آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

(وقال ربكم ادعوني استجب لكم) قال أكثر المفسرين: المعنى وحدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم، وأغفر لكم، وأجبكم وأثبكم. وقيل: هذا الوعد بالإجابة مقيد بالمشيئة، أي استجب لكم إن شئت، كقوله (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء الله) وقيل: المراد بالدعاء السؤال بجلب النفع ودفع الضر، قيل: الأول أولى لأن الدعاء في أكثر استعمالات الكتاب العزيز هو العبادة.
قلت: بل الثاني أولى، لأن معنى الدعاء حقيقة وشرعاً هو الطلب، فإن استعمل في غير ذلك فهو مجاز، على أن الدعاء في نفسه باعتبار معناه الحقيقي هو عبادة، بل مخ العبادة، كما ورد بذلك الحديث الصحيح، فالله سبحانه قد أمر عباده بدعائه، ووعدهم بالإجابة، ووعده

صفحة رقم 205

الحق، وما يبدل القول لديه، ولا يخلف الميعاد.
وعن ابن عباس قال: وحدوني أغفر لكم، وقال جرير بن عبد الله اعبدوني، وعن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ " الدعاء الاستغفار " أخرجه ابن مردويه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ من لم يدع الله يغضب عليه، أخرجه أحمد والحاكم وابن أبي شيبة. وعن معاذ بن جبل عن النبي ﷺ قال: " لا ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، فعليكم بالدعاء "، أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ " الدعاء مخ العبادة " (١) أخرجه الترمذي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وعن ابن عباس قال أفضل العبادة الدعاء، وقرأ هذه الآية، وأخرج البخاري في الأدب عن عائشة قالت: سئل النبي ﷺ " أي العبادة أفضل؟ فقال دعاء المرء لنفسه ". ثم صرح سبحانه بأن هذا الدعاء باعتبار معناه الحقيقي وهو الطلب هو من عبادته فقال:
(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ) قرأ الجمهور بفتح الياء وضم الخاء وقرىء بالعكس مبينا للمفعول (دَاخِرِينَ) أي ذليلين صاغرين، وهذا وعيد شديد لمن استكبر عن دعاء الله، وفيه لطف بعباده عظيم، وإحسان إليهم جليل حيث توعد من ترك طلب الخير منه واستدفاع الشر به بهذا الوعيد البالغ، وعاقبه بهذه العقوبة العظيمة، فيا عباد الله وجهوا رغباتكم، وعولوا في كل طلباتكم على من أمركم بتوجيهها إليه، وأرشدكم إلى التعويل عليه، وكفل لكم الإجابة باعطاء الطلبة فهو الكريم المطلق، الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويغضب على من لم يطلب من فضله العظيم، وملكه الواسع ما يحتاجه من أمور الدنيا
_________
(١) الدعاء وهو العبادة أخرجه أحمد ٤/ ٢٧١ وغيره.

صفحة رقم 206

والدين.
وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله ﷺ " الدعاء هو العبادة " ثم قرأ: وقال ربكم أدعوني إلى قوله داخرين، أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، والبخاري في الأدب، وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب، وأحمد وابن أبي شيبه وعبد بن حميد وسعيد بن منصور والطبراني.
ثم ذكر سبحانه بعض ما أنعم به على عباده فقال:

صفحة رقم 207
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية