر وهو الفعلة.
ثم قال تعالى ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾، أي: قل يا محمد إني نهيت أن أعبد الأوثان والأصنام التي تعبدونها أنتم من دون الله سبحانه.
﴿لَمَّا جَآءَنِيَ البينات مِن رَّبِّي﴾، إني نهيت عن ذلك لما آتتني آيات الكتاب الذي نزل علي من عند ربي.
﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين﴾ أي: أمرت في الكتاب (الذي أنزل) أن أخلص العبادة والخضوع بالطاعة لرب الخلق ومالكهم وخالقهم ورازقهم.
ثم قال تعالى ﴿هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ﴾، يعني آدم.
﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ - إلى آخر الآية، يعني به ذرية آدم وقوله: ﴿ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً﴾ هذا جمع للعدد الكثير وحكم القليل فيه " أشيخ " كفلس وأفلس. إلا أنهم استثقلوا الضمة على الياء. فشبهوا باب فعل بفعل. وحق فعل في

صفحة رقم 6457

القليل أن يجمع على أفعال كجمل وأجمال فجمعوا فعلاً عند الاستثقال بضمة الياء على " أفعال " فقالوا: أشياخ ". والأصل (أشيخ، ومثله زيد) وأزياد، والأصل أزيد. فإن اضطر شاعر جاز أن يأتي به على أفعال فيقول أزيد وأشيخ كما قالوا: عين وأعين وإنما حسن في أعين في غير الشعر لأنها مؤنثة. والشيخ ما جاوز الأربعين.
وهذه الآية حجة على المشركين وتنبيه لهم على قدرة الله تعالى.
وأن من قدر على هذه الأشياء قادر على إحياء الموتى، فضرب ذلك لهم ونبههم عليه لعلهم يعقلون ما دعوا إليه فيتوبون من الكفر.
وقوله: ﴿ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُواْ﴾ متعلق بمضمر إذ ليس بمتصل

صفحة رقم 6458

بما قبله في اللفظ.
والتقدير: ثم من علقة، ثم يعمركم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً.
﴿وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ﴾، أي قبل هذا كله، وهو السقط وشبهه، نحو الإزلاق وهو ما سقط نطفة، ومثل الإجهاض وهو ما سقط مضغه، والإسقاط ما سقط تام الخلق.
وقد قال الخليل: (الإجهاض: التام) الخلق. وعلى الأول أكثر الناس.
وقوله: ﴿أَجَلاً مُّسَمًّى﴾، يعني به أجل الموت للكل، أي: يعمركم لتبلغوا أجل الموت.
وقوله: ﴿أَشُدَّكُمْ﴾، قيل: (ثمان عشرة) سنة. وقال ربيعة (ومالك: الأشد

صفحة رقم 6459
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية