آيات من القرآن الكريم

قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

كناية عن الدوام في عذاب النار، كقوله تعالى بالنسبة لأهل الجنة: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم ١٩/ ٦٢] «١».
المناظرة بين الرؤساء والأتباع في النار
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠)
الإعراب:
تَبَعاً أورده بلفظ الواحد، وإن كان خبرا عن جماعة، لأنه مصدر، والمصدر يصلح للجميع.
مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مفعول به ل مُغْنُونَ.
إِنَّا كُلٌّ فِيها كُلٌّ: مبتدأ، وهو في تقدير الإضافة، وفِيها: خبره، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع رفع خبر (إن). ولا يجوز أن ينصب كُلٌّ على البدل من ضمير إِنَّا، لأن ضمير المتكلم لا يبدل منه، لأنه لا لبس فيه، حتى يوضح بغيره. وقرئ «كلّا» على التأكيد، لأنه بمعنى كلنا، وتنوينه عوض عن المضاف إليه.
ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ جواب مجزوم، والأكثر في كلام العرب أن يكون جواب الأمر وشبهه بغير فاء، وهو الأفصح.

(١) تفسير الرازي: ٢٧/ ٧٣

صفحة رقم 135

المفردات اللغوية:
وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ واذكر يا محمد وقت تخاصم الكفار في النار، والمحاجّة: المجادلة والتخاصم بين اثنين فأكثر. إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً أتباعا جمع تابع، كخدم جمع خادم. مُغْنُونَ دافعون أو حاملون. نَصِيباً جزءا وقسطا، أي فهل أنتم حاملون عنّا جزءا من العذاب أو دافعون جزءا؟
إِنَّا كُلٌّ فِيها نحن وأنتم، فكيف نغني عنكم؟ ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا. إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ فأدخل المؤمنين الجنة، والكافرين النار. وحَكَمَ قضى، ولا معقّب لحكمه. لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ هم القوّام بتعذيب أهل النار، جمع خازن. يَوْماً مِنَ الْعَذابِ قدر يوم مِنَ الْعَذابِ شيئا من العذاب. قالُوا أي الخزنة تهكّما. بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الظاهرات. قالُوا: بَلى أقروا بإرسال الرسل، لكنهم كفروا بهم. قالُوا: فَادْعُوا قال الخزنة لأهل النار: فادعوا أنتم، فإنه لم يؤذن لنا في الدعاء لأمثالكم، وإننا لا نشفع للكافرين، وفيه إقناط من الإجابة، فقال تعالى حاكيا ما أخبروهم به: وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ خسار وضياع وانعدام.
المناسبة:
هذا ابتداء قصة لا تختص بآل فرعون، فبعد أن أوضح الله تعالى أحوال النار في عظة مؤمن آل فرعون، ذكر تعالى عقيبها قصة المناظرة والجدل التي تجري بين الرؤساء والأتباع من أهل النار.
التفسير والبيان:
وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ، فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ أي واذكر أيها الرسول لقومك للعظة والعبرة وقت تخاصم الكفار أهل النار وهم فيها، ومنهم فرعون وقومه، فيقول الضعفاء الأتباع للرؤساء والسادة والقادة الذين استكبروا عن اتّباع

صفحة رقم 136

الأنبياء، ومكروا لصدّ الناس عن الإيمان: إنا كنّا تابعين لكم، وقد أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلال، ودخلنا النار بسبب اتّباعكم، فهل تدفعون عنّا قسطا أو جزءا من العذاب، أو تتحملونه عنّا؟ فأجابهم الرؤساء بما حكاه تعالى:
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنَّا كُلٌّ فِيها، إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ أي قال المستكبرون للمستضعفين: إنا نحن وأنتم جميعا في جهنم، فكيف نغني عنكم؟
فلو قدرنا على دفع شيء من العذاب لدفعناه عن أنفسنا، إن الله قضى قضاءه العادل المبرم بين العباد، بأن فريقا في الجنة، وفريقا في السعير، وقسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كلّ منّا، كما قال تعالى: قالَ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف ٧/ ٣٨].
ولما يئسوا من السادة اتّجهوا إلى خزنة جهنم يطلبون منهم الدعاء، فقال تعالى:
وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ: ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ أي وقال أهل النار من الأمم الكافرة لسدنة جهنم وقوّامها (وهم الملائكة القائمون عليها لتعذيب أهل النار) : ادعوا الله ربّكم لعله أن يخفف عنا مقدار يوم من العذاب، بأن تشفعوا لنا عند الله تعالى لتخفيف يسير، وذلك لما علموا أن الله عزّ وجلّ لا يستجيب منهم، ولا يستمع لدعائهم.
فردّت الخزنة عليهم موبّخين ملزمين لهم الحجة، كما قال تعالى:
قالُوا: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ؟ قالت الخزنة لأهل النار:
أو ما جاءتكم الرسل في الدنيا بالحجج والأدلة الواضحة على توحيد الله، والتحذير من سوء العاقبة؟! أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا [الزمر ٣٩/ ٧١].

صفحة رقم 137

قالُوا: بَلى قال أهل النار: بلى قد جاءتنا الرسل، فكذبناهم، ولم نؤمن بهم ولا بما جاؤوا به من الحجج.
فلما اعترفوا قالت لهم الخزنة تهكّما:
قالُوا: فَادْعُوا، وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أي قالت الخزنة لأهل النار: إذا كان الأمر كما ذكرتم، فادعوا أنتم لأنفسكم، فنحن لا ندعو لمن كفر بالله وكذّب رسله بعد مجيئهم بالحجج الواضحة، ونحن برآء منكم، ثم أخبروهم بأن دعاءهم لا يفيد شيئا، فما دعاء الكافرين بالله ورسله إلا في ضياع وبطلان وذهاب لا يقبل ولا يستجاب.
أخرج الترمذي وغيره عن أبي الدرداء قال: «يلقى على أهل النار الجوع، حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون منه، فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيأكلونه لا يغني عنهم شيئا، فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيغصّون به، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء، فيستغيثون بالشراب، فيرفع لهم الحميم بالكلاليب، فإذا دنا من وجوههم شواها، فإذا وقع في بطونهم قطّع أمعاءهم وما في بطونهم، فيستغيثون بالملائكة يقولون:
ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ فيجيبوهم: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ، قالُوا: بَلى، قالُوا: فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ- أي خسار وتبار»
.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
١- يشتدّ الجدال والخصام يوم القيامة في نار جهنم بين الأتباع الضعفاء والمتبوعين الرؤساء الذين استكبروا عن الانقياد للأنبياء، فيقول الأولون: إنّا

صفحة رقم 138

كنّا أتباعا لكم في الدنيا فيما دعوتمونا إليه من الشرك، فهل أنتم الآن متحملون عنّا جزءا من العذاب؟
٢- أجاب الكبراء: إنا نحن وأنتم جميعا في نار جهنم، وإن الله قضى بين العباد، وأخذ كل واحد منا ما يستحقه، ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره، فكل منا كافر.
٣- لما يئس الكفار من بعضهم طلبوا من خزنة جهنم وهم ملائكة العذاب أن يدعوا لهم ربّهم بأن يخفف عنهم شيئا من عذاب جهنم، ولو يوما واحدا.
فردت عليهم الخزنة: ألم تأتكم الرسل بالبيّنات الدالة على طريق النجاة، والحيلولة بينكم وبين سوء العاقبة؟! وهذا دليل على أن الواجب لا يتحقق إلا بعد مجيء الشرع، فلا تكليف قبل إرسال الرسل وإنزال الشرائع، ولا عقاب أيضا، كما قال تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء ١٧/ ١٥].
٤- ثم قال الملائكة خزنة جهنم للكفار: ادعوا أنتم، فإنا لا نجترئ على ذلك، ولا نشفع إلا بشرطين:
أحدهما- كون المشفوع له مؤمنا.
والثاني- حصول الإذن في الشفاعة، ولم يوجد واحد من هذين الشرطين.
لكن ادعوا أنتم، للدلالة على الخيبة، لا لرجاء النفع، ثم يصرّحون لهم بأنه لا أثر لدعائهم وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أي خسار وبطلان وزوال.

صفحة رقم 139
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية