آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ

واعلموا أيها الناس أن ذلك الإله الجليل الذي ستعرضون عليه في ذلك اليوم «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ» استراق النظر من أحدنا إلى ما لا يحل، فكل نظرة لما نهى الله عنه تسمى خائنة يحاسب عليها العبد، ألا فليتق الله الإنسان وليصرف نظره عن المحارم إلى ما أحل الله والتفكر في ملكوته والتملي من كتابه، ولا يستحسن إلا الحسن الجائز له أن يستحسنه، قال بعض العارفين:

وعيني إذا استحسنت غيركم أمرت الدموع بتأديبها
لأن البكاء من خشية الله يطهر المساويء «وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ١٩» يعلمه أيضا وما هو أخفى لاستواء السر والعلانية عنده، فكل ما تضمره القلوب من خيانة أو غل أو غش أو حسد أو غيره يعلمه الله، فافعلوا ما شئتم أيها الناس فهو لكم بالمرصاد «وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ» بينكم وبينه وبينكم وبين عباده وأعدائه، لا رجاء ولا رشاء ولا مودة ولا مكانة ولا مال ولا جاه ولا منصب ولا عشيرة «وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ» أوثانا ويعبدونها بدله أو يشركونها معه بالعبادة «لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ» لدعاتهم ولا لعبادهم في ذلك اليوم وقد كانوا في الدنيا يقضون بينهم بحق وباطل بحسب ما تهواه أنفسهم، أما اليوم فالحكم كله لله ولا يكون إلا بالحق وهذا من قبيل التهكم فيهم، لأن من لا يوصف بالقدرة لا يقال له يقضي أو لا يقضي، وهذا أبلغ من جعل يقضي هنا من باب المشاكلة لأن القصد السخرية بهم لا الاستدلال على صلاحيتهم للإلهية والقضاء. واعلم أنا قد نأتي بالضمائر في مثل هذا كضمائر العقلاء موافقة لزعم عابديها، لأن القرآن العظيم أتى بمثل ذلك لهذا الفرض «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ» لأقوال خلقه «الْبَصِيرُ ٢٠» بأفعالهم فيكافيء كلا بما يستحقه بمقتضى عمله، وفي الآية تعريض بأن أصنامهم لا تبصر ولا تسمع ولا تعلم ولا تقدر على شيء،
قال تعالى «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ» وكيف أهلكناهم وبقيت ديارهم خاوية «كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ» من قومك يا سيد الرسل «قُوَّةً» على تحمل المشاق والقتال وغيره «وَآثاراً فِي الْأَرْضِ» أيضا أكثر منهم لأنهم مكثوا فيها وعمروا أكثر منهم كما يعلم من المعالم المتروكة عنهم وأطلال ديارهم،

صفحة رقم 576

ومع هذا كله فلم تغن عنهم قوتهم وتعميرهم من الله شيئا «فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ» التي عملوها، فاعتبروا بهم وأقلعوا عما يوجب أخذكم، فالعاقل من اعتبر بغيره «وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ ٢١» يقيهم عذابه أو يحول دون نزوله بهم «ذلِكَ» الأخذ الفظيع من قبل الإله العظيم «بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ» ليؤمنوا «فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ» بكفرهم وعدم طاعتهم أنبيائهم وعدم اكتراثهم بهم وبما أظهروه لهم من الأدلة الواضحة على وحدانيته «إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ ٢٢» دائمه لا مخلص لأحد منه ولا مهرب لمن قدّر له منه، وكل عقاب دون عقابه هين، لأنه منته ولا نهاية لعقاب الله.
قال تعالى فيما يقصه على نبيه «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ» ٢٣» «إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ ٢٤» كرر الله تعالى هذه القصة لنبيّه بأوسع مما ذكرها قبل في سورة القصص في ج ١ وما بعدها وغيرها تسلية له لئلا يحزن على عدم إيمان قومه ولا يضجر مما وصموه به فإن قوم موسى جابهوه بأكثر مما وصمت قريش محمدا ﷺ ولتكون له أسوة به فلا يجزع، وليقف على ما فعلوه به عدا ذلك «فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا» لم يكتفوا بتكذيبه وإنكار معجزاته ورميه بالكذب والسحر بل «قالُوا» لقومهم «اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ» حتى لا يتابعه أحد، ويتركوا دينه كما فعلوا بقومه ذلك قبل ولادته ورسالته، فأبطل الله كيدهم وقال «وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ٢٥» لأن الطريقة التي اتبعوها أولا كانت بقصد موسى، وقد حفظه الله منهم حتى ربّاه في داره، فعودهم إليها الآن بقصد التخلي عنه وعدم إيمان أحد به، ورجوع قومه إلى دينهم لا يغني عنهم من تنفيذ قضاء الله بإبقائهم مؤمنين واستخلاصهم من قبضة فرعون وقومه، كما لم تغن أعمالهم الأولى من قتل موسى، إذ حفظه الله ونجاه من كيدهم.
مطلب قصة موسى مع فرعون واستشارة فرعون قومه بقتله ومدافعة مؤمن آل فرعون عنه:
ثم ذكر الله تعالى ما كان يضمره فرعون لموسى عليه السلام وهو «قالَ فِرْعَوْنُ»

صفحة رقم 577

لوزرائه وخاصته وحاشيته «ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ» ليمنعه مني وذلك أنه كان مصممّا على قتله وكلما أراد تنفيذ ما صمم عليه يكفونه عنه خوف سوء السمعة لئلا يقول الناس إنه عجز عن معارضته بالحجة فقتله. وهذا قول حق قد أنطقهم الله به ليحفظ الله موسى من القتل تنفيذا لوعده بذلك المار في الآية ٤٥ من سورة طه والآية ٢٥ من سورة القصص المارتين في ج ١، وقد نصحوا ملكهم بهذا، وهكذا الوزراء الذين يحرصون على سمعة ملكهم يشيرون عليه بكل ما يحفظ سمعته من الشوائب. على أن فرعون لا يقدر على قتله لو وافقوه عليه، لأن الله تعالى حافظه ومنجز وعده له بإهلاك فرعون واستخلاص قوم بني إسرائيل منه، والخبيث فرعون يعرف يقينا بدهائه وذكائه أن موسى نبي مرسل من الله وأنه لا يستطيع إيقاع أي شيء به، وأنه سيهدم ملكه، ولو هم بقتله لعاجله الله بالهلاك، قبل أن يمسه الله بسوء. ولذلك لم يجرؤ عليه، وإلا فهو السفّاك للدماء بأقل شيء، وإنما كان يهدد تهديدا رغبة بامتداد أجله ويموه على قومه بما يقول وليظهر أنه قادر على قتله وقال لهم بما يستعجلهم لموافقته «إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ» السوي الذي أنتم عليه ويغير سلطانكم ويستذلكم فيتفوق عليكم «أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ ٢٦» الهيجان بسبب ما يدعو إليه فيكثر القتل وتتعطل معايش الناس ومصالح الدولة، ولهذا أريد أن توافقوني على قتله، قاتله الله على هذا التمويه، إذ ما هو عليه ليس بدين يرتضى حتى يخاف على تبديله، وهل على وجه الأرض أفسد منه في زمانه حتى يخاف الفساد، ولكن حب الرئاسة حبذّ له بيع الباقية بالفانية، وحمله على ذلك. ولما سمع موسى قوله ورأى ما هو عازم عليه قال ما أخبر الله عنه بقوله عز قوله «وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ٢٧» مخاطبا قومه عليه السلام بالتجائه إلى ربه مما توعده به فرعون، كما أن فرعون خاطب قومه بما أراده فيه محتجا بما ذكره من الترهات، وإنما قال (لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) لأن فرعون وقومه لا يعتقدون وحدانية الله، فجاهرهم بذلك. ونظير هذه الآية الآية ١٢١ من سورة الأعراف المارة في ج ١، ولما كان مؤمن آل فرعون المار

صفحة رقم 578

ذكره في الآية ٧ من سورة القصص المارة في ج ١، يسمع قول فرعون وآله وقول موسى عليه السلام، أخذته الأريحية، فانتبهت مروءته «وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ» بموسى وربه من يوم ألقي في البحر، راجع قصته في الآية المذكورة آنفا من القصص «أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا» أيها الناس بسبب «أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ» استفهام إنكار بتعجب لأن مثل هذا ينبغي أن يتّبع لا أن يقتل، وكيف تقتلونه «وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ» اليد والعصا وإزالة العقدة وإفحام السحرة «مِنْ رَبِّكُمْ» برهانا واضحا على صدق دعوته وفي قوله رحمه الله (مِنْ رَبِّكُمْ) بعث لهم على أن يقتدوا به بالكفّ عن تعرضه فيما يدعيه «وَإِنْ يَكُ كاذِباً» كما تزعمون «فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ» لا يلحقكم من وباله شيء «وَإِنْ يَكُ صادِقاً» وكذبتوه بما جاءكم عنادا لا بد «يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ» به من العذاب إن لم يحل بكم كله. وهذه على طريقة التقسيم في بديع الكلام، أي الأمر لا يخلو من أحد هذين الأمرين وكان أوعدهم بعذاب الدنيا والآخرة، وعليه يكون المراد بالبعض هنا عذاب الدنيا، لأنه مهما عظم فهو جزء قليل من عذاب الآخرة، وقد تأتي بعض بمعنى الكل، قال عمرو القطامي:

قد يدرك المتمني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
ولعلها التأني بدليل مقابلتها بالمستعجل. وقال:
إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
وقال الآخر:
تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حمامها
أي لا أزال أترك ما لم أرضه من الأمكنة إلا أن أموت، والأولى حملها على ظاهرها، لأن هذه الشواهد ليست بقوية لإمكان حمل بعض منها على ظاهرها، هذا، وقد أراد بخطابه فرعون ووزراءه وحاشيته الذين استشارهم بقتل موسى، وقد سلك رضي الله عنه في كلامه هذا غاية في المداراة ونهاية في الإنصاف بتوفيق الله له وهدايته للإيمان «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ٢٨» وهذه الجملة أيضا فيها مجاملة ومجاهلة، لأن ظاهرها الذي يريد أن يفهمه لهم هو إن

صفحة رقم 579
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية