آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة غافر
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
سورة (المؤمن) مكية.
قوله (تعالى ذكره): ﴿حم* تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله﴾ - إلى قوله - ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ﴾.
من رواية ابن وهب روى أن ابن عباس كان يقول: " لكل شيء لباب وأن لباب القرآن الحواميم ".

صفحة رقم 6395

ويقال: من ديباج القرآن.
وعن ابن مسعود أنه قال: من أراد رياضاً فليقرأ الحواميم. من رواية ابن وهب.
قرأ عيسى بن عمر: حاميم بفتح الميم. نصبه بإضمار فعل.
والتقدير: اقرأ حاميم. ولكن لا ينصرف لأنه اسم لمؤنث، إذ هو اسم السورة.
وقيل لم ينصرف لأنه بمنزلة أبنية بعض الأسماء الأعجمية (كهابيل)

صفحة رقم 6396

وقابيل.
ويجوز أن تكون فتحة الميم بناء (لالتقاء) الساكنين.
قال ابن عباس (الّر وحمَ ونون) مقطعة من الرحمن. وعنه أيضاً أن حَم: اسم من أسماء الله تعالى وهو قسم.
وعنه أن حّم اسم الله الأعظم.
وقال قتادة: حَم اسم من أسماء القرآن.
وقال الضحاك: حَم: قضى هذا القرآن.

صفحة رقم 6397

جعله مأخوذاً من حَم الامر إذا وجب.
والمعنى: حَم تنزيل هذا الكتاب من عند الله تعالى.
﴿ العزيز﴾ في انتقامه من أعدائه.
﴿العليم﴾، أي: العالم بما يعمل خلقه وبغير ذلك.
ثم قال تعالى: ﴿غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب﴾.
﴿غَافِرِ﴾ خُفِضَ على البدل ولا يحسن أن يكون نعتاً لأنه نكرة إذ هو لما يستقبل ومثله: ﴿وَقَابِلِ التوب﴾. فإن جعلتهما. لما مضى حَسُنَ، لأنه تعالى ذكره لم يزل غفاراً لذنوب عباده قابلاً للتوبة ممن تاب منهم. فيحسن على هذا أن يكونا نعتين لله جل ذكره، ويحسن أن يكونا بدلاً.
والتوب: جمع توبة كدومة ودوم. ويجوز أن يكون التوب مصدراً كتوبة يقال: تاب توبة وتوباً.

صفحة رقم 6398

فأما قوله ﴿شَدِيدِ العقاب﴾ فهو نكرة، فلا يجوز أن يكون إلاّ بدلاً.
فأما قوله: ﴿ذِي الطول﴾ فيحسن أن يكون معرفة لأنه لم يزل كذلك، فيجوز (على ذلك أن يكون) نعتاً وبدلاً.
وقوله: ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ جملة في موضع النعت.
ومعنى ﴿شَدِيدِ العقاب﴾، أي: لمن عاقبه من أهل العصيان.
ومعنى ﴿ذِي الطول﴾: ذي الفضل المبسوط على من يشاء من خلقه.
قال ابن عباس: ذِي الطَّوْلِ: " ذِي السَّعَة والغنى ".
وقيل: معناه: ذي الطول على أوليائه يضاعف لهم الحسنات ويعفو عن السيئات. وقيل: معناه: ذي الغناء عمن لا يقول: " لا إله إلا الله " ودل على هذا المعنى قوله بعد ذلك: لا إله إلا هو.
وقال قتادة: " ذي الطول: ذي النعم ".

صفحة رقم 6399

وقال ابن زيد: الطول: القدرة.
ومعنى ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المصير﴾، أي: لا معبود غيره، إليه المرجع.
ثم قال تعالى: ﴿مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ﴾، أي: ما يجادل في حجج الله وأدلته وينكرها إلا الذين جحدوا توحديه (ورسالتك).
﴿فَلاَ يَغْرُرْكَ﴾ يا محمد ﴿تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد﴾ في البلاد، أي: لا يغررك يا محمد تصرفهم وبقاؤهم مع كفرهم فتحسب أنهم على شيء من الحق، إنما أمهلهم ليبلغ الكتاب أجله.
قال قتادة: ﴿تَقَلُّبُهُمْ﴾ في البلاد تصرفهم في أسفارهم.
ثم قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾، أي: كذّبت قبل قومك يا محمد قوم نوح.

صفحة رقم 6400

﴿والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ﴾، يعني عاداً وثموداً وقوم صالح وقوم لوط وقوم فرعون. كذبوا كلهم بعد نوح وغيرهم. فكما كان عاقبة أولئك الذين كذبوا الهلاك، كذلك يكون عاقبة هؤلاء على تكذيبهم لك.
ثم قال تعالى: ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾. قال قتادة: ليقتلوه.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَادَلُوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق﴾، أي: وخاصموا رسولهم بالباطل من الخصومة ليبطلوا بجدالهم الحق الذي جاء به من عند الله.
وأصل الدحض، الزلق.
ثم قال تعالى: ﴿فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾، أي فأخذهم عقاب الله. فجعلهم عبرة وعظة لمن بعدهم.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذين كفروا﴾، أي: وجبت وهو قوله جل ذكره: ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩، السجدة: ١٣].
والمعنى: كما وجب العذاب على الأمم السالفة بتكذيبهم الرسل، كذلك وجب على من كذبك يا محمد.
ثم أخبر تعالى ذكره أن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين: {الذين

صفحة رقم 6401

يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ}، أي: يحملون عرش الله جل ذكره، وعز وجهه.
والذين حول العرش من ملائكته يصلون بحمده وشكره.
﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾، أي: يقرون بالله أنه لا إله لهم سواه، ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقروا بمثل إقرارهم.
وقال قتادة: ويستغفرون للذين آمنوا: أهل لا إله إلا الله.
ثم قال: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً﴾، أي: ويقولون: ربنا، وسعت رحمتك وعلمك كل شيء من خلقك فعلمت كل شيء لا يخفى عليك شيء، ورحمت خلقك فوسعتهم رحمتك، فرزقتهم على كفر من كفر منهم بك برحمتك، برزقك قد وَسِعْتَ الكافر والمؤمن، ووسعت المؤمنين في الآخرة فأنقذتهم من النار وأدخلتهم الجنة.

صفحة رقم 6402

ثم قال عنهم أنهم قالوا: ﴿فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ﴾: أي: تابوا من الشرك.
﴿واتبعوا سَبِيلَكَ﴾، أي: وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه وهو الإسلام. قال قتادة: اتبعوا سبيلك، أي طاعتك ".
﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم﴾، أي: اصرف عنهم عذاب النار يوم القيامة.
وسؤال الملائكة الله تعالى في المغفرة للمؤمنين وإدخالهم الجنة هو قوله تعالى
﴿كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً﴾ [الفرقان: ١٦]، أي: إدخال المؤمنين الجنة والمغفرة لهم هو وعد من الله للملائكة فيهم إذ (سألوه) ذلك، وهو سؤالهم الله في هذه السورة. قال جميع ذلك القرطبي.
وجاز أن يسألوا الله تعالى ما قد وعد به سبحانه وتعالى على طريق التعجيل بذلك لهم على طريق الوفاء لهم بما وعدهم، فالله لا يخلف الميعاد، فلا يُسأل في وفاء

صفحة رقم 6403

وعده إنما هو سؤال أن يعجل لهم ذلك.
ثم قال تعالى: ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ﴾، أي: ويقولون يا ربنا وأدخل هؤلاء الذين تابوا عن الشرك جنات إقامة.
قال كعب: جنات عدن: قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيئون والصديقون والشهداء. وأئمة العدل.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ﴾، أي: وأدخل جنات عدن من صلح من آباء هؤلاء التائبين وأزواجهم وذرياتهم.
قال قتادة: يدخل الرجل الجنة فيقول أين أبي؟ أين أمي؟ أين ولدي؟ أين زوجتي فيقال: لم يعملوا مثل عملك، فيقول: كنت أعمل لي ولهم! فيقال: أدخلوهم الجنة، ثم قرأ: ﴿وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ﴾ الآية.
وقوله: ﴿إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم﴾، أي: العزيز في انتقامك من أعدائك، الحكيم في تدبير خلقك.
ثم قال تعالى: ﴿وَقِهِمُ السيئات وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ أي: ويقولون يا

صفحة رقم 6404

ربنا وقهم عذاب السيئات التي عملوها في الدنيا، ومن تقه عقاب السيئات يوم القيامة فقد دحمته.
﴿وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم﴾، أي: النجاة من النار.
وقال نِفْطَوَيْه: معنى السيئات، أنها ما يسوء صاحبها.
فمعنى: ﴿وَقِهِمُ السيئات﴾: وقهم ما يسوءهم من عقابك وغضبك، ومنه قوله: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى﴾ [الأعراف: ١٣٠]، أي: إن يصبهم ما يسوءهم يطيَّروا بموسى: وكذلك قوله: ﴿وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٨]، معناه: ما أصابك من سوء فبذنبك.
قال مطرف: وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة، وأغش العباد للعباد

صفحة رقم 6405

للشياطين، ثم تلا الآية ﴿الذين يَحْمِلُونَ العرش﴾.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ﴾.
قال الحسن، يعطون كتابهم، فإذا نظروا في سيئاتهم مقتوا أنفسهم فيقال لهم: لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسهم اليوم.
فمن الآية تقديم وتأخير على قوله.
قال مجاهد: إذا عاينوا أعمالهم مقتوا أنفسهم فنودوا: لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم.
قال قتادة: معناه: لمقت الله لكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم إذا عاينتم النار - مثل قول الحسن - وهو الكسائي وغيره.
وقيل: معناه: (كبر مقتكم أنفسكم) أكبر من مقت بعضكم بعضاً

صفحة رقم 6406
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية