آيات من القرآن الكريم

يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ

وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)
شرح الكلمات:
وقال الذي آمن: أي مؤمن آل فرعون.
مثل يوم الأحزاب: أي عذاباً مثل عذاب الأحزاب وهم قوم نوح وعاد وثمود.
مثل دأب قوم نوح: أي مثل جزاء عادة من كفر قبلكم وهي استمرارهم على الكفر حتى الهلاك فهذا الذي أخافه عليكم.
يوم التناد: أي يوم القيامة وقيل فيه يوم التنادي لكثرة النداءات فيه إذ ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة.
يوم تولّون مدبرين: أي هاربين من النار إلى الموقف.
ولقد جاءكم يوسف من قبل: أي يوسف بن يعقوب الصديق عليهما السلام من قبل مجيء موسى إليكم اليوم.
قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا: أي قلتم هذا من دون دليل فبقيتم كافرين إلى اليوم.
كذلك يضل الله من هو مسرف: أي مثل إضلالكم هذا يضل الله من هو مسرف في الشرك والظلم.
مرتاب: أي شاك فيما قامت الحجج والبينات على صحته.
يجادلون في آيات الله بغير سلطان: أي يخاصمون في آيات الله لإبطالها بدون سلطان أي حجة وبرهان.
كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا: أي كبر جدالهم بالباطل مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا.

صفحة رقم 531

كذلك: أي مثل إضلالهم يطبع الله أي يختم بالضلال على كل قلب متكبر.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم فيما دار من كلام في مجلس الحكومة، وها هو ذا مؤمن آل فرعون يتناول الكلمة بعد فرعون الذي أعاد تقريراً ما عزم عليه من قتل موسى عليه السلام فقال ما أخبر تعالى به عنه في قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ﴾ وهنا أعلن عن إيمانه الذي كان يكتمه يا قوم إني أخاف عليكم أي إن أنتم أصررتم على قتل موسى وقتلتموه ﴿أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ﴾ وهو اليوم الذي أخذ الله فيه قوم نوح، وعاد وثمود أي أخاف عليكم جزاء عادتهم وهي استمرارهم على الكفر والشك والتكذيب حتى حلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه وواصل وعظه قائلاً، ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (١) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ أي فارين من النار هاربين إلى الموقف وهو يوم القيامة الذي تكثر فيه النداءات والصرخات ﴿مَا لَكُمْ (٢) مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ يعصمكم من العذاب وينجيكم منه. وبعد هذا الوعظ البليغ قال ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ إشارة إلى أن القوم لم يتأثروا بكلامه فقال متعزياً بعلمه بتدبير الله في خلقه فقال: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ فإن من كتب الله عليه الضلال ليصل إلى الشقاوة بكسبه فلا هادي له أبداً، إذ الله لا يهدي من يُضل ثم قال لهم مواصلاً كلامه ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ (٣) يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ﴾ أي من قبل موسى وهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام بالبينات والحجج الدالة على توحيد الله ووجوب طاعته، غير أنكم مع الأسف ﴿مَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ﴾ فلم تؤمنوا ولم توقنوا ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ (٤) ﴾ أي مات عليه السلام فرحتم بموته ﴿قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً﴾ متخرصين متقولين على الله بدون علم فأضلكم الله بكذبكم عليه ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ (٥) ﴾ في الكذب مثلكم ﴿مُرْتَابٌ﴾ في كل شيء لا يعرف اليقين في شيء، والعياذ بالله، ثم

١- قراءة العامة التناد بتخفيف الدال من النداء وهو الدعاء والطلب للحضور أو الإغاثة وقرئ التناد بتشديد الدال من ندّ البعير إذا هرب إذ هم فعلاً يهربون وشاهده في الآية يوم تولون مدبرين. والجمهور على حذف الياء وقفاً ووصلاً. وبعضهم أثبتها وصلا ووقفاً وكلا القراءتين صحيحة.
٢- هذه الجملة في موقع الحال والعاصم المانع والحافظ.
٣- لما تفرّس فيهم عدم نفع النصح لهم آثر عتابهم ولومهم بقوله ولقد جاءكم يوسف الخ واللام في ولقد جاءكم لام القسم لأنهم كالمنكرين فلذا أكد الخبر بالقسم.
٤- إذا اسم للزمان الماضي مجرور بحتى قبلها وليست بظرف أي حتى زمن هلاك يوسف قلتم.. والقائل أسلافهم الغابرون يوم مات يوسف عليه السلام.
٥- المسرف: المفرط في فعل أو قول مالا خير فيه، والمرتاب الشديد الريب أي الشك.

صفحة رقم 532

أعلمهم أن الذين يجادلون في آيات الله يريدون إبطال الحق وإطفاء نوره بكلامهم بغير حجة لديهم ولا برهان أتاهم جدالهم ذلك أكبر مقتاً أي أشد شيء يمقته الله ويبغضه من صاحبه، وكذلك عند الذين آمنوا. وختم كلامه بقوله ﴿كَذَلِكَ (١) يَطْبَعُ اللهُ﴾ أي كإضلال من هو مسرف مرتاب يطبع الله ﴿عَلَى كُلِّ قَلْبِ (٢) مُتَكَبِّرٍ﴾ أي قلب كل إنسان متكبر على الإيمان والطاعة متجبر متعاظم يريد إجبار الناس على مراده وما يهواه. وإلى هنا انتهى كلام الرجل المؤمن والكلمة الآن إلى فرعون الطاغية وسنقرأها في الآيات التالية بعد رؤية ما في الآيات من هداية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- قوة الإيمان تفجر قلب المؤمن بأنواع من المعرفة والحكمة في قوله إذا قال.
٢- التذكير بالأمم الهالكة إذ العاقل من اعتبر بغيره.
٣- التخويف من عذاب الآخرة وأهوال القيامة.
٤- التنديد بالإسراف والارتياب وعدم اليقين.
٥- حرمة الجدال بغير علم، وأن صاحبه عرضة لمقت المؤمنين بعد مقت الله تعالى.
٦- عرضة المتكبر الجبار للطبع على قلبه ويومها يحرم الهداية فلا يُهدى أبداً.
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (٣٧) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (٣٨) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ

١- جائز أن يكون هذا من كلام مؤمن آل فرعون ختم به كلامه معهم. وجائز أن يكون من كلام الله تعالى معترض بين كلام المؤمن وكلام فرعون.
٢- المتكبر هو ذو الكبر والجبار الذي يكره الناس على ما لا يحبون عمله لظلمه وعتوه وقرأ الجمهور على كل قلب متكبر بإضافة قلب إلى متكبر وقرأ بعضهم بتنوين قلب بدون إضافة فيكون متكبر نعتاً لقلب.

صفحة رقم 533
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية